***
ما الحل؟
لا مفر من عمل شيء يُخرج مصر من دائرة التحجر السياسي التي تعيشها. إننا لا نعتبر الدعوة لتعديل الدستور "باطلة"، كما يقال؛ بل نذهب لأكثر من هذا فنرى ضرورة تغيير الدستور بصورة شاملة باعتبار ذلك "الخطوة صفر" اللازمة لبناء دولة حديثة والتي تسبق في أهميتها مطالب "الديموقراطية الصندوقية". وبدلا من تضييع الوقت في نفخ قربة مليئة بالثقوب، فالأفضل استبدالها بأخرى.
[ولمن يتساءل بسخرية أو يأس: "ما أهمية الدستور؟ ومنذ متى كان يعني شيئا في البلاد المتخلفة؟"، نقول أن نصوص الدساتير تكتسب احترامها من إصرار الشعوب الحرة على التمسك بها، ونضيف: حتى إن كانت النصوص لا تعني الكثير إلا أنها تمثل "سقفا" لما يمكن أن يتطلع إليه الشعب في مجال الحريات والحقوق، وإذا أمكن للواقع أن يكون أدنى مما تقول به مواد الدستور، فمن المستحيل أن يكون أفضل منها! كما نلفت الانتباه إلى الكثير من التعليقات الظلامية التي كُتبت حول "الأحداث الطائفية" الأخيرة، وكيف استندت في تبريراتها بصورة واضحة إلى مرجعية الشريعة].
إذا كان من الصعب الحلم باعتماد دستور علماني بصورة فورية؛ لماذا إذن، لكي نكون عمليين، لا تتبنى القوى السياسية اقتراح د. حازم الببلاوي (مقال 12 سبتمبر 2004 بالأهرام) بالعودة إلى دستور 1923، مع استبدال المواد "الملكية" بأخرى "جمهورية" تعيد مصر لنظام برلماني ليبرالي. (أي أننا لن نفعل أكثر من الرجوع إلى الوراء قليلا، في محاولة للتقدم كثيرا!)
وبالطبع فسيكون من الضروري عندها إجراء حد أدنى من "التحديث الدستوري" يأخذ في الاعتبار المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي ترسخت في نصف القرن الأخير. وليس من العيب أو المخجل هنا الاتعاظ باتفاق 9 يناير 2005 الذي اضطر إلى توقيعه نظامُ الحكم الغاشم في السودان، والذي ينص على مباديء عامة راقية مثل: [الالتزام باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية المنصوص عليها في العهود والمواثيق الدولية، علي أن تكون موادا حاكمة في الدستور] و [كل المباديء والمعايير المعنية بحقوق الإنسان والمضمنة في المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان تعتبر جزءا لايتجزأ من الدستور] و [ينص الدستور علي تعدد الأديان وتكريم المعتقدات والعمل علي تحقيق التعايش والتعامل السلمي والمساواة والتسامح بين الأديان والمعتقدات ويسمح بحرية الدعوة السلمية للأديان ويمنع الإكراه أو أي فعل أو إجراء يحرض علي إثارة النعرات الدينية أو الكراهية أو العنصرية] و [المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات العامة، وتأسيسا علي حق المواطنة تكفل المساواة بين المواطنين واحترام معتقداتهم وتقاليدهم وعدم التمييز بينهم بسبب الدين أو المعتقد أو العرق أو الجنس أو الثقافة أو أي سبب آخر].
***
هل من أمل؟
يندر أن يحدث عبر التاريخ أن يتنازل طاغيةٌ (فردا كان أم طائفة) عن سلطته طواعية "بالذوق" أو بدافع الإنسانية! فلا مفر إذن من استمرار الحوار والإقناع والضغط بكل الوسائل السلمية، الداخلية والخارجية، حتى يعود الحق لنصابه وحتى تفيق مصر من حالة الغيبوبة التي تغرق فيها والتي عادة ما تسبق، عند الأفراد، الموت بالسكتة الدماغية.
guindya@yahoo.com