إن سادتي الفلاسفة لا يرون أننا في مرحلة سابقة على ما احتسبه كانط مسلمة موضوعية هي "إعمال الفهم" كملكة هي الأشد عدلا في تقسيمها بين الناس، كما قال ديكارت، ومع ذلك فإن هذه الملكة عادلة التقسيم لا وجود لها عندنا أصلاً، نحن في مرحلة أسبق من مرحلة الفهم !!
كانط ينصحنا مأجورا مشكورا على لسان الدكتورة منى بالخروج على حالة اللانضج الاختياري، بينما الدكتورة لاشك تعلم أن ما لدينا هو حالة لانضح معتقة معنعنة نقلية متوارثة، حالة استنكار للفهم وإعماله في وجود سادتنا من سدنة التخصص في معرفة الله، تحولت إلى عدم فهم يورث جينيا بصبه في روح السنوات الأولى لطفولة المسلم .. إن ما لدينا لم يخطر سادتى الفلاسفة لكانط .
وإذا كان الفلاسفة يريدون تنويرنا بالرجوع إلى فلاسفة الغرب بفلسفة نقلية فنحن في غنى عنهم، لأن مصدر تنويرنا جاءنا عن نبينا عن إرادة إلهية، جعلت من مجتمع جاهل جائع متخلف بدائي، حاضنا لرسالتها الخاتمة، وقيما وحاكما على شعوبها وشعوبنا الموغلة في الحضارة والمدنية .
نحن في بلادنا سادتي الفلاسفة النقليين، أكثر رفاهية من الاحتياج للعمل، فكلانا الأغنياء في الخليج والفقراء في غيره، لم يقدم احدهما شيئا بعد للإنسانية يساهم به في حضارتها، لأنهم ببساطة عندما يحتاجون شيئا باعتبار الحاجة أم الاختراع، لا يخترعون، إنما يلجأون للدعاء وللقنوت، يطلبون إلى السماء أن تقوم بالمطلوب نيابة عنهم، يريدون علما سابق التجهيز يسهر عليه رجال الدين، ويعتمد مصدرا مرجعيا واحدا لا يتغير ولا يزيد هو القرآن والحديث . نحن في بلادنا نحقق ما نشتهي بالدعاء لنظهر لله أننا أخلص إليه، وأننا الأولى برعايته من إسرائيل وأمريكا .
سادتي الفلاسفة .. إن أجهزة تشكيل الرأي العام الحديثة والهائلة القدرة كالمذياع والتلفاز لم تكن موجودة زمن كانط، ليرى كيف أمكن استثمارها بالعودة إلى ما قبل بداية استخدام المخ لوظيفته (العقل)، وساعتها كان سيقول كلاما اخر بالقطع .
إن خيرنا سادتي ليس معكم، ولا مع كلامكم الكبير الرفيع البعيد عن مستوى فهمنا الملغي أصلا، إن خيرنا ومصالحنا مع محترفي العمل الديني، لسنا مع طه حسين بعد أن أعلن فشله بنفسه ونزع عن نفسه الاستنارة، ولبس ثياب الشيخ ليعلن نهاية مشروعه بنفسه ما بين الشعر الجاهلي والأدب الجاهلي،ولا مع سيد القمنى بعد ان اعلن تبرؤه مما كتب،ولا مع نصر ابو زيد بعد ان هرب بجلدة الى هولاندا وارضنا تتشقق عطشا إلية .. بينما لم يتراجع لا ابن كثير ولا ابن حنبل ولا ابن عبد الوهاب ولا ابن لادن ولا ابن الزرقاوى ولا ابن قرضاوى .
سادتي الفلاسفة يرون "ضرورة الإصلاح الديني الذي يحقق مشروعية الفحص الحر للنص الديني" . ألا تعلمون سادتي أن هذا الفحص الحر المطلوب قد تم وانتهى العمل منه خلال القرون الآربعة الهجرية الأولى، وعلى يد أسلاف أعظم منا تم القرار بشأنهم بأنهم "لا يجود التاريخ بمثلهم مرة أخرى" !! وقد بذلوا الطاقة وأفرغوا الجهد والطاعة في فرز الحديث وإسناد الما ئل منه وشرحوا القرآن وفسروا غوامضه وأرسوا قواعد الفقه، حتى بات من القول المأثور "لم يترك السلف شيئا للخلف " .
إن إعادة الفحص المطلوبة هي عمل مغرض خبيث ضد ما أجمعت عليه مقاصد الأمة، وهو جزء من المؤامرة العالمية، وللدين حراس وللأمة أمناء يا فلاسفة .
أما كيف يقوم الإصلاح الديني : يقول لنا الفلاسفة "بمبدأين هما : إجلاء الغموض الكامن في النص الديني، والثاني إعادة الفحص"!! يا للكلام الجميل حقا، لكنه يبدو مطلا من نافذة أخرى لا ترانا، فلا غموض لدينا، لأنه يصيب من يريد أن يعتقد نفسه فاهما، يصيب ضعاف الإيمان لعماء بصيرتهم وغضب الله عليهم، لأن المؤمن الصادق ينير الله له بصيرته، وإن لم ير ما وراء النص الغامض فسيريه الله إن آجلا أو عاجلا، بدليل وجود مشايخ لا يجدون أي صعوبة مع أي نص فى اى شئى كان . وفكرنا هو الصالح لكل زمان ومكان لأنه معرفة إلهية تامة، والإيمان به نهايته حتمية معروفة ليس فيها أي احتمالات .. جنة الخلد بخمرها وحورها وولدانها، حيث لا مهمة للمؤمن سوى الاكل والسكر والنكاح فى لذة ابدية .
|