تكملة
بمُنتهى الفرح والإعتزاز أنتهز فرصة حلول الأول مِن نيسان رأس السنة الكلدانية البابلية ( الأكيتو ) ، لأتقدم الى أبناء امتي الكلدانية بأزكى التهاني والتبريكات مُتمنياً لهم ولجميع إخوتهم أبناء العراق عودة الإستقرار والأمان واستتباب الوئام والإنسجام بين كافة مكوناتهم القومية والدينية والمذهبية . ويَسُرُّني جداً أن أُتحفَ القراء الكرام بتفاصيل الإحتفالات التي كان يُقيمُها البابليون الكلدان بمناسبة رأس سنتهم الجديدة ( الأكيتو ) .
إن أول مَن تبنّى الإحتفال بـ ( أكيتو Akitu ) هم الكلدانيون الأوائل سُكّان وسط وجنوب العراق القديم منذ ( 5300 ق . م ) وكان يجري ذلك وباهتمام متميِّز في مدن كيش واور واوروك في الفترة التي سبقت هجرة السومريين الى الجنوب ، وبعد استقرار السومريين أُضيفَ احتفالٌ ثانٍ بمناسبة موسم الخريف ( زاكموك ) فأعتمدَ الرافديون الأوائل الكلدان والسومريون الإحتفالَ بالمُناسبتين ( أكيتو وزاكموك ) منذ استقرار السومريين وحتى زوال عهدهم ( 2112 - 2004 ق . م ) ويؤدّون الطقوس الإحتفالية بكلتيهما على حَدٍ سواء مِن القوة والأهمية، وكان لمدينة اور دورٌ رئيسي في تلك الإحتفالات ولا سيما في عهد سُلالة اور الثالثة وإلهها ( نَنار Nanar ) . كانت احتفالات ( زاكموك ) تَنصَبُّ على النخلةِ باعتبارها أقدسَ الأشجار والى جانب ذلك تُمارَسُ شعائرُ تَجَدُّدِ الحياة والخِصب .
بَيدَ أن إحدى السُلالات العمورية التي تعود باصولها الى الكلدان الأوائل ، تَمَكنت في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد مِن تأسيس سُلالةٍ حاكمة في بابل أطلقت علي نفسها ( السُلالة البابلية الاولى ) وفي عهدها تَطوَّرَ الإحتفال برأس السنة الرافدية البابلية ( ܪܫ ܫܬܝܡ Resh Shattim ) في الأول مِن نيسان ( الأكيتو ) نظراً لقيامها بتنظيم حياة مواطني بلاد ما بين النهرين دينياً واجتماعياً واقتصادياً ، ومنذ ذلك ، كانت بابل تحتكر لذاتها الأولوية في الإحتفال بعيد رأس السنة البابلية ( أكيتو ) وكان الإله ( مردوخ ) محور الإحتفالات في بابل المدينة الاولى وفي بقية المدن الاخرى . ولكن بعد أن قام الملك الآشوري سنحاريب في سنة 689 ق . م بتدمير بابل ، امتنع البابليون عن القيام بتلك الإحتفالات الفخمة ، وأمر سنحاريب بإجراء الإحتفالات بعيد ( أكيتو ) في العاصمة الآشورية ( نينوى ) مُستبعداً الإله ( مردوخ ) عن محور الإحتفالات ومُعطياً دوره للإله الأجنبي إله القبائل الشوبارية ( آشور ) . ونتيجةً لهذا العمل الشنيع ثار عليه أهلُ بيته وجرى اغتيالُه على أيدي إثنين مِن أولاده .
إعتلى العرشَ مِن بعد سنحاريب إبنُه أسَرحدون ، فقام بتعمير ما خَرَّبَه والدُه ، حيث أعاد لبابل عُمرانها وللإله ( مردوخ ) مكانتَه ككبير آلهة بلاد ما بين النهرين ومحور مراسيم الإحتفالات ، وهكذا عادت أنظارُ كافة السُكّان ثانية تتطلع نحو بابل العاصمة الرئيسة والرسمية للبلاد في الأول مِن نيسان مِن كُلِّ عام ، لتستمتع بتلك الإحتفالات الضخمة والمهيبة التي تُقيمُها الدولة وسط حشودٍ بشرية هائلة قادمة مِن شتى مناطق البلاد الرافدية .
|