كل هذه الفروض البسيطة التي تؤكد الدين وتنشر قيمة لم يكن أيا منها علي جدول أعمال هذه القمة القدسية المشرفة!!! فلم ينشغل الأعضاء لا بإرسال القرآن ، ولا الشراح ، ولا الدعاة, ولم يخطر لأحدهم استجلاب البعوث لمكة والمدينة لتلقي العلم, لانه وحتي بعد انجلاءهذا الاجتماع التاريخى, وإلى زمن طويل بعده, لم يرد من البلادة المفتوحة الي الحجاز سوي الذراري والسبايا الحسان ، لركوبهن ... وليس لتفقيههن في الدين. بينما ذهب ملوك العرب وامراؤهم في زماننا هذا ليتلقوا العلم في بلاد الغرب, وتخرج أكابرهم من أكاديميات كبري مثل سانت هيرست في بريطانيا ، ولم يركبهم أحد هناك ، علي الأقل فيما هو معلوم ومعلن!!
هنا فجوة كبري هائلة بين تصوراتنا اليوم وبين تصورات ذلك الزمان البعيد ومفاهيمه, لان كل الافتراضات المبنية علي مفاهيم اليوم حول ما كان واجبا أن تهتم به قمة الـ (17) ، لم تكن في مخزون العربي الثقافي في تلك الازمان . ويزداد ابتعاد المفاهيم الاسلامية عن تلك الفروض عندما نتذكر ان ذلك الذي حدث كان في القرن السابع الميلادي , قد حدث في مكان من نوع خاص ، وانه لم يحدث في روما وقوانينها ولا فى اثينا وديمقراطيتها ولا في الاسكندرية وعلومها ولا في بيروت وابجديتها ولا في جنديسابور ولا في نينوي ، وانما كان في بلاد كان اهلها يأكلون بعضهم ويغزون بعضهم ويركبون بعضهم ، حتي جمعهم الاسلام محولا طاقاتهم العنيفة نحو خارج الحجاز، ليأكل بهم كنوز كسري وقيصر حسبما أكد الحديث النبوي التنبؤي.
لقد كانت قمة الـ(17) قمة هامة بلا شك بل هي القمة الثانية في تاريخ الصحابة بعد قمة السقيفة , كانت قمة مصيرية تأتي بعد الفتوح والانتصارات لتتوجها, وهي بمعني من المعاني تعادل في ظرفها الموضوعي ، قمة الحلفاء بعد انتصاراتهم في الحرب العالمية الثانية, و لكن في زمن مختلف وثقافة مختلفة ، بل ان العرب كانوافى زمانهم يتخلفون درجات عظمي عن ثقافة ناس زمانهم في محيط الجزيرة الحضاري الذي احتلوه .
فقد اثمرت قمة الحلفاء المنتصرين في 12 اغسطس عام 1949 ميلادية عن اتفاقيات ومواثيق لحماية الإنسانية من حروب أخري ، وعن الأمم المتحدة, وعن مواد في مواثيق جنيف , ومنها المادة (14) التي تؤكد انه " لأسري الحرب حق احترام اشخاصهم وشرفهم في جميع الاحوال ويجب معاملة النساء الأسيرات بكل الاعتبار", والمادة (34) التي نصت علي أن " يترك لأسري الحرب حرية كاملة في ممارسة شعائرهم الدينية الخاصة بعقائدهم, كما تعد لهم اماكن مناسبة لاقامة شعائرهم الدينية ". وهو ما يضمن للمهزوم الحفاظ علي دينه وشرفه وعرضه ، وان من قرر ذلك هم المنتصرون الذين اتبعوا ذلك بمشروع مارشال لدعم المهزومين علي كل المستويات ، لإعادة تعمير مادمرته الحرب في البلاد المهزومة.
اذن ومع مراعاة فروق الزمن وفروق الثقافات يمكن مراجعة مادار في هذه القمة التي حضرها اشخاص مقدسين في تاريخ الاسلام ، خاصة التيار السني الذي يري نفسه نهاية واكتمال كل حضارة سامية ونبيلة ممكنة.
كان علي جدول أعمال قمة الـ (17) أربع بنود فقط تلخص موقف العرب الفاتحين ومفاهيمهم وطريقة تدينهم وتقواهم، أربع بنود كان سببها اربع رسائل وصلت الي الخليفة العادل عمر بن الخطاب. وهي علي الترتيب:
البند الاول: كتاب سعد بن أبي وقاص الي الخليفة ينبئه بأن الناس (أي العرب الفاتحين) قد سألوه أن يقسم بينهم مغانمهم وما أفاء الله عليهم . والبند الثاني كان كالأول كان مدارسة كتاب أبي عبيده بعد فتح الشام يخبر الخليفة ان المسلمين الفاتحين قد سألوه أن يقسم بينهم "المدن وأهلها" ؟؟!! وكان البند ثالثا مثل أولا وثانيا ، فكان طلب الجند الموفدين من الجيش الفاتح للعراق بنصيبهم. ومثل أولا وثانيا وثالثا كان البند رابعا ، كان مدارسة طلب بعض الصحابة أن يقسم الخليفة الأرضيين المفتوحة علي الصحابة كما كانت تقسم غنيمة العسكر, كما حدث في خيبر.
الملحوظة التي تفرض نفسها هنا أن الرسائل الاربعة قد أجمعت علي الكلام نفسه ، وعلى المطاليب ذاتها . من كان بالشام أرسل يطلب ما طلبه من كان بالعراق, ولم يكن عندهم موبايلات ولا وسائل اتصال بينهم ليتم الاتفاق علي هذه المطاليب بهذا التوافق الدقيق, وهو ما يفصح عن كون هذه المطاليب كان من المسائل المنتهية ، المتفق عليها سلفا ومفروغا منها لأنها قواعد جهادية عسكرية تم تطبيقها من قبل, وان تقسيم الأرضيين هو شرع وسنة عن النبي كما فعل في توحيده بلاد الحجاز وخاصة ما حدث في خيبر. لكن ذات الصحابة قد خاضوا مع نبيهم فتح مكة, وكان أهلها هم الطلقاء؟ فلماذا لم يتصور أيا من الصحابة في مصادرهم الاربعة إمكان معاملة البلاد المفتوحة بمادة مكة؟ خاصة اذا اخذنا بالحسبان ان شعوب البلاد المفتوحة حتي الفتح كانوا هم الاقرب الي صحيح الدين بالمفهوم الاسلامي ، فقد كان معظمهم علي آخر ديانة سماوية رسمية هي المسيحية, اي كانوا علي الدين الصحيح حتي زمن الفتوح, بينما كانت مكة أكبر معقل في العالم حينذاك للوثنية والجهل والتوحش.
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
|