أدهشنى أن بعض الحضور أصابه الضحك من هذه المقارنة المقصود منها بيان مدى التفصيل الإسلامى فى جوانب حياة المسلم مقابل لا شئ يتعلق بالدولة وأنظمة الحكم. ولست مسئولاً أن يضحك البعض فيستفز ضحكهم الصحفى أو الأستاذ أبو سعدة، لأن ضحكهم قد انبنى على التعامل مع مسألة الخلاء والاستنجاء من مقعد البورسلين الإيطالى والرخام السويسرى فى حمامات ترتوى من اكبر نهر فى العالم. بينما يجب أن نقرأة بظروف زمانه ومكانه وعندها لا نجد فيه ما يضحك، لأنه كان تأديباً وتهذيباً ونظافة للعربى فى بيئة ندرة شحيحة بالماء.
وعندما أتحدث فى محفل علمى مدنى كهذا، فإنى أفترض فى المستمع قدراً من المعرفة والثقافة خاصة بالإسلام، وأن يتميز المتعصب من المستمعين لإسلامه بثقافة إسلامية أوسع من قرنائه. فإذا بأبى سعدة يعتبر ما قلت تهجماً على الشريعة، وإذ بصحفى نهضة مصر يلتقى معه فى المشاعر، أكثر مما التقيا على فهم أو رأى واضح يهدم الذى قلت ويرده على قائله، وإذ بهما لا يعلمان عن إسلامنا الذى يدافعان عنه شيئاً. ليأتى الأستاذ (الشابه) ليكمل ملحمة الكذب والافتراء.
هنا لا أخفى دهشتي أن يقول أبو سعدة ما قال بعد انصرافى، لأنه من أداب المحاضرة ألا تعقب على شخص غير موجود، خاصة إذا كنت ستختلف معه، أو إذا كنت ستتعرض له بكلام سلبى. ثم لا أخفى حزنى الشديد لمثل الأستاذ حافظ الذى هو فيما أعلم أمين لمنظمة ترعى حقوق الإنسان، وسبق لى أن دافعت عنه دفاعاً حاراً دون أعرفه لمجرد أنه حقوقى إنسانى وذلك فى الباب الأول من كتابى إبن لادن. وحزنى ليس لدفاعى عنه وهجومه علي بعد انصرافى فى تجاوز لآداب المحاضرة، ولكن لأن كل ما فهمه من كلامى أنه هجوم على الشريعة، ولأنه إن أحتسبه كذلك فهو لا يعلم شيئاً عن الشريعة التى يدافع عنها، أو عليه أن يرد علي ما لم يعجبه ليدينه بمنطق الشريعة ذاته. ولأنه فيما يزعم داعية حقوق إنسانية بينما هو يقول حسبما نشرته الصحيفة أنه يتحدانى أن أهاجم الشريعة علناً. فالرجل يتحدث هنا بلسان أحد الخفراء البصاصين وليس بلسان داعية حقوق مدنية، لينكر ويستنكر أن أقول رأياً (أياً كان هذا الرأى)، ويتحدانى أن أهاجم الشريعة وأنا لم أهاجم الشريعة، بل هاجمت وبالفعل المادة الثانية بالدستور وطالبت بإلغائها وهى ليست أول مرة أفعل ذلك. وأن كان ما قلت بشأن الدولة الدينية والمقارنة بين تفاصيل حياة المسلم فى الإسلام حتى نظافة المؤخرة مع عدم وجود أى إشارة للدولة ونظام الحكم قد أزعج السيد حافظ بشدة، فهو الملوم لأنه لا يعرف شريعته. أما أن أقول ما قلته علناً فى تحدى يطلبه منى، فليقرأ عدد صحيفة القاهرة الذى صدر فى 20/2/2007 ليجد كل ما قلته فى الندوة مكتوباً مدعماً بمصادره الأصلية ومراجعه المعتمدة. لكن يبدو أن السيد أبو سعدة ممن لا يقرأون، وهذا يا سيدى كلامى منشوراً فى كتبى عليك أن تحدثنى فيه وتردنى بمنطق العلم والدليل والبرهان والقرائن. ولا أعتقد أبا سعدة بأهل لهذا، لسبب بسيط هو أنه أعتبر ما رصدته من حقائق هجوم على الشريعة، فهذا وحده كفيل بمعرفة مدى ثقافة سيادته.
أضيف مرة أخرى مزيداً قلته ولم يقله الصحفى. فقد أشار بعض الحضور إلى أن من مبادئ الشريعة الإسلامية قيم كالمساواة، وهو ما قمت برده وإنكاره، لأن الشريعة الإسلامية إنما تعرف الإنسان رتباً ومنازلاً وطبقات، لكل منها حقوق وواجبات تختلف عن بعضها البعض. فهى طبقات متمايزة مشرعة بحكم قانون الشريعة، وأنه كما تقول الآيات الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، بل أن دية الحر غير دية العبد غير دية الأنثى. وأن الخليفة عمر قد قام بتقدير العطاء من الفيئ والغنائم والسبى عند توزيعه على العرب، بعد أن كلف هيئة من النسابة لوضع الناس فى منازلهم أى فى مستويات كل منهم، فكان سهم بنى هاشم غير سهم أهل بدر غيرسهم نساء النبى، ثم أسهم لقريش ثم الأنصار ثم بقية العرب ما بين المضرى والحضرى وما بين العدنانى والقحطانى. كما تم تقسيم الأمبراطورية حسب قسمة طبقية أخرى هى: الحكام وهم من قريش، والعرب المسلمين، ثم العبيد المسلمين العرب، ثم المسلمين من البلاد المفتوحة وأعطوا لقب الموالى، ثم اهل الذمة وهم أصحاب الديان الأخرى من البلاد المفتوحة. ولا تستوى مثل هذه الطبقات لا فى الحقوق ولا فى الواجبات، ومن قال بمثل هذه المساواة فقد أنكر معلوما من الدين بالضرورة.
والمقصد أنه علينا احترام شريعتنا بإبعادها عن السياسة لأنها كانت فى معظمها تخص زمناً كان له ظروفه وطرائقه فى العيش والتفكير، تختلف بالكلية عن لحظة زماننا واجتماعنا فى مقر يناقش مسألة الدولة وحقوق الإنسان بجاردن سيتى فى القرن الواحد والعشرين، وليس فى فيافى الصحارى فى القرن السابع، ولأن مفاهيم مثل المساواة المطلقة والحريات الفردانية والديمقراطية الليبرالية والانتخابات الرئاسية والتشريعية كلها بنت زماننا اليوم، ولم يسبق أن عرفها الإنسان ولا تحدث عنها دين من الأديان لأنها لم تكن فى مخزون زمانهم الثقافى.
فهل هذا مثلاً ما اعتبره أبو سعدة هجوماً على الشريعة؟ هل أن أعرض بنوداً من الشريعة يكون هذا العرض هجوماً عليها؟ أم أن حافظ لا يستسيغها بمنطق عصرنا فهاجمنى أنا بدلاً من أن يهاجمها هى، هنا الفرق: أنه فى القول العلمى لا مجال لهجوم أو تسفيه أو شتم أو قذف، أنما ما هو مجال وضع الحقائق كما هى أمام الناس. أبو سعدة زعلان منى لأن الشريعة تفرق طبقياً وطائفياً وعنصرياً، أى والله يا أبا سعدة أنها
كذلك ومن قال غير ذلك إما جاهل جهلاً مركباً وأما هو كذاب أشر على الله وعلينا وعلى الدين. فإن لم تعجبك الشريعة على حالها فإما أن تعلن ذلك على الناس دون مهاجمتى، أو أن تعمل على إصلاحها بما يتفق وذوقك وفهمك، إن أردت، وإن استطعت !!
|