استحقاقات تطهير الذاكرة
بقلم : فهمـي هـويـــدي
لابد لنا في هذا الصدد ان نعترف بان فضيلة الاعتذار للآخر من القيم النبيلة التي استقرت في المجتمعات المتحضرة, فقد استلفت نظري مثلا ما نشرته صحيفة الحياة اللندنية في2005/9/20 من ان الكنيسة الانجليكانية عرضت ان يشارك القادة المسيحيون الغربيون في التعبير عن الندم والاعتذار للمسلمين نيابة عن الحكومة البريطانية بسبب مشاركة الغرب في احتلال العراق.
وكانت الكنيسة الانجليكانية قد اعتذرت لليابان عما فعله الغرب بها ابان الحرب العالمية الثانية, كما اعتذرت عن تأييدها للحكم العنصري في جنوب افريقيا, وتزامن ذلك مع اعتذار الكنيسة الكاثوليكية ممثلة في بابا الفاتيكان لليونانيين الارثوذكس عما فعلته بهم الجيوش الصليبية قبل نحو عشرة قرون كما اننا تابعنا اعتذارات اخري من اليابان للكوريين والفلبينيين ومن الفاتيكان والحكومة الاسبانية لليهود.
علي الاقل فقد كان ذلك هو اقتناعي حين وقعت احداث الكشح في صعيد مصر, وبدا لي آنذاك ان خطأ المسلمين اكبر فكتبت مقالة نشرت في2000/1/11 تحت عنوان اعتذار الي كل قبطي اردت به انذاك ان أبعث برسالة تغسل الخطأ وتكسر حاجز المكابرة والتحزب وفيما بلغني فانها احدثت ارتياحا عبر عنه سيل الخطابات التي تلقيتها وقتذاك من المسلمين والمسيحيين, كما انها علقت في العديد من الكنائس والمساجد.
لقد اكبرت ما كتبه قبل ايام الاستاذ يوسف سيدهم رئيس تحرير جريدة وطني( في10/23) تحت عنوان اعتذار لكل مسلم وقال ما خلاصته انه ايا كانت الملاحظات( علي مسرحية الفتنة بالاسكندرية) فانه يعتذر بصفته الشخصية لكل مسلم ومسلمة عن اي جراح تكون قد لحقت بمشاعرهم من جراء ما حدث احترمت ايضا التصريحات التي ادلي بها الانبا موسي اسقف الشباب واحد القيادات الاصلاحية البارزة في الكنيسة القبطية وادان فيها مضمون المسرحية ووصفها في حوارين اجرتهما صحيفتا وطني(10/30) وآفاق عربية(11/2) بانها كانت عملا خاطئا اتسم بالرعونة والحماقة قدرت كذلك مضمون البيان الذي كتبه الباحث سمير مرقص وتبناه التجمع الوطني من اجل التغيير كما وقع عليه في10/22 بعض المثقفين واكد فيه الرفض التام لما جاء في العمل الفني الذي اشعل احداث الاسكندرية.
في مسألة الاضطهاد ينبغي ان نفرق بين موقف السلطة والقانون وبين سلوك المجتمع وتحيزات السلطة والقانون فارقة في هذا الصدد بمعني انها هي التي تحسم ما إذا كان هناك اضطهاد ام لا.
واذا استخدمنا هذا المعيار, ولاحظنا اشتباك السلطة اضطهاد الاقباط في مصر ليست سوي اكذوبة يروج لها بعض المتعصبين والانتهازيين والمشبوهين لدوافع لا علاقة لها بالموضوعية فضلا عن البراءة, ولايصح في هذا الصدد الاستدلال بمواقف اطراف محسوبة علي السلطة لاثبات دعوي الاضطهاد وهو ما لمسناه مثلا في ترشيحات الحزب الوطني للانتخابات التشريعية( قبطيان اثنان فقط من بين440 مرشحا) ذلك ان موقفا من هذا القبيل يفسر بحسبانه تعبيرا عن سوء التقدير الناشئ عن الحسابات المغلوطة, علما بأن الامر ليس مقصورا علي الاقباط وحدهم لان الخطأ ذاته تكرر مع المرأة حيث لم يرشح الحزب سوي ست نساء فقط ولا احد يستطيع ان يدعي بان ذلك من آيات اضطهاد المرأة التي باتت تحتل مكانة مهمة في خريطة المجتمع للاسباب المعروفة.
لي تحفظ علي المصطلح ـ وليس علي المبدأ ـ أثبته قبل اكثر من عشرين عاما في كتابي مواطنون لاذميون الذي صدرت اولي طبعاته سنة1985 وفيها قلت ما يلي: ان حقوق الانسان وحرياته الاساسية والمساواة بين البشر جميعا مقررة في الاسلام علي اساس العقيدة وهي ليست من مسائل الاجتهاد والنظر إلا في حدود التفاصيل والتطبيقات وممارسة الآخرين لحقوقهم وحرياتهم ينبغي ألا تتم في اطار العطف او الاحسان لانهم لم يكتسبوا تلك الحقوق انطلاقا من مودة المسلمين ومشاعرهم الخيرة, وانما اكتسبوها بمقتضي ما هو مقرر وثابت لهم شرعا واذا حدث اهدار لتلك الحقوق فانه لايصيب الآخرين وحدهم بظلم لان الأسوأ من ذلك انه يمثل عدوانا علي حقوق الله وشريعته.
اضيف الي ذلك ان فكرة التسامح نشأت اصلا كحل للصراع الدامي بين الكاثوليك والبروتستانت وقد تحدث المستشرف المعروف برنارد لويس عن هذا الموضوع في ندوة رعتها الخارجية البريطانية والمجلس الاوروبي حيث ذكر ان فكرة التسامح ظهرت علي اثر الحروب الدينية في اوروبا التي راح ضحيتها آلاف الكاثوليك والبروتستانت, واشار الي ان هذه مشكلة لم تنشأ في البلاد الاسلامية لان الناس المنتسبين لاديان مختلفة في تلك البلاد وجدوا انهم يستطيعون ان يعيشوا فيها في ظل الصداقة والأخوة وبدون صراع او نزاع.
آخر تعديل بواسطة Room* ، 08-11-2005 الساعة 08:30 AM
|