makakola
05-04-2011, 07:55 AM
خواطر حول ازمة التعليم فى مصر (http://civicegypt.org/?p=1049)
http://civicegypt.org/wp-content/uploads/2011/03/emad-150x150.jpg
عماد نصر ذكرى
أمة فى خطر
( A Nation at Risk )
هذا هو عنوان التقرير الذى صدر فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1983 لافتاً للأنظار إلى أزمة التعليم فى البلاد ومحذراً من انه إذا إستمرت الأوضاع على ماهى عليه فمن المتوقع أن تفقد أمريكا مكانتها العلمية والإقتصادية فى العالم وأن تسبقها دول كثيرة فى أوروبا وآسيا مثل اليابان والصين. وإذا كانت هذه المخاوف قد ساورت المعنيين بالأمور فى هذه الدولة العظمى فمن المنطقى أن أحوال التعليم الحكومى فى مصر تحتاج لوقفة أو وقفات بعد أن بلغت حداً مروعاً ومرعباً من التردى لدرجة أننا نسمع أن بعض الحاصلين على الشهادة الإعدادية لايعرفون كتابة أسمائهم باللغة العربية وأصبح لزاماً على المسئولين أن يشخصوا أسباب المشاكل المتراكمة والمتفاقمة منذ سنوات طويلة والبحث عن حلول علمية عملية يمكن البدء فى تطبيقها فى أقرب وقت حتى نستطيع إجتياز مرحلة الخطر.
المدرسة : المعنى والمبنى
قف للمعلم وفه التبجيلا ، كاد المعلم أن يكون رسولا. هل مقولة أمير الشعراء أحمد شوقى مازالت تنطبق على معلمى اليوم؟
إن المعلم الغير مؤهل جيداً أو لايمتلك ملكة التدريس من الأساس والذى بالكاد يجد قوت يومه ولا يستطيع هو نفسه أن يعلم أولاده تعليماً لائقاً لاننتظر منه أن يمنح تلاميذه علماً أو قيماً أو خلقاً. بل أن المعلم أصبح هو الذى يقف للتلميذ ويوفيه التبجيلا ليس لأن التلميذ كاد أن يكون رسولاً بل لأن الدروس الخصوصية التى لايستطيع المدرس الإستغناء عنها جعلت التلميذ هو الممول الفعلى له وليس الدولة وفى المقابل يمنح المدرس تلميذه قشور العلم (أو أسئلة الإمتحان) فى شربة مرة يتجرعها التلميذ ثم يتقيأها فى الإمتحان ولا يعود يتذكر منها شيئاً وبالطبع إذا خانت التلميذ ذاكرته أثناء الإمتحان فيمكنه الإستعانة بصديق تحت سمع وبصر مدرسه وقد يكون المدرس نفسه هو خير صديق.
وبالطبع لاينتج من هذه العلاقة المشوهة سوى مواطن محدود المعرفة والثقافة لايجد أمامه مثلاً أعلى يقتدى به ولا يحترم العلم الذى لايكيل بالبتنجان ولا يهتم سوى بجمع المال ولو بطرق غير مشروعة ولتذهب الأخلاق إلى الجحيم.
وبالطبع أنا لا أنوى الإستفاضة فى الحديث عن المدارس الآيلة للسقوط والفصول التى لاتصلح للإستهلاك الآدمى لأن المدرس والتلاميذ هجروا المدرسة منذ زمن كما أن المعنى فى رأيى أهم كثيراً من المبنى ، فأفلاطون كان يدرس الفلسفة والرياضيات فى أكاديميته التى كانت تشغل مبنى غاية فى البساطة والتواضع.
التعليم الجامعى
أصاب التعليم الجامعى الكثير من العوار الذى إستوطن التعليم الأساسى ، فالطالب الذى اعتاد النجاح بل والتفوق بحفظ نماذج مكررة من الأسئلة دون فهم أو سعى حقيقى للتعلم واكتساب المعرفة لايطالع غالباً أى مرجع علمى جاد خلال سنوات الدراسة الجامعية ويواصل تعاطى العلم أو الجهل المتخفى خلف قناع علمى ( وهو أشد خطراً من الأمية) عن طريق ملخصات شبيهة بالوجبات السريعة التى تملأ الراس إلا أنها لاتؤدى إلى الصحة العقلية.
ومن الطبيعى فى ظروف تعليمية كهذه أن تطول المهزلة الدراسات العليا أيضاً ، فحين كنت أجمع المادة العلمية لرسالتى الماجستير والدكتوراة هالنى كم الأخطاء اللغوية الساذجة التى تعج بها رسائل لاتضيف للعلم شيئاً وأجيزت تحت اشراف أساتذة أجلاء وكنت أسأل نفسى هل إنحدر مستوى اللغة لديهم إلى هذه الدرجة أم أنهم لايكترثون بالقراءة المتأنية لإنشغالهم بعملهم الخاص ولا يهتمون بأداء رسالتهم داخل الجامعة بعد أن أخذوا منها اليافطة وحصلوا على الترقية بأبحاث قد تكون هى الأخرى هزيلة أو مسروقة وأنجزت بطريقة شيلنى واشيلك.
والواقع أن الشهادات المصرية اصبحت غير معترف بها فى الدول المتقدمة وعلى المصرى أن يحصل على شهادات معادلة ليعمل فى غالبية الدول الأوروبية وأمريكا وكندا. بل أن الدول العربية تمنح الأطباء الحاصلين على الزمالة الإنجليزية مثلاً أجراً أعلى من زملائهم الذين يحملون الدكتوراه من أى من الجامعات المصرية كما أن بعض هذه الدول العربية أصبحت تشترط على الأطباء الحاصلين على درجة الماجستير من الجامعات المصرية أن يجتازوا إمتحاناً ليسمح لهم بمارسة المهنة وهذا خزى وعار لايمكن أن يقبله أى وطنى محب لبلده. وليس بالغريب أن يصدر اكثر من تقرير لتصنيف الجامعات ولا نجد فيه أى ذكر لأى جامعة مصرية بينما ضمت القائمة جامعات من أفريقيا وإسرائيل التى لاندرك للآن أن مقاومتها لن تكون إلا بالمنافسة العلمية والإقتصادية وليس بدعاء العجزة قليلى الحيلة إلى ربهم أن ينزل الطير الأبابيل لترمى بنى اسرائيل بحجارة من سجيل.
الجامعة والعقل والأخلاق
إن كثير من أساتذة الجامعة فى مصر توقفوا عن أن يكونوا البوصلة الهادية للمجتمع بل أصبحوا مجرد مرددين لخزعبلات العامة ومنهم من يطرق أبواب المشعوذين والدجالين لمعرفة طالعه أو يحترف الدجل بنفسه مثل الأستاذ الذى يعالج المرضى بالأعشاب وهو ليس طبيباً وأصبح سوبر ستار بعد أن ولج عالم الطب النبوى واقتدى به كثيرون عملاً بمبدا اللى تغلب به إلعب به. واساتذة آخرون تحلوا بأخلاقيات البرو ليتاريا الرثة من تدبير المؤامرات والوشايات الرخيصة ضد زملائهم بل وأساتذتهم.
نجد أستاذ جامعى يبدو عليه الوقار والإحترام وهو فى حقيقة الأمر خدام ناقل للكلام لسادته من رؤساء الخدم لأن فلسفته فى الحياة " لو كان لك حاجة عند الكـلـب قل له يا سيدى" وهو شعار العبيد حتى لو كانت أسماؤهم يسبقها لقب السيد ومضاف إليه الأستاذ الدكتور.
وفى هذا السياق لا أنسى كتاب صدر فى مصر منذ عدة سنوات بعنوان " تراث العبيد فى حكم مصر المعاصرة" ولم يجرؤ مؤلفه على وضع اسمه عليه واكتفى بذكر حرفى ع. ع. وهو يستفيض فيه بذكر تفاصيل الإنحطاط الأخلاقى المتفشى فى اروقة الجامعة والذى يرى المؤلف انه موروث من عصر المماليك الذين شربوا المصريين ثقافة الهمز واللمز والمؤامرات التى كانت طريق المملوك لتولى العرش بعد التخلص من سيده.
كما أن التدين الشكلى المصاحب لكل أشكال الإنحراف الخلقى وصل إلى الجامعة ، فيمكن أن نسمع حواراً بين أستاذة محجبة وأستاذ لايصافح السيدات عن رغبتهم فى عدم تعيين غير المحجبات فى القسم الذى يعملون به ، ومعيد يجرؤ على التطاول على أستاذه لأنه يرتدى دبلة ذهبية وحين حاول الأستاذ الليبرالى أن يجادله بالتى هى أحسن تبجح أكثر واتهم أستاذه بأنه يردد كلام المشركين.
وإذا كنت قد أفضت فى الحديث عن انحرافات بعض السفهاء والأفاقين المتسلقين الذين دنسوا الحرم الجامعى فأنا لا يمكن أن أنسى أساتذة أراهم مثلاً لما يجب أن يكون عليه الأستاذ وأعتبر نفسى محظوظاً لأنى قابلتهم فى رحلة الحياة وتتلمذت على أيديهم ونهلت منهم علماً وخلقاُ. أتذكر دائماً الأستاذة الجليلة المرحومة الدكتورة فوزية حسين والأساتذة مشيرة عبد السلام ونجوى حسن وعصمت عبد الغفار أطال الله فى عمرهن وأدام عليهن نعمة الصحة والعافية. فقد تعلمت منهن الجدية والمثابرة فى العمل وعدم الخجل من الإعتراف بعدم المعرفة حين يتعلق الأمر بموضوع نجهله لأن من قال لا أعلم فقد أفتى والإيثار والصدق والتواضع والترفع عن الصغائر والتسامى والتسامح وغيرها من أخلاقيات السادة.
هل نستطيع إجتياز مرحلة الخطر؟
أرى أن الدولة يجب أن تركز على تحديث كليات التربية وإدخال مناهج جديدة لإعداد معلمين مؤهلين لأداء رسالتهم السامية وأن يكون الإلتحاق بها عن طريق اختبار قدرات لأن التدريس موهبة وملكة مثل الرسم والموسيقى وسائر الفنون. فالمعلم الذى يصلح للتعامل مع الأطفال يحتاج لملكة تختلف عن الذى يدرس للمراهقين.
وعلى الدولة أن ترفع راتب مدرس التعليم الأساسى بأقصى ما تسمح به ميزانيتها لأن مدرس هذه المرحلة يفوق فى أهميته أستاذ الجامعة لأنه يتعامل مع عجينة لينة طرية فى مرحلة التكوين الفكرى والعقلى والوجدانى ، إن أحسن تشكيلها أنتجت إنساناً مثقفاَ واعياً راقياً قادراً أن يتبوأ فى المستقبل أرفع المناصب أو المناصب التى كانت رفيعة مثل أستاذ الجامعة والقاضى وغيره فيعيد لها هيبتها ووقارها ورونقها المفقود.
كما أعتقد أن تغيير أنظمة الإمتحانات التى لاتقيس إلا ملكة الحفظ عند التلميذ أصبح أمراً ملحاً لأن الحفظ لا قيمة له فى عالم اليوم لأن المعلومات متاحة للجميع فى الكتاب والإنترنت والمهم هو القدرة على تحليل المعلومات واكتشاف العلاقات القائمة بينها وإمكانية استخدامها الإستخدام الأمثل لايجاد الحلول المناسبة للمشكلات القائمة. ونوعية الإمتحانات التى تقيس الإستيعاب والفهم لقادرة على اجهاض الدروس الخصوصية التى يجب أن ينص القانون على عقوبات رادعة للمدرسين الذين يتكسبون منها.
إن التعليم الأساسى الحكومى يجب أن يبقى مجانياً أو ان شئنا الدقة يجب أن يعود مجانياً بعد القضاء على سرطان الدروس الخصوصية مع ضمان جودته العالية لكى تختفى أو على الأقل تتضاءل الفجوة القائمة بينه وبين التعليم الخاص التى تخرج للمجتمع أجيالاً متنافرة لا تربطها هوية مشتركة. ويعود للمدرسة تألقها وجاذبيتها ويعود المدرس كسابق عهده رسولاً حاملاً شعلة بروميثيوس للأجيال وتعود العلاقة بين المعلم والتلميذ وثيقة صحية إنسانية ترقى الفكر وتنقى الوجدان وتمد التلميذ بمخزون من المعرفة والذكريات الجميلة يدوم معه مدى الحياة. وأنا شخصياً أتذكر الأستاذ شعيب استاذ اللغة العربية مع كل مقال أكتبه فهو الذى علمنا مبادئ اللغة والنحو بل أنى للآن أتذكر حروف الجر والحروف الناصبة للفعل المضارع كما خرجت من فمه منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وأخيراً لكم أتمنى لمصرنا الحبيبة أن تجتاز مرحلة الخطر لنصبح بحق وحقيق وطناً للعلم والعقل والخلق والإنسان المثقف المنتج الذى يعطى لوطنه أكثر مما يأخذ منه
http://civicegypt.org/wp-content/uploads/2011/03/emad-150x150.jpg
عماد نصر ذكرى
أمة فى خطر
( A Nation at Risk )
هذا هو عنوان التقرير الذى صدر فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1983 لافتاً للأنظار إلى أزمة التعليم فى البلاد ومحذراً من انه إذا إستمرت الأوضاع على ماهى عليه فمن المتوقع أن تفقد أمريكا مكانتها العلمية والإقتصادية فى العالم وأن تسبقها دول كثيرة فى أوروبا وآسيا مثل اليابان والصين. وإذا كانت هذه المخاوف قد ساورت المعنيين بالأمور فى هذه الدولة العظمى فمن المنطقى أن أحوال التعليم الحكومى فى مصر تحتاج لوقفة أو وقفات بعد أن بلغت حداً مروعاً ومرعباً من التردى لدرجة أننا نسمع أن بعض الحاصلين على الشهادة الإعدادية لايعرفون كتابة أسمائهم باللغة العربية وأصبح لزاماً على المسئولين أن يشخصوا أسباب المشاكل المتراكمة والمتفاقمة منذ سنوات طويلة والبحث عن حلول علمية عملية يمكن البدء فى تطبيقها فى أقرب وقت حتى نستطيع إجتياز مرحلة الخطر.
المدرسة : المعنى والمبنى
قف للمعلم وفه التبجيلا ، كاد المعلم أن يكون رسولا. هل مقولة أمير الشعراء أحمد شوقى مازالت تنطبق على معلمى اليوم؟
إن المعلم الغير مؤهل جيداً أو لايمتلك ملكة التدريس من الأساس والذى بالكاد يجد قوت يومه ولا يستطيع هو نفسه أن يعلم أولاده تعليماً لائقاً لاننتظر منه أن يمنح تلاميذه علماً أو قيماً أو خلقاً. بل أن المعلم أصبح هو الذى يقف للتلميذ ويوفيه التبجيلا ليس لأن التلميذ كاد أن يكون رسولاً بل لأن الدروس الخصوصية التى لايستطيع المدرس الإستغناء عنها جعلت التلميذ هو الممول الفعلى له وليس الدولة وفى المقابل يمنح المدرس تلميذه قشور العلم (أو أسئلة الإمتحان) فى شربة مرة يتجرعها التلميذ ثم يتقيأها فى الإمتحان ولا يعود يتذكر منها شيئاً وبالطبع إذا خانت التلميذ ذاكرته أثناء الإمتحان فيمكنه الإستعانة بصديق تحت سمع وبصر مدرسه وقد يكون المدرس نفسه هو خير صديق.
وبالطبع لاينتج من هذه العلاقة المشوهة سوى مواطن محدود المعرفة والثقافة لايجد أمامه مثلاً أعلى يقتدى به ولا يحترم العلم الذى لايكيل بالبتنجان ولا يهتم سوى بجمع المال ولو بطرق غير مشروعة ولتذهب الأخلاق إلى الجحيم.
وبالطبع أنا لا أنوى الإستفاضة فى الحديث عن المدارس الآيلة للسقوط والفصول التى لاتصلح للإستهلاك الآدمى لأن المدرس والتلاميذ هجروا المدرسة منذ زمن كما أن المعنى فى رأيى أهم كثيراً من المبنى ، فأفلاطون كان يدرس الفلسفة والرياضيات فى أكاديميته التى كانت تشغل مبنى غاية فى البساطة والتواضع.
التعليم الجامعى
أصاب التعليم الجامعى الكثير من العوار الذى إستوطن التعليم الأساسى ، فالطالب الذى اعتاد النجاح بل والتفوق بحفظ نماذج مكررة من الأسئلة دون فهم أو سعى حقيقى للتعلم واكتساب المعرفة لايطالع غالباً أى مرجع علمى جاد خلال سنوات الدراسة الجامعية ويواصل تعاطى العلم أو الجهل المتخفى خلف قناع علمى ( وهو أشد خطراً من الأمية) عن طريق ملخصات شبيهة بالوجبات السريعة التى تملأ الراس إلا أنها لاتؤدى إلى الصحة العقلية.
ومن الطبيعى فى ظروف تعليمية كهذه أن تطول المهزلة الدراسات العليا أيضاً ، فحين كنت أجمع المادة العلمية لرسالتى الماجستير والدكتوراة هالنى كم الأخطاء اللغوية الساذجة التى تعج بها رسائل لاتضيف للعلم شيئاً وأجيزت تحت اشراف أساتذة أجلاء وكنت أسأل نفسى هل إنحدر مستوى اللغة لديهم إلى هذه الدرجة أم أنهم لايكترثون بالقراءة المتأنية لإنشغالهم بعملهم الخاص ولا يهتمون بأداء رسالتهم داخل الجامعة بعد أن أخذوا منها اليافطة وحصلوا على الترقية بأبحاث قد تكون هى الأخرى هزيلة أو مسروقة وأنجزت بطريقة شيلنى واشيلك.
والواقع أن الشهادات المصرية اصبحت غير معترف بها فى الدول المتقدمة وعلى المصرى أن يحصل على شهادات معادلة ليعمل فى غالبية الدول الأوروبية وأمريكا وكندا. بل أن الدول العربية تمنح الأطباء الحاصلين على الزمالة الإنجليزية مثلاً أجراً أعلى من زملائهم الذين يحملون الدكتوراه من أى من الجامعات المصرية كما أن بعض هذه الدول العربية أصبحت تشترط على الأطباء الحاصلين على درجة الماجستير من الجامعات المصرية أن يجتازوا إمتحاناً ليسمح لهم بمارسة المهنة وهذا خزى وعار لايمكن أن يقبله أى وطنى محب لبلده. وليس بالغريب أن يصدر اكثر من تقرير لتصنيف الجامعات ولا نجد فيه أى ذكر لأى جامعة مصرية بينما ضمت القائمة جامعات من أفريقيا وإسرائيل التى لاندرك للآن أن مقاومتها لن تكون إلا بالمنافسة العلمية والإقتصادية وليس بدعاء العجزة قليلى الحيلة إلى ربهم أن ينزل الطير الأبابيل لترمى بنى اسرائيل بحجارة من سجيل.
الجامعة والعقل والأخلاق
إن كثير من أساتذة الجامعة فى مصر توقفوا عن أن يكونوا البوصلة الهادية للمجتمع بل أصبحوا مجرد مرددين لخزعبلات العامة ومنهم من يطرق أبواب المشعوذين والدجالين لمعرفة طالعه أو يحترف الدجل بنفسه مثل الأستاذ الذى يعالج المرضى بالأعشاب وهو ليس طبيباً وأصبح سوبر ستار بعد أن ولج عالم الطب النبوى واقتدى به كثيرون عملاً بمبدا اللى تغلب به إلعب به. واساتذة آخرون تحلوا بأخلاقيات البرو ليتاريا الرثة من تدبير المؤامرات والوشايات الرخيصة ضد زملائهم بل وأساتذتهم.
نجد أستاذ جامعى يبدو عليه الوقار والإحترام وهو فى حقيقة الأمر خدام ناقل للكلام لسادته من رؤساء الخدم لأن فلسفته فى الحياة " لو كان لك حاجة عند الكـلـب قل له يا سيدى" وهو شعار العبيد حتى لو كانت أسماؤهم يسبقها لقب السيد ومضاف إليه الأستاذ الدكتور.
وفى هذا السياق لا أنسى كتاب صدر فى مصر منذ عدة سنوات بعنوان " تراث العبيد فى حكم مصر المعاصرة" ولم يجرؤ مؤلفه على وضع اسمه عليه واكتفى بذكر حرفى ع. ع. وهو يستفيض فيه بذكر تفاصيل الإنحطاط الأخلاقى المتفشى فى اروقة الجامعة والذى يرى المؤلف انه موروث من عصر المماليك الذين شربوا المصريين ثقافة الهمز واللمز والمؤامرات التى كانت طريق المملوك لتولى العرش بعد التخلص من سيده.
كما أن التدين الشكلى المصاحب لكل أشكال الإنحراف الخلقى وصل إلى الجامعة ، فيمكن أن نسمع حواراً بين أستاذة محجبة وأستاذ لايصافح السيدات عن رغبتهم فى عدم تعيين غير المحجبات فى القسم الذى يعملون به ، ومعيد يجرؤ على التطاول على أستاذه لأنه يرتدى دبلة ذهبية وحين حاول الأستاذ الليبرالى أن يجادله بالتى هى أحسن تبجح أكثر واتهم أستاذه بأنه يردد كلام المشركين.
وإذا كنت قد أفضت فى الحديث عن انحرافات بعض السفهاء والأفاقين المتسلقين الذين دنسوا الحرم الجامعى فأنا لا يمكن أن أنسى أساتذة أراهم مثلاً لما يجب أن يكون عليه الأستاذ وأعتبر نفسى محظوظاً لأنى قابلتهم فى رحلة الحياة وتتلمذت على أيديهم ونهلت منهم علماً وخلقاُ. أتذكر دائماً الأستاذة الجليلة المرحومة الدكتورة فوزية حسين والأساتذة مشيرة عبد السلام ونجوى حسن وعصمت عبد الغفار أطال الله فى عمرهن وأدام عليهن نعمة الصحة والعافية. فقد تعلمت منهن الجدية والمثابرة فى العمل وعدم الخجل من الإعتراف بعدم المعرفة حين يتعلق الأمر بموضوع نجهله لأن من قال لا أعلم فقد أفتى والإيثار والصدق والتواضع والترفع عن الصغائر والتسامى والتسامح وغيرها من أخلاقيات السادة.
هل نستطيع إجتياز مرحلة الخطر؟
أرى أن الدولة يجب أن تركز على تحديث كليات التربية وإدخال مناهج جديدة لإعداد معلمين مؤهلين لأداء رسالتهم السامية وأن يكون الإلتحاق بها عن طريق اختبار قدرات لأن التدريس موهبة وملكة مثل الرسم والموسيقى وسائر الفنون. فالمعلم الذى يصلح للتعامل مع الأطفال يحتاج لملكة تختلف عن الذى يدرس للمراهقين.
وعلى الدولة أن ترفع راتب مدرس التعليم الأساسى بأقصى ما تسمح به ميزانيتها لأن مدرس هذه المرحلة يفوق فى أهميته أستاذ الجامعة لأنه يتعامل مع عجينة لينة طرية فى مرحلة التكوين الفكرى والعقلى والوجدانى ، إن أحسن تشكيلها أنتجت إنساناً مثقفاَ واعياً راقياً قادراً أن يتبوأ فى المستقبل أرفع المناصب أو المناصب التى كانت رفيعة مثل أستاذ الجامعة والقاضى وغيره فيعيد لها هيبتها ووقارها ورونقها المفقود.
كما أعتقد أن تغيير أنظمة الإمتحانات التى لاتقيس إلا ملكة الحفظ عند التلميذ أصبح أمراً ملحاً لأن الحفظ لا قيمة له فى عالم اليوم لأن المعلومات متاحة للجميع فى الكتاب والإنترنت والمهم هو القدرة على تحليل المعلومات واكتشاف العلاقات القائمة بينها وإمكانية استخدامها الإستخدام الأمثل لايجاد الحلول المناسبة للمشكلات القائمة. ونوعية الإمتحانات التى تقيس الإستيعاب والفهم لقادرة على اجهاض الدروس الخصوصية التى يجب أن ينص القانون على عقوبات رادعة للمدرسين الذين يتكسبون منها.
إن التعليم الأساسى الحكومى يجب أن يبقى مجانياً أو ان شئنا الدقة يجب أن يعود مجانياً بعد القضاء على سرطان الدروس الخصوصية مع ضمان جودته العالية لكى تختفى أو على الأقل تتضاءل الفجوة القائمة بينه وبين التعليم الخاص التى تخرج للمجتمع أجيالاً متنافرة لا تربطها هوية مشتركة. ويعود للمدرسة تألقها وجاذبيتها ويعود المدرس كسابق عهده رسولاً حاملاً شعلة بروميثيوس للأجيال وتعود العلاقة بين المعلم والتلميذ وثيقة صحية إنسانية ترقى الفكر وتنقى الوجدان وتمد التلميذ بمخزون من المعرفة والذكريات الجميلة يدوم معه مدى الحياة. وأنا شخصياً أتذكر الأستاذ شعيب استاذ اللغة العربية مع كل مقال أكتبه فهو الذى علمنا مبادئ اللغة والنحو بل أنى للآن أتذكر حروف الجر والحروف الناصبة للفعل المضارع كما خرجت من فمه منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وأخيراً لكم أتمنى لمصرنا الحبيبة أن تجتاز مرحلة الخطر لنصبح بحق وحقيق وطناً للعلم والعقل والخلق والإنسان المثقف المنتج الذى يعطى لوطنه أكثر مما يأخذ منه