عرض مشاركة مفردة
  #21  
قديم 18-05-2006
servant4 servant4 غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
المشاركات: 167
servant4 is on a distinguished road

فلقد حاول " محمد " إرساء قواعد المساواة بين البشر بقدر ما كان عصره يسمح بذالك ، خصوصا بين أتباعه من المسلمين حيث صرح بأنه لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بمقدار إيمانه بعقيدته وإخلاصه لدينه وخوفه من خالقه ، كما أنه ساوى بين البيض والملونين من أتباعه بقدر ما إستطاع ونادى بحسن معاملة الرقيق والحيوان ، كما يبدو أنه حاول بصورة أو بأخرى التدرج فى إلغاء الرق ، غير أنه من المؤسف للغاية أن حلت منيته قبل أن يستكمل جدوله الإصلاحى فى هذا المجال وغيره .

وعلى الجانب المقابل ، كان" الروم " يقسمون رعاياهم إلى عدة طبقات ، ويقيمون مباريات دامية لمصارعة العبيد تنتهى بأن يقتل أحد المتصارعين الآخر وسط جو من المرح والسعادة يسود بين سادتهم المستمتعين بمشاهدة هذه المباريات الدامية .

وبعد أن دار الزمان دورته ، ومر على هذه الأوضاع المتزامنة قرابة أربعة عشر قرنا من الزمان ، إختلفت الأمور تماما عما كان يمكن أن يتوقعه من يتابع الأحداث من بعيد دون أن يأخذ بعين الإعتبار بعض الحقائق الهامة التى قد تجعل الأمور تتغير إلى النقيض تماما عما كانت عليه .

فعندما نقارن بين العالم الغربى من جهة بإعتباره الوريث الشرعى الحديث لدولة " الروم " البائدة ، وبين العالم العربى الإسلامى من جهة أخرى بإعتباره الإمتداد الطبيعى لدولة " محمد " الصحراوية الصغيرة ، نجد أن الأوضاع قد إنقلبت تماما وتغيرت عما كانت عليه قبل أربعة عشر قرنا بصورة تبعث على التعجب والذهول !! .

فالعالم العربى الإسلامى قد تقهقر ليصبح فى ذيل قائمة الأمم فى مجالات التقدم المادى كما أن سجله فى مجال إحترام حقوق الإنسان والمساواة بين البشر قد أضحى غايةً فى السوء ، ولكن الأمر فى معظم بلاد العالم الغربى قد إختلف تماما ، حيث تحول ورثاء دولة " الروم " إلى النقيض مما كان متوقعا لدولهم التى أصبحت متقدمة فى كافة مجالات الحياة وعلى رأسها الجانب الإنسانى بوضعها إحترام حقوق الإنسان ومكافحة التمييز بين البشر فى مقدمة أولوياتها .

إن المفارقة - بالطبع - تكمن فى هذه الحلقة المهملة عن علاقة الماضى بالحاضر عند كلتا الأمتين ، فدولة " الروم " لم تكن تعد قوانينها وتشريعاتها مقدسة أو صالحة للتطبيق فى كل زمان كما كان ينسب إلى " محمد " فى وصفه لتشريعاته وأحكامه ، فقد كان عصر كل ملك من ملوك " الروم " ينتهى عندما يعتلى العرش الملك الذى يليه مصدرا تشريعات وقوانين جديدة تتفق - على حسب ما يراها - مع ظروف العهد الجديد ، ولكن عصر " محمد " لم يكن قد إنتهى عندما وقف أبو بكر يصيح بأعلى صوته فى قلب المسجد النبوى :" من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ..." ، لأن أتباعه كانوا قد آمنوا بأن تشريعاته وتعاليمه وأحكامه صالحة للتطبيق أبد الدهر ولا تؤثر فيها عوامل التعرية الزمنية ، فى الوقت الذى كان فيه رعايا دولة " الروم " يرغبون فى التخلص من حكامهم وملوكهم الجائرين وتغيير وإستبدال نظم حكمهم بأخرى يرون أنها ملائمة لظروفهم المستجدة .

إن الفرق بين العالم الغربى والعالم العربى الإسلامى يكمن فى إن إمبراطور " روما " المجنون قد مات بعدما أضرم النار فى عاصمة بلاده ، وإنتهى عهده عندما أحرقت جثته ، وبدأت " أوروبا " تطور نفسها شيئا فشيئا بعد أن أدانت " نيرون " وفضحت جرائمه وأفعاله مخصصة له مكانا ملائما فى مزبلة التاريخ ماحية من سجلاته كل ماقد يؤثر عنه من مناقب وأفعال حسنة ، ولكن العرب المسلمون وقعوا فى زلة خطيرة عندما نصبوا " محمدا " ملكا عليهم أبد الدهر ، غير مقرين بموته ، ولا معترفين بتحلل جثته وإنتهاء زمنه .

لقد أحرقت " أوروبا " جثة " نيرون " فتخلصت من عاره ونتن جيفته ثم فتحت صفحة جديدة من تاريخها وأهالت التراب على جرائم " نيرون " فتقدمت وطورت نفسها فى كافة المجالات حتى بلغت ماهى عليه الآن ، بينما رفض أتباع " محمد " مواراة جثمانه الثرى رافضين فكرة رحيله عن هذه الحياة موقفين تاريخهم عند ساعة إحتضاره متخيلين أنه لا يزال حيا بين أظهرهم يقيم فيهم قوانينه ويطبق عليهم أحكامه ومر بهم الزمن وهم على هذا الحال المؤسف حتى تقهقروا وتدهور حالهم وصاروا يعيشون فى القرن الحادى والعشرين بأفكار رجل رحل عن هذه الدنيا فى القرن السابع الميلادى .

إن العالم الغربى قد أحسن صنعا عندما طبق المثل العربى : " إكرام الميت دفنه " على كل الزعماء والأباطرة والملوك والأنبياء الذين عاشوا فى العصور القديمة ، متيحا لهم التواجد داخل إطارهم التاريخى فحسب ، فأصبح الناس يذكرونهم بخير ويحمدون محاسنهم ومآثرهم طالما أن آثارها لم تخرج عن إطار العصر الذى عاشوا فيه ، ولكن العرب المسلمون قد سببوا الإهانة الشديدة لـ" محمد " عندما رفضوا مواراته الثرى متعاملين معه ومع تعاليمه وأحكامه التى ولى زمنها وتركت عوامل التعرية الزمنية آثارها عليها كفزاعة ينصبونها لكل من يحاول إصلاح حال الأمة العربية الإسلامية بوصف البديل الذى يراه مناسبا للعصر الحالى ، فتحول " محمد " - على أيديهم - من مصلح إجتماعى وسياسى ودينى عاش ومات فى القرنين السادس والسابع الميلادى إلى مجرم إرهابى شاذ يعيش فى القرن الحادى والعشرين .

إنه لم يسىء أتباع دين أو أنصار نبى إلى دينهم أو نبيهم مثلما فعل المسلمون ، فالذين ثاروا من أجل إهانة نبيهم فى بعض دول العالم الغربى هم الذين تسببوا فى صدور هذه الإهانة ، فكيف يمكن للرسام الدانمركى تخيل " محمد " بوصفه مصلحا وداعية سلام وأتباعه يعلقون جرائمهم وأفعالهم الشنيعة فى رقبته ؟؟ كيف يمكن للغرب أن يحترم " محمدا " وأتباعه يصرون على تنصيب جثته المتحللة حاكما عليهم آمرا ناهيا ؟؟ كيف يمكن للعالم أن يحترم رجلا أصر أتباعه على إعادته للحياة فى عصر ليس بعصره دون أن يتقبلوا شروط هذا العصر ويلزمونه بها ؟؟!! .

على المسلمين أن يفيقوا قبل فوات الأوان وأن يدركوا أن واجبهم تجاه نبيهم فى المرحلة الحالية هو أن يسارعوا بتكريمه ومواراة جثمانه وتشريعاته وتعاليمه الثرى ، قانعين بتاريخ حياته القصير معتذرين له عن الإساءة التى سببوها لشخصه ، وأن يبدأوا صفحة جديدة من تاريخهم بنبذهم العمل بتراث العهود القديمة وإحترام شروط العصر الذى يعيشونه حتى تنتهى معاناتهم التى بدأت منذ وفاة نبيهم ولن تنتهى إلا بمواراته الثرى .

آمل مرة أخرى أن لا يساء فهم ما أعنيه ، فليس أضر على المسلمين من داء التعصب الأعمى والبحث عن التفسيرات السطحية ، وهى الأمور التى تجعلهم يتسرعون فى إصدار الأحكام على كل من يمتلك وجهة نظر أخرى مطالبين بالتخلص منه وقتله حتى يزدادوا تخلفا فوق تخلفهم .
الرد مع إقتباس