عرض مشاركة مفردة
  #60  
قديم 07-05-2005
محمد عبد المجيد محمد عبد المجيد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 60
محمد عبد المجيد is on a distinguished road
قراءة في أسباب فشل العصيان المدني


قراءة في أسباب فشل العصيان المدني

إذا كنت أستطيع أن أجمع رسائل وردود وتعقيبات مفعمة بالسخرية والاستخفاف والتندر بين دفتي مجلد ضخم بجزئين، فإن بإمكاني أن أجمع ضعفه من رسائل المحبة والتشجيع والتأييد للعصيان المدني الذي حقق فشلا، لكن من ثنايا هذا الفشل تم اقحام ثقافة العصيان المدني في نبرة المعارضة حتى لو أنكر الجميع ذرة تأثير واحدة، واستخرجوا عنوة من مقال هنا أو كلمات هناك أو دعوة على استحياء التأثير الكلي بدون منازع.
عندما تسقط العربة يتبرع الكثيرون ليدلوك على الطريق الذي لم يكن ينبغي لك أن تسلكه!
ألم نقل لك منذ منتصف ديسمبر الماضي بأن عصيانكم المدني هو ولادة ميتة من رحم عقيم؟
قبل أن أدلف إلى أسباب الفشل يجب أن أعترف بأن اليأس كلمة لا تستطيع أن تجد ثغرة واحدة في نفسي تنفذ منها، ولو قيل لي بأن العالم كله ضدي فسأرد بأنني أيضا ضد العالم.
هكذا هي حياتي، وتشهد عليها عشرات الحوادث الصغيرة والكبيرة، وعندما قيل لي بأن لا أحد سيقوم بزيارة معرض الكتاب العربي بأوسلو في مايو 1982 لأنني أنظمه بمفردي ازداد اصراري ونجح المعرض نجاحا رائعا.
وعندما قيل بأن افتتاح مكتبة عالمية كمركز اعلامي في العاصمة النرويجية في نوفمبر 1983 هو عمل جنوني، زادني اصرارا، واستقبلته الصحافة والتلفزيون استقبالا جيدا. وفي يونيو عام 1984 اصدرت بمفردي أول عدد من مجلة طائر الشمال وسط ضحكات وقهقهات من هذا العمل الجنوني لمجلة يكتبها ويصححها ويوزعها في العالم كله شخص واحد، وها هي تدخل عامها الواحد والعشرين بفضل الله.
واستمعت لنفس الضحكات عندما قررت مع صديق بث ارسال بث إذاعة عربية من أوسلو في يونيو عام 1987، وسببت الاذاعة صداعا للسفارة الاسرائيلية لثلاث سنوات ونصف.
معذرة فأنا أكتب هذا الكلام شبه النرجسي محاولا ايصال رسالة لكل من يهمه الأمر بأنني لم أترجل بعد، ومن دَرْس فشل العصيان المدني تتخمر في ذهني فكرة تتولد عنها أفكار أخرى تمهيدا لعمل لاحق بإذن الله، والضربة التي لا تقصم الظهر تقويه وتشد عضلاته.
لم تتوقع قوى المعارضة في مصر أن تأتي الدعوة للعصيان المدني من الخارج، فالنضال كما يتوهم الكثيرون يخرج من قلب الشارع المصري حاملا نبضاته وأحلامه وأمانيه، ولم تستوعب رموز النضال المصري أن مواطني الخارج يشاهدون الوطن بعيون جديدة لا تتأثر بالعادة التي تجعل كل شيء يبدو معقولا، كما يقول المؤرخ ويل ديورانت،وأن خمسة ملايين مصري تختلط هموم الوطن لديهم بأوجاع الغربة وأحزان الداخل وأسباب الخروج وأحلام العودة ومسببات منعها، ويرون ما لا يراه مواطنو الداخل.
وفي مشاعر غير مبررة من الفوقية والاستعلاء سَنّتْ ألسنةٌ كثيرة وأقلام عديدة أطرافَها لتذبح مواطني الخارج بحجة الجهل بشؤون الداخل وأن المعاناة والحياة الموتية اليومية التي يستنجد فيها المصري بصبره واحتماله هي القادرة على توليد التغيير، فتَمّتْ صناعةُ وطنين، الأول اعتاد عليه مواطنو الداخل، والثاني يخترق نسيج مواطني الخارج.
لذا وضع الكثيرون علامة استفهام على مصداقية مواطني الخارج وكأننا نجس مصري تم التخلص منه ليتفرغ مواطنو الداخل لصناعة الزمن الجميل، فكانت الكارثة الكبرى الممثلة بربع قرن من الاستبداد، وصمت القبور على الفساد، وتبريرات تهتز لها السماوات السبع تجعل سيد القصر يُخرج لسانه لسبعين مليونا، وتفشت الأمية والأمراض الوبائية والبلهارسيا وزاد سكان المقابر، والتهم الغلاء أحلام الغلابة، ومنح الرئيس كلمة السر في مغارة علي بابا لأربعين حرامي، وعبث الرجل لأول مرة منذ خمسة آلاف عام هي عمر أسياد القصر الفراعنة بالنفس المصرية، فصنع مشهدا لم نألفه من قبل، وقتل روح الحرية والابداع والجمال والعقل والتمرد والعصيان والثورة، واستبدل به حيطا يمشي بجواره المصري خشية أن تصفعه على قفاه كف غليظة لمخبر جلف أو ضابط شرطة سيتلقى مكافأة من السيد الرئيس كلما أمعن في ساديته لامتهان كرامة المواطن.
كل قوى المعارضة المصرية التي لا تلتقي على شيء اجتمعت على رفض العصيان المدني في 2 مايو 2005 مبررة ذلك بأنها أقدر على قياس نبضات الشارع المصري من هؤلاء الجلبيين والعلاويين المرفهين في الخارج، وأنها ترفض أن يفرض عليها أحد توقيتا للعصيان فأرتمت ثلثا أحزاب المعارضة في أحضان الرئيس تستجديه أن يمنحها انتصارا هزيلا حتى تظل محتفظة بلقب معارضة.
لم أفقد الأمل فقد كان معي شباب يؤمنون ايمانا صارخا بأهمية العصيان المدني، ويستعجلون يوم تحرير مصر حتى أن أحدهم اصطحب والده المناضل واعتذر لوالدته التي أصرت على الحضور وظل طوال الليل يحلم بمشهد الرئيس حسني مبارك وهو يجلس خلف قفص الاتهام في محكمة نزيهة عادلة.
وآخر أقام ليلة ما قبل الثاني في أحد الفنادق القريبة من ميدان رمسيس متعجلا يوم بدء العصيان.
وثالث لم يستطع أن يجمع أكثر من ثلاثين شخصا في مدنية بنها، لكنه كما أراه كان أكبر من قيادات كبيرة تعارض نهارا وتبعث باشارات اعتذار للنظام قبل ضحى اليوم التالي.
اتصلت، وعرضت على كل القوى المعارضة تقريبا تبني العصيان المدني حتى دون ذكر اسمي، لكن الرفض كان قاطعا فمعارضو الداخل يظنون أننا في الغربة نتحدث بلسان البيت الأبيض ونركع أمام صرامة كوندي الحديدية على الرغم من أن معظم القيادات الداخلية في المعارضة ارتشفت الشاي مع السفير الأمريكي في القاهرة.
وعرضت على الدكتور أيمن نور شخصيا الاعتذار عن ترشحه لانتخابات الرئاسة التي ستحمل الرجل المريض للمرة الخامسة فوق رؤوسنا ولكن بشرعية دستورية وشعبية في انتخابات ظاهرها الحرية، على أن يتولى العصيان المدني، وأعتذر الرجل فالرئيس قادر هذه المرة على وضع لائحة باتهامات مزيفة تلقي بالنائب السابق في مجلس الشعب وراء الشمس.
وقبيل السادس والعشرين من ابريل كان الأمل معقودا على استضافتي للحديث عن العصيان المدني في حلقة خاصة من ( الاتجاه المعاكس )، وفعلا قام الدكتور فيصل القاسم باعداد الحلقة وقرأ المقدمة وعرض الأمر على إدارة ( الجزيرة ) فجاءت الأوامر من أكبر الكبار بالغاء أو تأجيل هذه الحلقة، في الوقت الذي رفضت أربع فضائيات أخرى حديثي عن العصيان المدني.

آخر تعديل بواسطة محمد عبد المجيد ، 07-05-2005 الساعة 06:53 AM
الرد مع إقتباس