أحداث ما قبل السجن .
كان النائب البرلماني المعارض طلعت السادات ـ ابن شقيق أنور السادات ـ يريد ان ينتهز فرصة الذكرى، وهي أيضاً الذكرى الخامسة والعشرون ليوم ٦ تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٨١ الذي شهد اغتيال السادات خلال احتفاله العسكري بانتصار تشرين الأول (أكتوبر).
كان طلعت السادات قد تحدث في نهاية العام الماضي، عن أنه يشك في تفاصيل وقائع اغتيال عمّه.. وأشار الى ملاحظات عدة وملابسات تدعو الى الشك في أن هناك قوى وعناصر.. وشخصيات في مواقع المسؤولية.. ورجال أمن وحراسة، لم تقم بواجبها في حماية الرئيس السادات لحظة وقوع الهجوم المسلّح الذي راح ضحيته..
وعندما ردّد طلعت السادات هذا الكلام في تصريحات صحفية، لم يهتم أحد بالأمر كما ينبغي..
ويبدو أنه قرّر ألا يسكت.. فقد طالب وقتها ـ ثم طالب الآن ـ بإعادة فتح التحقيق في وقائع اغتيال السادات من جديد.. واختار مناسبة ذكرى الاغتيال ليفجّر قنبلة جديدة.. ولم يكتف بهذا الحديث التلفزيوني.. فأدلى بأحاديث صحفية الى صحيفة معارضة «الغد» وغيرها... شكّك فيها في أن هناك مؤامرة صمت حول مصرع عمّه.. وأن مسؤولين كباراً يعرفون حقائق ما جرى ويتكتّمون.. وأكد أن رجال الحرس الخاص بالرئيس الراحل لم يتحرّكوا للدفاع عن حياته ومواجهة العناصر التي قامت بعملية الاغتيال.. والتي يعتقد طلعت السادات أنها استخدمت في العملية، وأن أيادي أخرى خفيّة شاركت في التخطيط والتنفيذ، من دون أن تظهر على مسرح الأحداث، ومن دون أن تواجه الاتهامات، بل وزاد إشعاله للموقف بالقول أن هذه العناصر، ومنها قيادات عسكرية، لم تعاقب على تقصيرها، بل إنها كوفئت وتمّت ترقيتها الى مناصب أعلى!
وعلى الرغم من أن الصحف الحكومية المصرية، وكذلك الاذاعة والتلفزيون، لم تشر من قريب أو بعيد الى ما ردّده طلعت السادات عن اتهامات عبر الفضائية.. إلا أن الوجوم ساد.. ونشرت صحف عدة مستقلة ومعارضة ملخّصات، لاتهامات النائب البرلماني المعارض، ومطالباته بإعادة التحقيق في وقائع مصرع الرئيس المصري السابق «بطل الحرب والسلام»!
وبدأت بعض الصحف الحكومية تعلّق على الأمر مضطرة، وكتب رئيس مجلس إدارة «روز اليوسف» كرم جبر، مقالاً طالب فيه برفع الحصانة البرلمانية عن طلعت السادات..
وبعد أيام نشرت الصحف خبراً مفاده أن رئيس مجلس الشعب «البرلمان» الدكتور أحمد فتحي سرور، قد وافق على رفع الحصانة عن النائب السادات، بناء على طلب وزير العدل الذي تلقّى طلباً بهذا المعنى من النائب العسكري العام، متهماً طلعت السادات «بإشاعة أكاذيب وإهانة القوّات المسلّحة».
وعلى الرغم من أن ذلك اليوم كان يوم عطلة رسمية بمناسبة ذكرى انتصارات تشرين الأول (أكتوبر)، وعلى الرغم أيضاً من أن المجلس في عطلته الصيفية، فقد قرّر رئيس المجلس منفرداً رفع الحصانة.
وعندما تمّت مواجهة د. فتحي سرور رئيس البرلمان، بأن إجراء رفع الحصانة جاء متسرّعاً ولم يراع لائحة المجلس، قال مؤكّداً صحة القرار أنه لا يخالف اللائحة، وممارسة الاختصاصات الدستورية والقانونية تتم في أي وقت، صباحاً ونهاراً وليلاً من دون التقيّد بيوم العمل أو الاجازة.
وعلى الفور عقد طلعت السادات مؤتمراً صحافياً في مكتب المحاماة الذي يديره، تحدّث فيه الى وكالات الأنباء العالمية والصحافة والتلفزيون، مؤكداً أنه يمارس حقّه كمواطن، وكنائب في البرلمان، وليس بوصفه ابن أخ الرئيس الراحل فقط.. وأكّد أنه لم ينطق بأي إساءة الى القوّات المسلّحة، وأعلن أنه يعتبر المؤسسة العسكرية في مصر رمزاً لشرف الأمّة وحاميها الشجاع، ولا يمكن أن يصدر منه ما يسيء إليها.. ولكنه يطالب بالتحقيق في وقائع اغتيال الرجل الذي كان القائد الأعلى لهذه المؤسسة، والتحقيق في مسؤولية الأشخاص والقيادات التي كان عليها أن تحمي الرئيس من الاغتيال، وأنه ليس في ذلك إهانة للمؤسسة العسكرية.
أما عن إحالته على التحقيق والمحاكمة أمام القضاء العسكري، فقد أعلن أن ذلك مخالف للدستور، فهو رجل سياسة ويعمل بالمحاماة وليس عسكرياً.
جريمة عسكرية!
ونفى رئيس مجلس الشعب الدكتور سرور عدم دستورية المحاكمة، قائلاً: إن الجريمة التي طلب من أجلها رفع الحصانة هي جريمة عسكرية بحتة، لأن هناك ٣ معايير لتعريف الجريمة العسكرية، المعيار الأول: أن يكون الجاني عسكرياً، والثاني: أن يكون المجني عليه عسكرياً، والثالث: أن يكون المكان الذي وقعت فيه الجريمة عسكرياً.. وفي حالتنا هذه فالمجني عليه وهو القوّات المسلّحة... مؤسسة عسكرية!
تحويل الفرحة.. الى جنازة!
وبينما وقفت الصحف الحكومية موقف الاتهام والسخرية من الرجل الذي استطاع تحويل فرحة ذكرى النصر.. الى جنازة.. وراح يكيل الاتهامات الى النظام المصري الحالي الذي تولّى السلطة منذ اغتيال السادات..
فقالت «الأهرام» كبرى الصحف اليومية عن طلعت السادات، يوم ٨ تشرين الأول (أكتوبر).. ومن دون إشارة الى مطالبته بإعادة التحقيق في اغتيال السادات واتهامه للقيادات الحالية، ولكن ضمن تحقيق صحفي عن «ضحايا الهوس الإعلامي».
آخر ضحايا النجومية النائب طلعت السادات، الذي يعيش الآن أجواء رفع الحصانة البرلمانية، دخل السياسة ولم يجد قواعد اللعبة، استسلم للنجومية ولم يتق غدرها، أطلق الرصاص ولم يحدّد أعداءه، وظهر في برنامج تلفزيوني منتصف الأسبوع يناقش ذكرى اغتيال الرئيس السادات، وإذ به يكيل معلومات واتهامات للدول والجهات، بأنها وراء اغتيال السادات لخدمة مصالحها، إلا أنه يبدو أن الأحداث اختلطت في ذهن النائب السادات، ولم يدرك أن تشكيكه في اغتيال عمّه يختلف في خطورته عن التشكيك في الذمّة المالية لمسؤول.. وأن ما قاله طوال السنوات الماضية في كفّة، وما قاله حول اغتيال السادات في كفّة أخرى، فزعم أن قنابل السادات لم تتوقّف منذ دخوله البرلمان، وبخاصة الدورة الأخيرة، إلا أن لغة الأضواء استدرجته لمنطقة شائكة ومرحلة غامضة.
|