فهي من جهة أفصحت عن احتفالات حادة داخل بنية الجماعة المسيحية ذاتها، والتى تتكون من80 طائفة، بحسب موسوعة النصاري والنصرانية والتنصير في مصر، إذ أعتبر بعض القساوسة الفيلم حملة تشهير من طائف مسيحية "تمثل الأقلية داخل الجماعة المسيحية" ضد طائفة أخري تمثل التيار الأساسي القبطي في مصر، إذ لفت القساوسة إلى أن المنتج والمخرج قبطيان، ولكنهما من الأقباط الإنجليين في حين أن غالبية الأقباط المصريين من طائفة الأرثوذكس، فيما أظهرت الاعتراضات وبطرف خفي، اتهامات التكفير المتبادلة بين الطوائف المسيحية المختلفة، عندما أشار القساوسة المحتجون إلى أن الفيلم يروى قصة زواج بين رجل أرثوذكسي "الزوج المتزمت في الفيلم "، وإمرأة بروتستانية "الزوجة المتحررة في الفيلم" وهو زواج لا تجيزه الكنيسة للاختلاف بين الطائفتين عقديا. فيما اعتبر في الوقت ذاته، استخداما رمزيا، للدلالة على "الانغلاق الأرثوذكسي" مقابل "الانفتاح البروتستانتي". ومن جهة أخري أعاد الفيلم الجدال الطائفي لبعض القيادات الدينية المسيحية ضد الأكثيربة المسلمة، إذا طالب عدد من قيادات الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بـ "العدل" و "المساواة" في شرح عقيدة المسلمين والمسيحيين في الأفلام المصرية بحيث يتم إظهار التطرف الإسلامي داخل الأسرة المسلمة كما هو الحال داخل الأسرة المسيحية، رغم أن التطرف بين بعض المسلمين عالجته بالفعل عشرات الأفلام والمسلسلات المصرية وبصورة أكثر نقدا. وقال الأنبا "بسنتي" أسقف حلوان والمعصرة لمجلة "المصور" المصرية يوم 11 يونيو 2004 : إنه لا مانع من تقديم الشخصية المسيحية في السينما المصرية " ما دام الناتج النهائي للشخصية ليس منحازا ضد الأقباط أو يلحق بهم ظلما وتشويها". من جانبه قال الأنبا يوحنا قلته نائب بطريرك الأقباط : إنه يجب أن تكون حرية التعبير بالفن "مشمولة بالعدل والمساواة.. فإذا كان هناك عمل فني يصور أسرة مسيحية متطرفة فن المهم أن نظهر التطرف في الجانب المسلم أيضا".
غير أن ما أثار غضب الكنيسة أكثر،ـ هو أن الفيلم كسر طوق الاحتكار الذي تمارسه الكنيسة سرا وعلانية على مجمل النشاط القبطي في مصر، في إطار التساهل الرسمي إزاء رغبتها في التحول إلى قوة موازية لقوة الدولة، خاصة فيما يتعلق بإدارة شؤون الأقباط، حيث كشف الجدل المحتدم حول الفيلم، ما لم يكن يعلمه الرأى العام المصري قبل هذه الضجة، حيث أشارت إحصائية مصرية نشرتها مجلة "المصور" في عددها الصادر 28 مايو 20047 إلى أن عدد الأفلام المسيحية التى تنتجها الكنائس وتعرض داخلها أو على القنوات المسيحية الفضائية بين أقباط المهجر ولا تعرض على الجمهور العادي في مصر بلغ 175 فيلما خلال الـ 17 عاما الماضية بواقع 10 أفلام سنويا تقريبا، وهو عدد يفوق الأفلام التى تنتجها استوديوهات السينما المصرية تقل كثيرا عن عشرة أفلام. وأن هذه الأفلام ذات طابع " تبشيري" تسوق عبر الكنائس والقنوات الفضائية التبشرية المسيحية مصل "سات –7 "والحياة" و"ميريكال" أو المعجزة، وكلها تدور ول قصص الأنبياء والقديسين وتظهر المجتمع المسيحي كمجتمع ملائكي معصوم من الزلات والخطأ.
ولعل المفاجأة التى كانت لا تلفت أنتباه أحد قبل ذلك، هى أن الكنائس المصرية تقوم بتنظيم مهرجانات للفيلم المصري تحت أسماء مسيحية مثل "مهرجان المركز الكاثوليكي" ومهرجان "الأفلام المسيحية الأرثوذكسية" الذي نظمته مؤخرا جمعية "نداء الأجراس" وعرض فيه 19 فيلما قبطياً وبعضها – مثل المركز الكاثوليكي – يضاهي مهرجانات الأفلام المختلفة ويقدم جوائز لأفضل الأفلام وأفضل الممثلين.
(مـعـارك قـضـائـيـة)
وخلال عرض الفيلم توجه 40 من رجال الدين الأقباط ورجال القانون المسيحيين والمسلمين في أول يونيو 2004 إلى النائب العام المصري وسلموه مذكرتين تطالبان بوقف عرض فيلم "بحب السيما" للمخرج أسامة فوزى لأنهم يعتبرونه مسيئاً للأقباط.
وقال راعي الكنيسة المعلقة في القاهرة القمص مرقص عزيز انه قدم مع 14 كاهنا وقسيسا مسيحيا مذكرة لرفع دعوة مستعجلة بوقف عرض فيلم "بحب السيما"
ومشيراً إلى المذكرة تضمنت 15 بنداً تدور حول الازدراء بالعقيدة المسيحية وإهانة المقدسات وخاصة بيت الله ودور العبادة استنادا إلى المشاهدة التى تضمنها الفيلم.
وأضاف ومن أبرز هذه المشاهد التى تضمنها الفيلم هى عبارات على لسان بطلة الفيلم (ليلى علوى) تتضمن سخرية واستهجانا لتعاليم الدين المسيحي فيما يتعلق بالصوم، وربط الفيلم بين الصوم وبين الانحلال الخلقي إذ جعله نظاما متزمتا ومقيتا يؤدى بالزوجة إلى الخيانة الزوجية وذلك في أشارة إلى مشهد تشكو فيه بطلة الفيلم من امتناع زوجها عن معاشرتها بسبب التزامه بالصوم وذلك لتبرير خيانتها لزوجها بعد ذلك.
وقال أن الفيلم تضمن كذلك أساءة للسيد المسيح "حسب قوله" إذ يظهر فيه طفل واقفا أمام صورة للمسيح ويخاطبة بالعامية المصرية محتجا على أرادته قائلا "أنت ما عندكش غير جنة ونار" كما يتضمن الفيلم إساءة وتحقيرا للكنيسة كمكان للعبادة من خلال مشاهد في الفيلم تدور داخل الكنيسة من بينها مشهد شاب وفتاة يتبادلان القبلات ومشهد أخر لطفل يتبول من برج الكنيسة على الجالسين فيها ومشاهدة مشاجرتان داخل الكنيسة (وقد قام راعى الكنيسة المعلقة برفع دعوى بناء على تلك المذكرة ولكنها رفضت بعد ذلك).
وقال المستشار نجيب جبرائيل و 25 من زملائه من رجال القانون والمسيحيين والمسلمين تقدموا بمذكرة قانونية للنائب العام حملت مخالفة الفيلم لمواد في الدستور المصري ومادة في قانون العقوبات تتطرق إلى حرية العقيدة وعدم الازدراء بالأديان إلى جانب تحميل الفيلم مسئولية العمل على وضع شرخ بين المسلمين والمسيحيين.
وأكد النائب العام وافق على المذكرة وقام بانتداب أحد المستشارين للتحقيق في الموضوع وأشار إلى أن المشاركين في رفع الدعوى طالبوا بتقديم المنتج والمخرج وكاتب السيناريو والممثلين إلى المحكمة الجنائية على أساس أزدراء الدين المسيحي وبإعتبار أن ما تم ضد الأخلاق وضد النسيج الوطني في مصر ومخالف للدستور.
وقال راعي كنيسة العذراء في القاهرة أب أنطونيوس إن الفيلم يمثل تعديا على العقيدة الأرثوذكسية لعرضه حالة زواج أرثوذكسية من بروستانتية رغم أنه شيء مرفوض.
وأكد المحامون ورجال الدين أنهم يقيمون هذه الدعوى بمبادرة شخصية منهم وليس باسم الكنيسة القبطية الارثوذكسية التي لم يصدر عنها أى تعليق رسمى على الفيلم رغم أنه أثار استياء ملحوظا في أوساط الأقباط المصريين الذين اعتبروا أنه يقدم صورة مشوهه لهم. وقال المخرج اسامة فوزى تعليقا على رفع الدعوى أن الدعوى القضائية التى تطالب بوقف عرض الفيلم بحجة أساءته الى الأقباط، تعتمد على رؤيا منقوصة وأن الفيلم لا يتطرق إلى الطائفة القبطية بل يعالج حالة شخصية متزمتة.
وقال "أنا لم أصنع فيلما دعائيا مع الأقباط أو ضد الأقباط إنما اتطرق إلى حالة إنسانية نستطيع أن نجد مثلها فى أى ديانة، في الإسلام أو الهندوسية أشار مخرج الفيلم أن عرض "بحب السيما" هو مرادف لـ "بحب الحرية".
وقال الناقد السينمائي طارق الشناوى ان تناول موضوع التعايش بين عائلات مسلمية وأخري قبطية تأخر كثيرا على مستوى الدرامة وحتى الأدب.
وقد رفضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة الدعوى التى رفعها من المحامى نجيب جبرائيل وعدد من القساوسة لوقف عرض "بحب السيما" مشيرة إلى أنها غير مختصة بهذا النوع من الدعاوى.
وقد أبدت محكمة القضاء الإداري بعد ذلك في حكم شبه نهائي منع عرض الفيلم وان كان لم يعرض في نهاية 2004.
وجاء في حيثيات حكم محكمة الأمور المستعجلة... كما قال القاضي نادر عليوه الذي رأس جلسة النطق بالحكم "إن اختصاصات القضاء المستعجل لا تمتد لتشمل التعمق في أخذ الحق وإن ما ساقه مقيمو الدعوى يتمثل في إنطباعات شخصية من مشاهدين من دون ان تكون هناك عبارات مباشرة تفيد بإذدراء الديانة المسيحية.
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
|