عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 02-05-2006
الصورة الرمزية لـ makakola
makakola makakola غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 6,270
makakola is on a distinguished road
التناقض الجيلي

خلال ذلك الصعود المتتابع لدور وأهمية الجيل الثاني في "التأسيس الثاني" للجماعة واستمرارها.. راحت تتشكل له تدريجيًّا بداخل صفوفها وبين القوى الأخرى خارجها شرعية يمكن تسميتها "الشرعية الواقعية"، في الوقت الذي ظلت فيه قيادة الجماعة -ممثلة في مرشدها العام، ومكتب الإرشاد، ومجلس الشورى- خاضعة لأغلبية واضحة من أبناء الجيل الأول بما له من "شرعية تاريخية" استمدها من دوره خلال مرحلة "التأسيس الأول" لها وبداية المرحلة الثانية.

وعلى الرغم من أن الجيل الأول قد أفسح بعض المجالات والمواقع للجيل الثاني في بعض الهياكل القيادية للجماعة بدءاً من منتصف التسعينيات؛ فقد ظلت نسبته فيها أقل بكثير من دوره ونسبته الحقيقية في مختلف مستويات وصفوف الجماعة، وظلت قضية المواءمة بين "الشرعية التاريخية" و"الشرعية الواقعية" هي الأكثر إلحاحاً بداخلها برغم النفي العلني لمعظم الأطراف لحقيقة وجودها. ولم يكن ذلك التناقض بين شرعيتي الجيلين غريبًا عن السياق السياسي المصري الأوسع من الجماعة؛ حيث بدا متكرراً بصور مختلفة المضمون بداخل كل القوى السياسية المصرية التي هيمن عليها جميعاً جيل "الشرعية التاريخية" الأول، وبدت الجماعة بذلك جزءًا أصيلاً من الحياة السياسية المصرية، على الرغم من تفوقها الظاهر على نظرائها في معسكر المعارضة، سواء من حيث طريقة الأداء أو حجم الإنجاز.

إلا أن الفارق الأكثر وضوحاً بين التناقض الجيلي بداخل الجماعة وأمثاله في الجماعات السياسية الأخرى هو عدم ارتباطه بتناقض في الرؤى السياسية والاجتماعية؛ أي بين الرؤية "الجذرية" للجيل الأصغر مقابل الرؤية "المحافظة" للجيل الأكبر؛ فالحقيقة أن هاتين الرؤيتين توجدان على حد سواء بين أبناء كل من الجيلين على اختلافهما من حيث التكوين والخبرة والطبيعة، وهو الاختلاف الأكثر أهمية وتأثيراً في حالة الإخوان المسلمين؛ فعلى الرغم من اشتراك الجيلين في انتمائهما إلى الشرائح الوسطى من الطبقة الوسطى الحضرية والريفية المصرية.. فهما يختلفان إلى حد بعيد في الخبرة والعلاقة مع الدولة والقوى السياسية الأخرى. فالجيل الأول نشأ في مرحلة ما قبل الثورة وسط اختلافات ومصادمات الجماعة مع مختلف القوى الوطنية المصرية، بالرغم من اتفاق المقاصد على استقلال البلاد من الاحتلال البريطاني، وتذبذب مواقفها من النظام الملكي بين تأييد ظاهري وعداء صريح. ولم يكد معظم أبناء ذلك الجيل يخطون نحو الثلاثينيات من أعمارهم حتى كانت الجماعة تخوض أولى مصادماتها الدموية مع الدولة، والتي فقدت فيها مؤسسها ومرشدها الأول الأستاذ حسن البنا عام 1949. وما هي إلا أعوام أربعة أخرى حتى دخل أبناء نفس الجيل صدامهم الأوسع من نظام يوليو الثوري الجديد، والذي كلف معظمهم نحو 20 عاماً من السجن أو النفي الاختياري والإجباري أو الاستبعاد من الحياة العامة.

ولم يكن لتلك الخبرة المبكرة والطويلة سوى أن تطبع ذلك الجيل بخصائص واضحة في علاقته المضطربة بالقوى السياسة المعارضة الأخرى، وشكوكه في إخلاصها لتعاقداتها وتحالفاتها، فضلاً عن عدائه الشديد لبعضها، وتخوفاته وحذره المستمرين من الدولة التي زادت مواقفها تجاه الجماعة خلال السنوات العشر الأخيرة من عمقها واتساعها.

أما الجيل الثاني فقد بدأ خبرته مع الجماعة في النصف الثاني من السبعينيات بالجامعات المصرية؛ حيث تشارك أبناؤه مع عديد من نظرائهم في القوى السياسية الأخرى حركة سياسة طلابية واسعة معارضة لسياسات الرئيس السادات وبخاصة الخارجية منها، بالرغم من نشوب خلافات عديدة بينهم وصلت أحياناً إلى حد التصادم. وبالرغم من نشاط هذا الجيل الثاني المعارض للدولة فقد ظل بعيداً عن سجونها وقبضتها الثقيلة التي أصابت الجيل الأول من قبل؛ حيث لم يدخلها ويشعر بوطأتها سوى مع النصف الثاني للتسعينيات، ولفترة قصيرة قبل ذلك سبقت وتلت اغتيال الرئيس السادات في أكتوبر 1981. وبتلك البدايات والخبرة المختلفة تحرر الجيل الثاني أكثر من سابقه من اضطراب علاقاته وشكوكه في القوى المعارضة الأخرى، وبخاصة مع نظرائه فيها زملاء الحركة السياسية الجامعية في السبعينيات، وكذلك من تخوفاته وحذره من الدولة بالرغم من احتفاظه برؤيته النقدية لتكوينها ولمختلف سياساتها الداخلية والخارجية. وفي ظل تلك الخبرة المختلفة راح التطلع نحو حصول الجماعة على موقع شرعي في الساحة السياسية المصرية أسوة بالقوى الأخرى يجتاح ذلك الجيل الذي واصل نشر تطلعه في صفوف الجماعة ومستوياتها، بالرغم من حذر الجيل الأول من الفكرة وتخوفاته "الأمنية" تجاهها.

أسباب اختلاف الجيل الثاني

وقد زاد اختلاف الجيل الثاني عن سابقه بفعل عوامل ثلاثة مهمة: الأول هو خبرة الاحتكاك بالعالم الخارجي، وما يضمه من قوى إسلامية وغير إسلامية، وهو ما لم يتوفر للجيل الأول بحكم ظروفه الخاصة والسياق التاريخي الذي نشأ فيه، وبخاصة التعرف على كل من التجارب الإسلامية في إيران وتركيا والجزائر والسعي للاستفادة مصريًّا من نجاحاتها وعثراتها.

وتمثل العامل الثاني المهم في تعرض الجيل الثاني لمؤثرات فكرية جديدة أتته من مصادر ثلاثة رئيسية، وجدت طريقها إليه بعد رحيل الغالبية الساحقة من مفكري الجيل الأول التقليديين من الإخوان. وقد تمثل المصدر الأول في الكُتّاب والمفكرين المستقلين الذين تحولوا إلى الأفكار الإسلامية بعد سنوات طويلة قضوها في تيارات فكرية وسياسية أخرى، والذين زاد ارتباط الجيل الثاني بما يطرحونه من رؤى أكثر عصرية للبرنامج الإسلامي، مثل المستشار طارق البشري، والأستاذ فهمي هويدي، والمرحوم عادل حسين، والدكتورين: عبد الوهاب المسيري، ومحمد عمارة، والمرحومين حامد ربيع وجمال حمدان.

وتمثل المصدر الثاني للمؤثرات الفكرية الجديدة في بعض المفكرين والكتاب من أصحاب التوجه الإسلامي الأصيل غير المرتبطين تنظيمياً بالجماعة وذوي الخبرة الواسعة دولياً أو في علاقتهم بالدولة مثل الدكتورين كمال أبو المجد ومحمد سليم العوا.

وتمثل المصدر الثالث لتلك المؤثرات الجديدة في بعض مفكري الإخوان التقليديين الذين سارعوا بالارتباط بالعصر وقضاياه، وأخضعوا رؤاهم لتغيراته، ويعد أبرزهم الشيخ يوسف القرضاوي صاحب التأثير الطاغي على ذلك الجيل الثاني.

أما العامل الثالث المهم في تكوين الجيل الثاني، واختلافه عن سابقه؛ فقد تمثل في اتساع دائرة النشاط الإعلامي لأبنائه وقياداته، واضطرارهم للتعامل شبه المنتظم مع وسائل الإعلام العامة والموجهة لقطاعات واسعة من الجماهير العربية والإسلامية؛ الأمر الذي أثر كثيراً في شكل ومضمون خطابهم، وبالتالي أفكارهم، وهو ما لم يعرفه الجيل الأول الذي اعتاد على التوجه من خلال وسائله الإعلامية الخاصة ذات الطبيعة الإسلامية وليس الوسائل العامة.

السياق الخارجي: العلاقة مع الدولة

أحاطت بالتطورات الداخلية السابقة في الإخوان المسلمين ومرحلة "التأسيس الثاني" علاقة مضطربة مع الدولة المصرية، بدت آخر مراحلها تلك التالية لأحداث سبتمبر، والتي شهد كل شهرين منها تقريباً إلقاء القبض على أعداد كبيرة من أعضاء الجماعة، وإحالة معظمهم إلى محاكم عسكرية، تصدر أحكاماً على غالبيتهم تصل إلى السجن خمس سنوات. وفي كل تلك المرات وُجهت إلى أعضاء وقياديي الجماعة المحظورة قانونًا نفس الاتهامات تقريباً (أي تشكيل تنظيم سري مناهض لنظام الحكم، وحيازة وإحراز منشورات تحض على قلب هذا النظام، والإعداد لمظاهرات من شأنها تكدير السلم العام). وإذا كانت معدلات حملات القبض على الإخوان المسلمين قد زادت بصورة واضحة خلال العام الذي تلا أحداث سبتمبر؛ فهي ليست حدثًا جديدًا.. بل هي تعبر عن إستراتيجية ثابتة للحكومة المصرية تجاه الجماعة منذ نهاية عام 1994. وقد سبق للحكومة قبل تبنيها تلك الإستراتيجية التي يمكن تسميتها "إستراتيجية الإجهاض المبكر" أن تبنت إستراتيجيات أخرى مختلفة تجاه الإخوان منذ عام 1981، وهو ما يبدو بحاجة إلى مزيد من التحليل لمعرفة ملامحه ودوافعه.
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
الرد مع إقتباس