
31-12-2009
|
Silver User
|
|
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 713
|
|
مشاركة: ~ †لبنان †~
دعوة بري لالغاء الطائفية السياسية أصبحت حملة وهي لخدمة مشروع خارجي وكمن يتاجر بمرضه
هل الكلام عن إلغاء الطائفية السياسية في لبنان اليوم هو جدي, ويهدف إلى الخروج عن طور التعامل التقليدي معه, والذي كان يتسم بالدجل والمراوغة? علماً أن الدجل والمراوغة في مقاربة موضوع حيوي ومحوري في الحياة السياسية وارتداداته على الحياة المدنية والاجتماعية في لبنان, لم يقتصر على طائفة دون سواها, بل تناوبت مختلف الطوائف السياسية ومنذ الاستقلال وحتى الساعة على استعماله لأهداف فئوية, وكوسيلة ضغط في سياق المزايدات السياسية. وبما أن المبادرة اليوم جاءت عن طريق الرئيس بري يتبادر سؤال وهو عن النوايا الفعلية الكامنة وراء مبادرته هذه,وذلك على خلفية صدور تعليقات في وسائل الإعلام ترد طرح بري لحاجته الى للاستعمال وسيلة ضغط ما, بمناسبة مناقشة البيان الوزاري, والذي اصطدم بند سلاح المقاومة الوارد فيه بتحفظ الأطراف المسيحية الموالية ا¯"تيار المستقبل"?
كان توقيت مبادرة الرئيس بري في طرح هذا الموضوع مناسبا ومدروسا من ناحية تحضيره الأرضية الشعبية الملائمة لتقبل بيان السيد حسن نصر الله, وحتى يأتي كلام السيد نصر الله الهادئ والمطمئن كفخ ليحصد التصفيق من مختلف شرائح الشعب التواق الى نهوض هذا البلد من كبوته الطائفية. ناهيك عن هدفه الضمني في رفع العصا بالوكالة عن الحزب بوجه من سوف يعصي ولا يوافق على البيان الوزاري في مجلس النواب.
إن البيان الذي تلاه الأمين العام ل¯ "حزب الله" السيد حسن نصر الله لاحقاً وبمناسبة إعلان الوثيقة السياسية للحزب هو بيان واضح ويتناغم مع روح وبنود دستور "الطائف" وقد يصلح للمدينة الفاضلة, ولكنه يبقى كما العادة كلام حق يراد به باطل. ف¯"حزب الله" هو حزب شيعي محض, ولا يستسيغ الاختلاف الطوائفي. واحتضانه ل¯"التيار الوطني الحر" الحزب المسيحي الخالص, وتحالفه معه ليس اكثر من شكلي مرحلي ويصب في مصلحة تعزيز هيمنة الحزب على قرار شريحة واسعة من المسيحيين. ومن الأرجح أنه لن يقبل بانخراط مقاتلين من التيار في صفوفه, كما فعل في السابق حين أقصى مشاركة حزبي "القومي" و "الشيوعي" العلمانيين في معارك الجنوب اللبناني, حاصراً التواجد المسلح هناك فقط بمقاتلي الطائفة الشيعية. وهو حزب يعترف بانتمائه والتزامه بعقيدة ولاية الفقيه, ولكنه يدعي أن هذا الانتماء هو فقط أيديولوجي وديني, وليس سياسيا. وكلام السيد نصر الله هذا والذي ما فتئ يردده بكل مناسبة في سياق تأكيده على لبنانية الحزب, يتناقض بشكل فاضح مع أيديولوجية الولي الفقيه, التي تقوم على الاعتراف بالسلطة الروحية على أنها سلطة مدنية ودنيوية في الوقت نفسه. والمرشد الروحي آية الله علي خامنئي ليس فقط مرشداً روحياً, بل هو المرجع السياسي الأول والأخير. فكيف يدعي السيد حسن نصر الله الفصل بين هذين الدورين, أي بين انتمائه لعقيدة ولاية الفقيه دينياً فقط وليس سياسياً? فالحزب هو حزب طائفي ولا يمكنه أن يطرح مشروعاً لإلغاء الطائفية السياسية ويلغي ذاته في الوقت نفسه. والمعادلة ذاتها تنسحب على حركة "أمل" وأيضاً على الأحزاب المسيحية الأخرى. لا أحد يضع قانوناً يلغيه من الوجود, وهذا أمر بديهي.
إلا أن السيد نصر الله لم يشأ التمادي في دغدغة أحلام اللبنانيين بإلغاء الطائفية السياسية, وعاد ليطمئن الطبقة السياسية الطائفية التقليدية الحاكمة, والذي بات ينتمي إليها فعلياً, عن طريق الترداد وراء الرئيس بري بأن التطبيق الفعلي لإلغاء الطائفية السياسية لن يتحقق قبل عقود, وأنه سوف لن نعيش, أي الجيل الحالي, حتى نراه. وهو كلام وإن يهدف إلى طمأنة زعماء الطوائف فهو يؤكد في الوقت نفسه على عدم النوايا الحقيقية بإيجاد الدواء لهذا المرض العضال والذي يهلك ويقوض الدولة ويحولها إلى مرتع لأهواء ونفوذ من يريد أن يستعملها كساحة لمناوراته الإقليمية.
في الحقيقة إن الطائفة السنية ليست خائفة كثيراً من طرح إلغاء الطائفية السياسية. فالسنة ليسوا قلقين من هيمنة "حزب الله" على القرار في لبنان, ويستندون الى تفوقهم العددي عبر العالمين العربي والإسلامي. والمزايدات في مجال إلغاء الطائفية السياسية لا تستهدفهم بقدر ما تستهدف هواجس المسيحيين وخوفهم من الاضمحلال والذوبان. فبعد موقعة 7 مايو عام 2008 قررت الطائفة السنية التزام الحذر وتحاشي الاصطدام مع "حزب الله", بينما بقيت الطائفة المسيحية والمتمثلة بالأطراف الملتحفة عباءة البطريرك صفير, على مواقفها الرافضة والمتشددة حيال سلاح "حزب الله". ولكن وعن طريق سحب ورقة إلغاء الطائفية السياسية من الدرج ورفعها بوجهها, قد يتحقق تراجع الطائفة المسيحية عن مواقفها, وتتحقق رغبة "حزب الله" بالاستئثار بالقرار الوزاري بشكل كامل.
أما بالنسبة إلى هواجس المسيحيين التابعين للجنرال ميشال عون فلقد سعى هذا الأخير الى تهدئتها في زيارته لبكركي,حيث قدم لأتباعه صورة التوافق والوئام مع رأس الكنيسة المارونية. والجدير بالذكر هنا أن موقف عون ليس مناهضاً لمناورة "حزب الله", بل يتناغم مع سياسة الحزب العامة. والأدوار مفروزة فيما بين حركة "أمل" و"حزب الله" اللذين يرفعان ورقة التهديد للمسيحيين الرافضين, وبين عون الذي يهدئ من روع المسيحيين الخائفين, ويغنم في الوقت ذاته بامتياز وحصرية الطلب من الرئيس بري سحب هذا الموضوع من التداول.
في الماضي طرح الرئيس بري إلغاء الطائفية السياسية لتغطية الوجود السوري, واليوم عاد وبشكل ممل يستعمل الوسيلة نفسها لتغطية تمدد النفوذ الإيراني. هي مناورات داخلية كما العادة خدمة لمشروع خارجي. وكمن يتاجر في آخر المطاف بمرضه داخل عائلته وبين أفراد أسرته نرى اللبنانيين يزايدون دائماً على بعضهم البعض في مسألة تخص وجودهم ومستقبلهم, ومستقبل أولادهم.
كاتبة سياسية لبنانية
http://www.al-seyassah.com/AtricleVi...2/Default.aspx
|