عرض مشاركة مفردة
  #52  
قديم 28-04-2005
محمد عبد المجيد محمد عبد المجيد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 60
محمد عبد المجيد is on a distinguished road
هذه الكــــلاب المدللة وأصحابها المرفهون والعصيان المدني

إذا طلبت من مواطن مصري مقيم في الداخل أن يتخيل صورة ابن بلده في الخارج، خاصة في أوروبا أو أمريكا أو كندا، فسيقول لك على الفور بأنه يجلس على كرسي هزاز، ويداعب بيده اليسرى كــلــبــه المدلل، ويمسك بيده اليمنى ريموت كونترول يبحث به عن قنوات غير مشفرة، ثم يتحدث عن السياسة في بلده وهو جاهل بما يفرزه الشارع المصري من جديد كل يوم!
هذا المشهد أرقني كثيرا طوال الشهور الأربعة الماضية التي كتبت فيها البيانات عن العصيان المدني، وقمت بالرد على تعقيبات ورسائل كثيرة، وتعرضت لكم هائل من السخرية وأغلبها يصب في هذا المنحى.
لماذا لا تترك النرويج أيها المرفه وتأتي إلى المعمعة هنا لتقود العصيان بنفسك؟
لماذا لا تتقدم المشاركين في العصيان حاملا الراية الاسلامية وستجدهم معك، ونقيم الدولة الاسلامية من القاهرة إلى أوسلو؟
كيف لك أن تعرف ماذا يحدث في مصر وأنت في الخارج؟
هل ستأتي إلى مصر على ظهر دبابة إسرائيلية؟
لماذا لا تترك النضال لأهل النضال في الداخل وتتفرغ للبزنس؟
وعشرات غيرها من الرسائل التهكمية الغليظة التي تفصل ما بين مواطني الداخل ومواطني الخارج.
كأننا نحن، الملايين الخمسة من المصريين في الخارج، نبتة شيطانية تتعاون مع تل أبيب، وتركع لواشنطون، وتحلم بأن تعود لبلدها رافعة علم أمريكا وواضعة نجمة سداسية!
وهذا ليس صحيحا بالمرة.
عرفت في 32 عاما في أوروبا مصريين كثيرين لا يستطيعون دفع ثمن تذكرة العودة لزيارة الوطن، وأكثر من ثلث المصريين في شمال أوروبا لا يعملون، إنما يحصلون على اعانات من الضمان الاجتماعي.
نسبة العاطلين عن العمل مقارنة بعدد المصريين المغتربين تعادل تماما نسبتهم في الوطن، ونتعرض لأمراض الغربة، والعنصرية، وتأكل الضرائب ثلث المرتب، ونعيش بالقرض من البنك لتسديد قيمة السكن، وأكثر الذين يعملون هنا في الأعمال الحرة التي تدر أرباحا لا يشاهدون شمس النهار .
المصري الذي يهبط مطار القاهرة الدولي ومعه حقائب وهدايا وينفح سائق التاكسي اكرامية كبيرة، ثم يفتح الحقائب بعد الوصول ويوزع هدايا على أهله وأقاربه ومعارفه يرسم مشهدا مزيفا لنفسه ( في غالب الأحوال ) وعندما يعود إلى وطنه الثاني في الغربة تكون العطلة السنوية انتهت، ويبدأ في تسديد فواتير تقصم الظهر.
في الغربة تصقل الأفكار الوطنية، ونعيد ترتيب المشهد الوطني في النفس والعقل معا، ونتابع ما يحدث كأننا لم نغادر بلدنا ليوم أو بعض اليوم.
في القطار المتجه من القاهرة إلى الاسكندرية جلس بجانبي مهندس مصري، وتجاذبنا أطراف الحديث، وقال لي: لا شك أنك قمت بزيارة إسرائيل لأنك تحمل جواز سفر نرويجيا؟ وسألته: وأنت؟ قال إنني سافرت عدة مرات ولي اصدقاء في كل مدن هذا البلد الجميل! قلت له: أما أنا فأقاطع إسرائيل منذ مولدي إلى مماتي وتعلم مني أولادي النرويجيون ذلك، وأعتبر أن برتقالة واحدة من يافا تعادل ثمن رصاصة قد تدخل صدر ابني في يوم من الأيام. وأطرق المهندس خجلا، وتركت مقعدي والدهشة لاتزال تعلو وجهي!
أبناء وطني يمسكون سوطا من التندر والاستخفاف مزركش بمفردات الوطنية والنضال ويلهبون به ظهور مغتربيهم، معتبرين أننا، نحن الملايين الخمسة، لا نستحق شرف الحديث عن هموم الوطن وكأننا من نسل عزام عزام أو من عاشقي ايلي كوهين!
وجاءت الدعوة للعصيان المدني لتكشف مدى هشاشة الرؤية الداخلية لمواطني الغربة.ماذا لو أننا قلبنا المشهد وقلنا بأن مواطني الداخل صمتوا خوفا ورعبا لسنوات طويلة على نهب الوطن، وأنهم قبل اندلاع مظاهرات الغضب الأخيرة كانوا عونا للظلم، وأنهم مارسوا حياتهم اللامبالية في ظل أعفن أنظمة الاستبداد، وتركوا الرئيس مبارك يحكمهم بقوانين استثنائية دون أن يثوروا لربع قرن؟
ماذا لو قلنا بأن المعارضة مستأنسة، وسبعة عشر حزبا من التسعة عشر تتفاوض مع السلطة الاستبدادية من وراء الظهر، وأن بعض الجماعات تبيع الأخرى في سوق المزايدة النضالية؟
ماذا لو قلنا بأننا نحن الملايين الخمسة تركنا الوطن الطيب وفيه جزء لا بأس به من الزمن الجميل، فقام مواطنو الداخل بترك سيد القصر يجعل منه زمنا أغبر وقاتما وكئيبا؟
هل يملك مواطنو الداخل مقياسا للوطنية وآخر للخيانة لقياس النسبة المئوية لدى مواطني الخارج؟
هل الوطن ملكية خاصة يتخلى عنها من يتركه مرغما لأي ظروف ويعيش أوجاعه وهمومه وعذاباته مغتربا، ويكون سفيرا لبلده في كل لقاء مع أبناء الوطن الثاني، ويتابع بكل جوانحه ودموعه اغتيال وطن الذي يقوم به الرئيس حسني مبارك، ثم يشارك عن بُعْدٍ أبناءَ أم الدنيا فيأتيه الرد: فلتبق مكانك لأننا قادرون على التعامل مع النظام، ونحن نتصدر حركة النضال وأنتم مرفهون تدللون كـلابـكــم وتريدون تحريكنا بالريموت كونترول؟
معادلة غير عادلة، ورؤية استعلائية فوقية تمسك ظلما وجهلا صكوك الوطنية لتوزيعها على المغتربين، ونحن هنا امتداد ولسنا انقطاعا.
أما الدعوة للعصيان المدني في الشهور الأربعة الماضية فكان طبيعيا أن تنطلق من الخارج لتؤكد للرئيس مبارك وزمرته أن أبناء مصر لا ينفصلون عن عشقهم وحبهم الأول والأخير .. تراب الوطن، وأنه إن ألَمّ بمواطني الداخل سوء فمواطنو الخارج قادرون على التحرك، وفضح سوءات النظام، والدفاع في المحافل الدولية ولجان حقوق الانسان عن مواطني بلدهم.
لكن مواطني الداخل اعتبروها تدخلا في شؤون الغير، وأن نصيبنا في حب مصر سقط منا على مدرج المطار في طريق المغادرة، ولن نأخذه معنا عندما ينزلق نعش لمغترب مصري تحت أرض باردة بعيدا وفي حضور عدة أفراد، ثم ينفض المعزون، وتنتهي حياة المغترب أقل شأنا من حياة الكــلــب المدلل.
المزايدة الدينية تحجز مكانا خاصا لأتباعها في الجنة وترفض حضور الآخرين حتى لو كانت مؤمنة بأن الله غفور رحيم، والمزايدة الوطنية في الداخل تسخر من مشاركات المصريين في الخارج، وتعتبرهم مارقين في دول أخرى يبحثون عن المال والمتعة والرفاهية.
فليتوقف فورا التعبير الجلف عن هذه المشاعر الفجة التي ترى مواطني الخارج أقل معرفة وَهَمّاً وكمَدا ووجعا ووطنية، فنحن لم نفرط في الوطن بهجرتنا، لكن ملايين في الداخل فرطوا فيه بالصمت تارة وبالتحالف الضمني أو الصريح مع الطاغية تارة أخرى.
إن فتح الملفات سيكسب فيه النظامُ كثيرا، وستكون خسائر مواطني الداخل أكثر واشد إيلاما من خسائر مواطني الغربة والمهجر المرفهين والمدللين.
أيها الاخوة،
لماذا لم تنظروا للدعوة للعصيان المدني على أنها منكم أيضا ولكن اخوتكم ومواطني بلدكم المغتربين أطلقوها من الخارج؟
وموعدنا في الثاني من مايو بإذن الله


محمد عبد المجيد
رئيس تحرير طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
http://www.tearalshmal1984.com
Taeralshmal@gawab.com
Taeralshmal@hotmail.com
Fax: 0047+ 22492563
أوسلو النرويج
الرد مع إقتباس