عرض مشاركة مفردة
  #26  
قديم 02-07-2007
الصورة الرمزية لـ ABDELMESSIH67
ABDELMESSIH67 ABDELMESSIH67 غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2003
المشاركات: 3,949
ABDELMESSIH67 is on a distinguished road
من وحي صورة «بدور»، الطفلة المصرية المقتولة في العيادة

http://elaph.com/ElaphWeb/NewsPapers/2007/7/244738.htm

نوال السعداوي

رأيت صورتها فوق شاشة الانترنت: صورة بدور، الوجه المضيء بالأمل في المستقبل، يشبه وجهي حين كنت طفلة في عمرها، منذ ستين عاماً وأكثر، حين أمسكتني أربع نساء من الفتوات، ذوات الأصابع الحديدية، قبضن على ذراعي وساقي، وكتفنني مثل الدجاجة قبل الذبح، ثم قطعن بالموسى الصدئة العضو الآثم الملعون، المخلوق بالطبيعة بين فخذي، وكانت أمي واقفة وراءهن ترمقني بابتسامة مريرة: تعرف أنهن يبترن من جسدي ما بترنه من جسدها وهي طفلة، تعرف أنها لم تعرف في حياتها معنى السعادة، أو اللذة الجسدية، أنها تزوجت وأنجبت تسعا من البنات والأولاد دون أن ترتعش فيها خلية واحدة باللذة التي كانت تغمر زوجها وتجعله ينتفض بالنشوة، وكانت تحسده، وفي أعماقها تلعن أمها وأباها وجميع أفراد العائلتين الكبيرتين، في الريف والمدينة، الذين تعاونوا معاً من أجل حرمانها من السعادة. ويقول لها الرجال ممن يخطبون في الراديو والمساجد، وأطباء وطبيبات من أتباع الخطباء، وضعوا الحجاب على عقولهم: «إن السعادة لا علاقة لها بذلك العضو الآثم الملعون، بل السعادة هي التخلص منه، والتفرغ لخدمة الزوج والأطفال». وماتت أمي في ربيع شبابها، وقبل أن تموت قالت لي: «اغفري لي يا ابنتي، لقد فعلت بك ما فعلوه بي دون أن أدري، عشت حياتي داخل الخوف والجهل، وأموت اليوم بالخوف والجهل».

كلمات أمي كانت الضوء، نزع الغشاوة عني، لم أعد أحب اللعنات على أمي، ولا أبي ولا الخطباء في المساجد، ولا الأطباء والطبيبات.

حوَّلت الغضب في أعماقي إلى الخارج، جعلته طاقة جديدة لكتابة عمل جديد، يكشف زيف الخطباء، وتخلف الموروثات، وصدر لي كتاب يفضح عمليات الختان، ويكشف مضارها الطبية والاجتماعية.

كان ذلك في منتصف القرن الماضي، وما إن صدر الكتاب حتى انتشر رجال البوليس في الشوارع يجمعونه من المكتبات، قالوا عنه انه كتاب من وحي الشيطان، وان غدة الشيطان تفرز هذه الأفكار المعادية للدين والأخلاق. وكان وزير الصحة، مثل غيره من الأطباء، يعيش الخوف والجهول، فأصدر قراراً بإعدام الكتاب، وعقاب المؤلفة بالفصل من عملها، وتشويه صورتها في الصحف والإعلام، باعتبارها خارجة عن تعاليم الطب السليم والدين الحنيف.

إلا أن عمري امتد وطال لأعيش وأقرأ أن وزير الصحة يصدر قراراً يُحرم ختان البنات، بل أغرب ما أشهده في حياتي، أن يعلن مفتي الديار أن ختان البنات حرام، وكان قد سبقه رجال دين وأكثر من مفتٍ، وأكثر من شيخ أكبر، أكدوا أن عدم ختان البنت إثم وضلال وتشجيع على الفسق والانحلال.

أكان يجب أن تموتي يا بدور حتى يتسرب بعض الضوء إلى خلايا العقل المظلمة؟ أكان يجب أن تدفعي حياتك الغالية ثمناً حتى يتعلم الأطباء شيئاً بديهياً؟ أكان يجب أن تنزفي آخر قطرة من دمك الطاهر الطفولي حتى يتعلم رجال الدين أن الدين الصحيح لا يقطع أعضاء الأطفال بالموسى حفاظاً على العفة والأخلاق؟

إن الإخلاص سلوك يتدرب عليه الإنسان وليس مشرطاً يقطع أعضاءه.

وكم من طفل نزف حتى الموت على يد حلاقي الصحة في الريف، ويد الأطباء في المدن؟ إلا أن موت هؤلاء الأطفال الذكور يندثر في العدم، ولا يصل إلى الإعلام، كما وصلت حالة بدور وكشفها الناس. وهل تنتظرون موت طفل كما ماتت بدور حتى تحرّموا ختان الذكور أيها السادة؟

منذ سنين طويلة أرسلت رسالة إلى وزير الصحة، وإلى نقابة الأطباء، وإلى أصحاب الضمائر في بلادنا، قلت فيها إن ختان الذكور عملية ضارة للأطفال جسدياً ونفسياً واجتماعياً، وبينت ذلك في كتاب لي صدر قبل سنوات.

وصدرت كتب أخرى تفضح مضار ختان الأطفال ذكوراً وإناثاً، إلا أن أحداً لا يهتم، بل تكال الاتهامات لكل من تصدى لهذه العملية الخطيرة، أقلها الاتهام بالكفر أو معاداة الإسلام، مع أن ختان الإناث أو الذكور لم يرد في القرآن، ولم يرد في الإنجيل.

هناك فقط آية في التوراة توجب ختان الذكور على بني إسرائيل فقط، نظير الأرض الموعودة التي منحها الله لهم، أرض كنعان أو فلسطين.

واليوم لم يعد أحد عاقل في العالم كله يقدم على ختان أطفاله البنات أو الأولاد. حتى بنو إسرائيل الذين يؤمنون بالتوراة، كفوا عن إجراء هذه العمليات الضارة لأطفالهم، رغم نص التوراة، ذلك لأنهم يتبعون عقولهم، والمنطق الصحيح، ويراعون المصلحة والصحة وليس النص.

وعندنا مدرسة عريقة في الإسلام تقول: «إذا تعارض النص مع المصلحة غُلبت المصلحة لأن النص ثابت والمصلحة متغيرة».

أخذ بنو إسرائيل هذه الفكرة اللامعة من هذه المدرسة الإسلامية العريقة الخلاقة، لكن أغلب المسلمين في بلادنا لم يعرفوا شيئاً عن هذه المدرسة الإسلامية، ولا يزالون يتبعون الشيخ الشعراوي رحمه الله، الذي قال إن قطع بظور النساء واجب ديني بحيث انه إذا ركبت المرأة دابة فإنها لا تُثار جنسياً، بسبب احتكاك البظر بظهر الدابة.

أذكر أنني كتبت مقالاً في مجلة «المصور» رداً على هذا المنطق العجيب للمرحوم الشيخ الشعراوي، وقلت إن عضو الرجل يحتك أيضا بظهر الدابة، فهل نأمر بقطع أعضاء الذكور؟ وقلت أيضاً إن ركوب الدواب اختفى مع اكتشاف العجلة والسيارة والطيارة. وقلت أيضاً إن الإثارة الجنسية مصدرها العقل في الرأس وليس العضو أسفل البطن، وقلت الكثير، واتهمني المرحوم الشيخ الشعراوي بأنني حليفة الشيطان، وأعمل من أجل إبليس، أما فضيلته فهو يعمل من أجل الله.

من هذه المسافة البعيدة يا بدور، من وراء البحار والمحيطات، أقول لك: أجل كان يمكنك بعقلك الخلاق أن تكوني كاتبة عظيمة، أو موسيقية، أو عالمة فضاء، أو باحثة عن علاج للأمراض الجسدية والعقلية المستعصية في بلادنا.

أجل يا بدور لقد أمسكوك وكتفوك كالدجاجة، وذبحوك، قرباناً لخزعبلاتهم وجهلهم، وخوفهم، ورعبهم، من ذلك العضو الصغير في جسدك، الذي يهدد عروشهم الواهية التي بنوها على مدى الأعوام من الأوهام.

وأقول لأسرة بدور أن تجعل من دم ابنتها المراق شعلة تضيء العقول، ألا تركن إلى الصمت والنسيان، تحت أي إغراء، أو تحت أي تهديد، أن ترفع أصواتها عالية حتى السماء، ألا تركن إلى النوم أو الراحة، حتى تكون قضية بدور هي القضية. إنها ليست أقل من قضايا تحرير الأرض والوطن، لأن أي وطن، بل عقل، يندثر في التاريخ، وأي أرض بلا إنسانية تذهب وتضيع.
__________________
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخُمِهَا. فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصاً وَمُحَامِياً وَيُنْقِذُهُمْ. فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ وَيَعْرِفُ الْمِصْريُّونَ الرَّبَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وتقدمه وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْراً وَيُوفُونَ بِهِ. وَيَضْرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ ضَارِباً فَشَافِياً فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ. «فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ فَيَجِيءُ الآشوريون إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الآشوريين. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلْثاً لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ بَرَكَةً فِي الأَرْضِ بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ».
www.copts.net
الرد مع إقتباس