عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 04-06-2008
الخواجه الخواجه غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: May 2005
المشاركات: 2,200
الخواجه is on a distinguished road
حكاية من دفتر يهود مصر

نبيل شرف الدين

بكل أسف وأسى، اعترف بأنني لم أقابل طيلة حياتي يهودياً مصرياً سوى مرة واحدة عابرة، ولعل كل ما استقيته من معلومات عن أحوال هذه الطائفة المنقرضة، كان من القراءات والأفلام التسجيلية، وشهادات الأجيال السابقة ممن عاصروهم في زمن مصر الليبرالية، غير أن مشهداً وحيداً لا ينسى قيضت لي الأقدار أن أكون شاهداً عليه قبل أعوام..
أما فصول قصة هذه المرة العابرة، فجرت وقائعها حين كنت في حي "الظاهر" وسط القاهرة لزيارة صديق، ورأيت سيدة مُسنّة تحتضن صاحب محل ساعات بشوق وصل بكليهما إلى حد البكاء، كانت ملامح السيدة تشي بأنها كانت جميلة في صباها، أما الرجل فملامحه مصرية خالصة، ومن الصور المعلقة على جدران المحل المتهالكة استنتجت أنه قبطي مسيحي، وكان هذا اللقاء من فرط حميميته وحرارته العفوية، يخطف الأبصار، فدفعني فضولي لمتابعته قبل أن أصعد إلى شقة صديقي..
فأجأني الرجل بحديثه الذي تختلط فيه الفرنسية بالعربية، وهي ترد عليه بنفس المزيج اللغوي، ومن البكاء الحار والأحضان الدافئة، تحولت دفة اللقاء إلى الضحك والقبلات، قال الساعاتي بفرنسية سليمة: "أوه يا راشيل، كان ينبغي أن تكون هذه القبلات قبل أربعين عاماً على الأقل، لكنك مع ذلك مازلتِ جميلة الجميلات على الأقل في عيني، هل تذكرين يا عزيزتي حين كان عشرات الشباب ينتظرون خروجك من البيت ليتمتعوا برؤية أجمل فتيات الظاهر وربما القاهرة كلها، فتضحك السيدة التي اتضح أنها يهودية مصرية هاجرت عام 1967، وتتفرس المكان بشوق عارم، وتبدو على ملامحها نظرة حنين ممزوجة بالدهشة، وتقول بحسرة للساعاتي "المكان تغير كثيراً يا جورج"، فيرد الرجل بالعربية: "نعم الحي كله أصبح عجوزاً مثلنا"، لكنني مع ذلك لم أستطع مجاراة ابني واللحاق به في كندا، لقد هاجر قبل عشر سنوات، هل تذكرين ذلك الفتى الذي كان يلعب مع أبناء اختك ليليان؟، لقد أصبح الآن طبيباً شهيراً، ويقيم في مونتريال مع زوجته الكندية، وصار لديهما ثلاثة أبناء"..
الساعاتي العجوز دعا ليليان لتدخل محله، وحينئذ لم أجد مفراً من الصعود إلى شقة صديقي، وحكيت له ما رأيت فابتسمت والدته قائلة: "هل تعرف أين كانت تقيم راشيل هذه؟"، وقبل أن أرد بادرت هي بالإجابة: "كانت تقيم في هذه الشقة، لكننا لم نشتريها من أسرتها، بل من آخرين اشتروها منهم"..
__________________
واجب علي جميع المصريين المساهمه في بناء مصر لتكون دولة ديمقراطية . ليبراليه . منتجه .
و


لنتعاون جميعا حتي تتغلب رسالة الحب و النور و الحياة علي ثقافة الكراهية و الظلم و الموت

آخر تعديل بواسطة الخواجه ، 04-06-2008 الساعة 02:19 AM
الرد مع إقتباس