الموضوع: كارامازوف
عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 26-10-2005
الصورة الرمزية لـ amoni
amoni amoni غير متصل
Gold User
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: في قلب مسيحي
المشاركات: 1,626
amoni is on a distinguished road
وأضاف العجوز يقول وهو يرسم على شفتيه ابتسامة مفكرة على حين فجأة : ولقد رأيتهم بعينيك ، هؤلاء البشر الأحرار .. إن هذه الحرية هي من صنعنا ، وقد كلفتنا جهوداً لا نهاية لها
كذلك أضاف العجوز وهو يلقي على السجين نظرة قاسية : ولكننا أتممنا عملنا أخيراً باسمك . لقد اضطررنا خلال خمسة عشر قرناً أن نشقى بهذه الحرية ، ولكن الأمر انتهى الآن . انتهى تماماً . ألا تظن أنه انتهى إلى الأبد ؟
إنك تنظر إلي بوداعة ، فلا شك أنك تقدر أنك إن أظهرت استياءك كنت تشرفني تشريفاً لا أستحقه!!
ألا فاعلم إذن أن البشر هم في هذا اليوم بعينه أشد اقتناعاً منهم في أي وقت مضى بحريتهم الكاملة ، ومع ذلك فالواقع أنهم تنازلوا عنها ووضعوها عند أقدامنا بكثير من الطاعة . ذلك هو عملنا . أهذه هي الحرية التي كنت تنشدها لهم ؟!!!
ذلك أننا الآن ، للمرة الأولى ، نستطيع أن نحلم للإنسانية بالسعادة (طبعاً باسم محاكم التفتيش) . إن الإنسان محمول بطبيعته على العصيان والتمرد . ولكن هل يستطيع المتمردون أن يكونوا سعداء ؟
لقد نـُبهت إلى هذا ولم تعوزك النصائح والتحذيرات ، ولكنك لم تشأ أن تحسب حسابها ، ونبذت الطريق الوحيدة التي كان يمكن أن تقود البشر إلى السعادة . ومن حسن الحظ أنك حين بارحت هذه الأرض عهدت إلينا بمهمة إتمام رسالتك . بذلت لنا وعدك ، وأقمت سلطتنا على كلمتك ، ووهبت لنا حق العقد والحل ، ولن تستطيع طبعاً أن تنتزع منا هذا الحق بعد الآن . فلماذا جئت تعرقل عملنا في هذا اليوم ؟
إن الروح الرهيب الذكي ، روح الدمار والعدم ، قد خاطبك في الصحراء ؛ وتروي الكتب المقدسة أنه "كان يغويك" أليس كذلك ؟
هل نستطيع في الواقع أن نتخيل حقائق أكبر من الحقائق التي عرضها لك في أسئلته الثلاثة ؟ لقد رفضت أنت تلك الحقائق آنئذ ، والكتب المقدسة تصفها بأنها "غوايات".
ومع ذلك ، لئن وجدت على هذه الأرض في يوم من الأيام معجزة كبرى ، معجزة صادقة ، فإن تلك المعجزة إنما تحققت في ذلك اليوم بعينه ، في يوم تلك الغوايات الثلاثة . لقد كانت تلك الأسئلة معجزة من المعجزات لمجرد أنها ألقيت !!
لنتصور ، على سبيل الافتراض وحده ، أن الأسئلة الثلاثة التي ألقاها الروح الرهيب قد تبددت دون أن تترك أثراً في الكتب المقدسة ، وأن علينا أن نعثر عليها اليوم وأن نعيد بناءها وأن نكتشفها من جديد حتى نضمها إلى النصوص المقدسة .
لنتصور أننا جمعنا لتحقيق هذا الهدف جميع حكماء الأرض .. رؤساء الدول وأمراء الكنيسة والعلماء والفلاسفة والشعراء .. وقلنا لهم : أوجدوا لنا ، تخيلوا لنا ثلاثة أسئلة لا تكون على مستوى الحدث فحسب ، بل تلخص بالإضافة إلى ذلك ، كل مستقبل العالم والإنسانية
فهل تظن أن كل حكمة الأرض المجتمعة في هؤلاء الرجال تقدر على أن تتصور شيئاً يشبه بقوته وعمقه ، تلك الأسئلة الثلاثة التي ألقاها عليك في الصحراء ذلك الروح القوي الذكي ؟
إن تلك الأسئلة الثلاثة وتلك الحادثة المعجزة ، أعني كون الأسئلة ألقيت ، تشهد بأن الأمر لم يكن أمر عقل إنساني عادي ، بل أمر فكر خالد مطلق
ذلك أنها تضم في ذاتها ، تشتمل في ذاتها على كل التاريخ المقبل للإنسانية ، وتقدم رموزاً ثلاثة تتركز فيها جميع تناقضات الطبيعة الإنسانية ، التي لا سبيل إلى حلها.
إن تلك الحقائق لم تكن ظاهرة آنئذ ظهوراً واضحاً ، لأن التطور الذي تطوره العالم بعدئذ لم يكن معروفاً ، أما الآن بعد انقضاء خمسة عشر قرناً، فإننا نرى أن كل شيء تضمنته في تلك الأسئلة قد حُزر وتـُنبيء به وتأكدت صحته إلى درجة لا نستطيع معها أن نضيف إليها شيئاً أو أن نحذف منها شيئاً بعد اليوم .
__________________
From all the things i have lost i miss my mind the most
http://www.youtube.com/watch?v=pMePM...layer_embedded
الرد مع إقتباس