عرض مشاركة مفردة
  #50  
قديم 09-05-2006
NAWAL NAWAL غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 16
NAWAL is on a distinguished road
تساؤلات علي خلفية أحداث دهب
بقلم : د‏.‏ سليمان عبدالمنعم



ثلاثة أسئلة تثيرها أحداث مدينة دهب ومن قبلها أحداث طابا وشرم الشيخ‏,‏ السؤال الأول يتجاوز حدود هذه المساحة ويتعلق بدور الأجهزة المعنية في البحث عن الجناة وكشف ملابسات ما حدث‏,‏ أما السؤالان الآخران فجديران بالانشغال علي الرغم من كون عناصر المشهد قليلة وغامضة وملتبسة‏..‏ فنحن لا نعرف سوي أن بضعة انفجارات مروعة قد هزت نهار المدينة المسالمة‏..‏ وان اصابع الاتهام تشير الي كون الفاعلين من الشباب صغار السن‏,‏ لكن المفارقة ان هذه الانفجارات كان وقودها ـ في الأرجح ـ مصريين وكان ضحاياها أيضا ـ في معظمهم ـ مصريين‏..‏ فالذين فجروا أنفسهم هم شباب زائغ البصر مشتت البصيرة‏..‏ أما الذين راحوا ضحية هذه الانفجارات فهم أيضا في معظمهم شبان مصريون‏..‏ كادحون بسطاء لم يبتغوا من مدينة الحلم سوي البحث عن فرصة عمل ولقمة عيش وحفنة جنيهات آخر كل يوم‏..‏ لكن لماذا استهدف عمي القلب مشتتو العقل أجساد وأرزاق بني جلدتهم ووطنهم وبعض الآمنين من السياح الأجانب؟ والي متي تستمر الكوابيس وقد اعتقدنا بعد كل مرة أنها الأخيرة؟

واقع الأمر أننا مطالبون اليوم علي اختلاف توجهاتنا وانتماءاتنا بطرح عدد من الأسئلة المهمة‏,‏ ومحاولة البحث الهاديء والموضوعي عن اجابة لها‏,‏ وهي مهمة لن يقدر لنا فيما يبدو النجاح فيها ما لم نتجاوز حالة الغضب والحزن التي نعيشها‏..‏ وهي حالة تحصرنا وتحاصرنا في رد الفعل المطلوب بأكثر مما تتيح لنا البحث عن الاسباب القريبة والبعيدة لما جري‏..‏ ولا يملك أحد أن ينكر ردود الأفعال مطلوبة ومشروعة لكنها تحت تأثير الغضب والحزن تبدو قفزا الي الأمام‏,‏ بينما البحث عن الاسباب هو تشريح مطلوب ومفيد للحاضر‏..‏ وها هي الاسئلة تتوالي‏..‏ كيف انتهي الأمر بهذا الشباب الغض الي هذا المآل؟ ولماذا زاغ بصرهم وتشتتت بصيرتهم؟ هل بسبب أزمة الانتماء وصراع الهوية؟ وهل صحيح أن ذلك راجع الي غياب مشروع وطني أو قومي أم ان هذا المشروع قائم بالفعل لكننا نحن الذين لا نحسن الوصول إليهم وإقناعهم به؟ وما هو هذا المشروع؟ هل تصلح التنمية الاقتصادية وخطاب حقوق الانسان والديمقراطية لان نقدمها مشروعا وطنيا نهضويا نصل به الي عقول ووجدان شبابنا نقنعهم به ونستثير حماسهم؟ ولماذا لم تلهب هذه الأفكار خيالنا مثلما ألهبه مشروع السد العالي مثلا؟ هل هي أزمة ثقة؟

وأيا كان وجه النقد الذي يمكن أن نوجهه لأنفسنا‏,‏ فالمؤكد أن أحد الاسئلة المهمة وربما الخطيرة والمقلقة‏,‏ يتعلق بمفهوم الوطن الذي لدي هؤلاء الذين اختاروا من العنف والدمار والقتل العشوائي منهجا وايديولوجية؟ هل أصبحت الأممية الاسلامية لديهم تلغي مفهوم الوطن ووشائج الدم ووحدة الدار؟ وما ومن الذي اطلق غرائز الكراهية في نفوسهم؟‏(‏ هل هو البطش الاسرائيلي والانحياز الأمريكي وعدم اكتراث العالم بحقوق العرب‏)‏ لكنهم بذلك يضلون الهدف ويصابون بالحول الجهادي‏!‏ هل كانوا يصفون حسابهم مع الدولة انتقاما لردود أفعالها عقب أحداث طابا؟ لكن لو صح هذا فإنه يعني أن ثقافة الدم وحدها هي التي تحكم سلوكهم بقدر ما يعني أيضا أن الدولة مدعوة لمراجعة نفسها لأن المجرمين والاشقياء هم وحدهم الذين يفقدون في المواجهة صوابهم ويخرجون علي القانون‏!!‏ أما الدولة فهي القوامة علي تطبيق القانون‏,‏ تلك كلها أسئلة جديرة بالبحث لعل الاجابة عنها تسهم في تغيير الواقع الذي أنتج مثل هذه الأفكار‏..‏

والأرجح أن ما حدث في دهب وقبله في شرم الشيخ وطابا والأقصر‏,‏ وفي حوادث أخري‏,‏ داخل وخارج مصر يكشف عن صراع الهوية المحتدم داخل من قاموا بهذه العمليات الارهابية‏,‏ فنحن في الواقع أمام تيار اصولي بات أكثر هشاشة وضعفا من أن يحتمل التفوق الحضاري الغربي الذي انتقل من مرحلة السيطرة الاستعمارية الفجة والخشنة الي مرحلة الهيمنة الناعمة عن طريق التغلغل السياسي والثقافي والتحكم الاقتصادي‏..‏ فالاصوليون‏,‏ وربما غيرهم‏,‏ يرون أن الهيمنة الغربية قد واصلت انتصارها في سفور وطغيان من خلال حركة العولمة التي ترفع بيد أعلام الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان‏,‏ لكنها باليد الأخري تسعي لطمس تاريخ الآخرين والعبث بجغرافيتهم ومصادرة طموحاتهم وتطلعاتهم‏,‏ لكن هذا التيار الاصولي لم يستطع ادراك جدلية التواصل بين الثقافات ومحاولة استيفاء ما هو ايجابي ولفظ ما هو سلبي‏..‏ ولا هو استطاع أن يجاري ذكاء العولمة‏,‏ كما أنه لم يقو علي مناطحة الهيمنة الغربية بأدواتها واساليب تفوقها‏..‏ فبقيت الهوة شاسعة بين طرف لا يملك سوي المباديء المثالية والمقولات النظرية والانساق الاخلاقية المجردة‏,‏ وطرف آخر امتلك برامج العمل وحصد النتائج ودانت له السيطرة والتفوق‏..‏ كل ذلك تم مصحوبا بنظرة غربية فيها الكثير من الاستعلاء في مواجهة مسلمين لم يروا في أنفسهم أندادا للغرب‏..‏ فكان أن انسحب هذا التيار الاصولي من ميدان التنافس الحضاري وآثر اللجوء الي كهوف العزلة منكفئا علي هويته المهددة لكي يخرج بين الحين والآخر يشن غزوة طائشة هنا أو هناك‏.‏ ولسبب غير مفهوم يبقي لغزا لم يطلقوا يوما رصاصة واحدة علي اسرائيل‏!!‏ بل اختاروا قتل العزل والآمنين والأبرياء في اسلوب لا يليق أبدا بالشجعان والفرسان‏!!‏ وبقي عزوفهم غريبا ومريبا عن النضال الحياتي الحقيقي في مجالات العلم والصناعة والزراعة والانخراط في السياق الحضاري مع الغرب‏,‏ والذي فاز به يوما ما اسلافهم العظام حين فهموا الاسلام علي وجهه الصحيح‏.‏

إن ثمة أزمة انتماء في رؤية هذا التيار الأصولي‏,‏ فالحاصل أن مفهوم الوطن قد ضعف وربما تلاشي في أذهان هؤلاء ليحل محله مفهوم الأممية الاسلامية‏,‏ ولم يعد الولاء أو الانتماء لديهم لوطن بل للرابطة الاسلامية‏,‏ ومع التسليم بأن الاسلام في جوهره دعوة للإخاء الانساني تعلو علي اختلاف الألسنة والألوان والأعراق فليس هناك ما يدعو لاصطناع خصومة لا مبرر لها بين الانتماء الوطني أو القومي العروبي من ناحية‏,‏ وبين الانتماء الاسلامي من ناحية أخري‏,‏ فالرسول الكريم صلي الله عليه وسلم كان يري في مكة أحب بلاد الله ولم يجرؤ أحد علي تفسير ذلك بالتعصب الوطني الذي يناقض شمول وانسانية الاسلام‏,‏ علي أي حال ثمة اشكالية انتماء في المفهوم الاسلامي جديرة بالانشغال‏,‏ وقد سبق للمؤتمر القومي الاسلامي مثلا ان واجه هذه الاشكالية وبدد كثيرا من اللغط الذي أحاط بها وأبرز القواسم المشتركة بين الانتماءين القومي والاسلامي لكي تصبح العلاقة بينهما علاقة تكامل واستقواء لا علاقة تنافر واستضعاف‏,‏ لكن هذه الجهود الفكرية مازالت علي أهميتها جهودا نخبوية تحتاج الي مزيد من الذيوع والانتشار‏,‏ فالأمر المؤكد أننا بحاجة الي جهد فكري وتربوي لاسيما في مناهجنا الدراسية وخطابنا الاعلامي‏,‏ يؤكد تكامل الحلقات الاساسية لانتمائنا المصري والعربي والاسلامي والانساني بوصفه مصدر ثراء للأمة‏,‏ لأن أيا من عناصر هذا الانتماء لا يعني بالضرورة التنكر للعناصر الأخري‏.‏
الرد مع إقتباس