بقلم: احمد عبد المعطي حجازي
لكن ما الذي كان هذا النظام الساقط يقدمه للإخوان المسلمين في المقابل؟ كان في المقابل يتبني شعاراتهم ويزايد عليهم. فلم يحدث أن كانت الرقابة الدينية علي المؤلفات الأدبية, والمصنفات الفنية عنيفة متشددة كما كانت في العقود السابقة التي شهدت التضييق علي الإخوان المسلمين كجماعة والاستسلام الكامل لفكرها. المناهج الدراسية في المدارس الحكومية تعبير صريح عن هذا الفكر, والبرامج الإذاعية والتليفزيون, والصفحات المخصصة للكتابات الدينية في الصحف والمجلات, والميزانيات الضخمة التي مكنت الأزهر من إقامة تعليم ديني مواز للتعليم الوطني يشمل كل المستويات والتخصصات ويغطي مدن مصر وقراها. وإذا كان الإخوان المسلمون قد وجدوا المجال واسعا في المدارس والجامعات فقد وجدوه أوسع في المساجد والزوايا, وأخيرا وليس آخرا هذه المادة الثانية التي أضيفت للدستور وقررت أن الإسلام دين الدولة, وأن الشريعة هي المصدر الأساسي للقوانين فأثارت الخوف والريبة ولاتزال تثيرهما حتي الآن.
ومن الواضح لنا جميعا أن هذه الامتيازات التي أتيحت للإخوان المسلمين في ظل النظام الساقط لم ايتحب شيء منها لأي حزب معارض. لقد لفق الدستور ولفقت القوانين والنظم لتبعد المعارضين إبعادا تاما عن أي نشاط مؤثر يستطيع أن يكسب به هذا الحزب الجماهير أو يتقدم خطوة نحو تنفيذ برامجه أو يمارس حقه في النقد والمعارضة, في الوقت الذي كان فيه الإخوان المسلمون يربحون حتي في الحظر الذي لم يكن جديا أبدا.
فالجماعة االمحظورةب تقيم المآدب, ومكتب الإرشاد يجتمع والمرشد الجديد يحل محل المرشد القديم, وقد استطاع الإخوان أن يحصلوا في الانتخابات السابقة علي نحو تسعين مقعدا؟!.
النظام الساقط كان ينفذ خططهم من الباطن, وبهذا يحقق كل من الطرفين مصلحته ويكمل كل منهما صاحبه, الإخوان يخضعون للحظر, ويمكنون النظام من الظهور أمامنا وأمام العالم بمظهر القادر علي اسكاتهم ويتواطأون مع رئيس النظام علي تعديل المادة الدستورية التي كانت تحدد مدة بقائه في السلطة مقابل تعديل المادة الثانية التي تتحدث عن دين الدولة وتطبيق الشريعة, وتجعل الإخوان حكاما مع وقف التنفيذ. والنظام من ناحيته ينفذ برامجهم حتي يأتي الوقت الذي يستطيعون فيه أن ينتقلوا إلي مرحلة أخري من مراحل نشاطهم يواصلون فيها المسيرة بأنفسهم كما حدث في هذه الأيام التي يتقدمون فيها الصفوف كأنهم كانوا في النظام الساقط ضحايا, وكأنهم هم الذين ثاروا عليه وأسقطوه, وكأنما أصبح من حقهم الآن أن يحصلوا علي المقابل, والمقابل هو ركوب الثورة إلي السلطة وركوب الديمقراطية إلي الطغيان!