نجيب ساويرس وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة
اسم الكاتب : محمود الزهيري
04/12/2007
اكتملت أركان الحملة بتواطوء بين منظومة الفساد، وبين الجماعات الدينية، بالتوافق فيما بينهم وبين المشوهين فكرياً، الذين يخلطون دائماً بين النصوص المقدسة، وبين ما يفهمه البشر من هذه النصوص المقدسة، ومن ثم كان كل صاحب رأي يختلف معهم يتم إخراجه من الدين والملة والنحلة، إلى حيث يكون مصير الكافرين والهالكين من المغضوب عليهم والضالين، وكل هذا يتم ليس بحسب نصوص الدين المقدسة، وإنما بحسب بسط المفهوم من هذه النصوص، وكل صاحب مصلحة دينية أو دنيوية بمكنته حسب مفهومه البشري القاصر أن يوظف النص حسب وجهة مصلحته، وما ينطبق على الأفراد، يسري على الأنظمة في ذلك!
وليس بمستغرب أو يعني آخر، ليس بغريب، حتي لا يتوهم البعض أننا نيمم وجوهنا تجاه الغرب الكافر الذي هو من عينة نجيب ساويرس الذي يحارب الإسلام ويكره المسلمين ويكن لهم الحقد الدفين ويتمني زوال اسم الإسلام من أي مكان في العالم، وزوال مظاهره معه والتي تؤرق نجيب ساويرس وتؤرق معه المسيحيين ليس في مصر وحدها ولكن في العالم أجمع، وبالذات ظاهرة انتشار الشادور، أو المتعارف عليه بالنقاب في مصر المحروسة.
أو هكذا يتخيل البعض من أصحاب الخيالات المريضة أن حالات العداء المتعددة قائمة وراسخة في قلوب المسيحيين المصريين تجاه المسلمين المصرين، وأن هناك صراع عقيدي تدور رحاه بين أصحاب الديانتين المسيحية والإسلامية، وأن المسلمين بالرغم من أنهم يشكلوا الأغلبية العددية في الدولة المصرية، إلا أنهم دائمي التخوف من هذه الأقلية العددية، بالرغم من أن الجميع من المفترض أنهم مواطنين مصريين يستظلوا بسماء مصر، ويشربوا سوياً من ماء مصر الذي أصبح مسمماً بما يتسامر به المؤمنين بكافة العنصريات الدينية على السواء، مسيحيين كانوا أو مسلمين، أو حتى المؤدلجين سياسياً.
ولا أدري ما أسباب هذا التوجس والتخوف من الأقلية المسيحية التي لو كنا نعيش في مجتمع يؤمن بالمواطنة، أو كنا نعيش تحت لواء دولة تحمي المواطنة وترسخ لقواعدها في المجتمع المصري الذي هو أساس ونواة الدولة المصرية بمسلميها ومسيحييها ما كنا سمعنا بممصطلح الأقلية والأغلبية إلا في نطاق وحيز الممارسة السياسية في الحكم والسلطة، لأن هذه المصطلحات تذوب في دفء المواطنة ويصبح ليس لها محل من الإعراب سواء في اللغة المصرية القبطية التي يسعى المسيحيين لإعلاء شأنها وإعادة تداولها في المجتمع المصري لتكون لغة الدولة المصرية، ليس من باب المشابهة بفك لغة ورموز حجر رشيد، والتعرف على أسباب وموجبات العلم والحضارة، وإنما من أبواب عنصرية أخرى، أو في اللغة المصرية العربية التي جاءت محمولة على أسباب وموجبات التوسع الإسلامي للإمبراطورية الإسلامية، وعلي حسب ما تم تدوينه تاريخياً بمسمى الغزو والفتح الإسلامي لمصر!
ولكن من يقف وراء إذكاء نيران الأقليات والأغلبيات العددية في مصر؟ ومن هو صاحب المصلحة في الترويج لحالات العداء بين المصريين، مسيحيين منهم، ومسلمين؟
إن المصريين البسطاء أصحاب العقيدة الدينية الفطرية البسيطة في معناها ومبناها لم يعرفوا ولم يتعلموا التطرف والتعصب والعنصرية، وإنما أصحاب المصالح الدنيوية هم الذين يزكون نيران التطرف والعنصرية والإرهاب، جاعلين من مصالحهم الدنيوية هدفاً أسمى للوصول إليه عبر إدارة أنواع معينة من الصراعات وأخطرها الصراعات الدينية، ليس في نطاق المفاهيم الدينية فقط، وإنما الأمر يتعدى ذلك ليذهب إلى العقائد الدينية، ليسب كل طرف عقيدة الآخر ويلعن المغاير له في الدين والعقيدة، ومن هنا تدار الصراعات الدينية، لتصب في النهاية في حصالة أصحاب المصالح الدنيوية الذين هم مديري الأزمات والمستفيدين منها.
ولماذا موجة العداء الظاهر ضد نجيب ساويرس في هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا يتبارى بعض الصحافيين في الوقوف بجانب الحملة التي أرادت أن تقاطع نجيب ساويرس وتقاطع شركاته سواء الخاصة بالتليفون المحمول أو بباقي الشركات؟
هل لأن هذه الخدمات سيئة، ولا تحظى بقبول المصريين مسيحيين ومسلمين، ومن ثم يشوبها الغش والتدليس في عرضها على جمهور المستهلكين المصريين؟ أم أن شركته مثلها، مثل غيرها تتعامل مع الأجهزة الأمنية في التجسس على مكالمات العملاء من المصريين المسيحيين، والمسلمين، خاصة وأنه توجد خاصية للتجسس على الناشطين والمعارضين السياسيين لنظام الحكم والسلطة، وذلك من خلال أجهزة التليفونات المحمولة، والتي تستخدم كمسجل للتجسس والتنصت والتصنت على من تريد السلطة الحاكمة والأجهزة الأمنية معرفة ما يدور برأسه، أو رأس من يجتمعون به ويتقابلون معه سواء كان حزب، أو نقابة أو هيئة أو مؤسسة، أو كان أياً ما كانت صفته؟
أعتقد أن هذا الأمر يمس حرمة الحياة الخاصة، وهي حرمة مقدسة! فهل كانت الحملة على نجيب ساويرس من هذا الباب فقط؟
أعتقد أن الحملة لها جانب آخر:
وإلا ما معني أن التيار السلفي الوهابي المستتر بعباءات المملكة العربية السعودية في مصر وبعض الدول العربية التي تهتم بنشر أفكار هذا التيار الديني المنغلق على أفكار الماضي، والحاصر عقله في مرحلة تاريخية معينة، والحاسر رأسه، ليس إلا في الشال، أو العمامة، أو الشال السعودي، أو الشال الفلسطيني باعتبارهم بجانب الطاقية البيضاء، أو العقال المعروف عنه بالسعودي، بأنهم جميعاً يحرمون استخدام شبكة موبينيل للمحمول، وأن غالبية أرقام تليفوناتهم المحمولة، أو عفواً هواتفهم المحمولة الخلوية، تبدأ برقم 010، وليس 012، على اعتبار أن نجيب ساويرس كافر وهالك، وأنه من المغضوب عليهم، أو من الضالين، أو أقرب التفسيرين، أو هما معاً، ومن ثم وجب مقاطعة هذه الشركة الخاصة بالاتصالات، ومعها الشركات الأخرى، نظراً لأنها مملوكة لأحد الهالكين، حسب ما يحب البعض بتسمية المسيحيين من أصحاب التيارات الدينية، وخاصة التيار السلفي الوهابي، والذي يعلنها صراحة، وبلا مواربة، بخلاف باقي التيارات الدينية التي تستخدم أسلوب التقية، أو أسلوب مداراة الناس نصف العقل حتى تتاح لها الفرصة في التمكين ثم يكون الذبح، أو الجزية، أو هكذا يتوهمون، أو لهذا يعملون!
mahmoudelzohery@yahoo.com