عرض مشاركة مفردة
  #14  
قديم 12-11-2005
الصورة الرمزية لـ makakola
makakola makakola غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 6,270
makakola is on a distinguished road

ومن قوة هذا الإيزاء لمنع الحوار حول المسألة القبطية فقد وصلت العدوى لقطاعات كبيرة في المجتمع ذاته. فنرى صحفيين وشخصيات، كان واجبها أن تقود الحوار، تزايد على الخطاب الرسمي في تجاهل هموم الأقباط، أو في إنكار وجودها تماماً. كما تزايد في اتهام من يحاول أن يتصدى لهذا الأمر بأساليب علمية عقلانية. ولعلّنا نذكر الزوبعة التي آثارها بعض هؤلاء بمناسبة تصدي مركز ابن خلدون لهذه المشكلة بتنظيمه مؤتمراً فكرياً علمياُ لدراستها عام 1994 والتي قادها في حينه الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في مقال له نُشر بالأهرام بتاريخ الجمعة 22/4/1994 تحت عنوان "أقباط مصر ليسوا أقلية وإنما جزء من الكتلة الحضارية الإنسانية للشعب المصري". وفيه نفى نفياً مطلقاً أن للأقباط أي مشكلات بل أن الحديث عن موضوع الأقليات حديث مشبوه، وادعى أن من يحركة مصادر خارجية رصدت لهذا الأمر مائة مليون دولار. طبعاً لم يقدم الأستاذ هيكل دليلاً على ما ادعاه ولكن لأنه يمثل أحد القمم الصحفية منذ عهد عبد الناصر، فقد تبعه عشرات الكتّاب سواء كانوا مرموقين أو يريدوا أن يكونوا مرموقين بإنكار وجود مشكلة للأقليات في العالم العربي.

والطريف في الأمر أن الاستاذ هيكل نفسه بعد عشر سنوات منذ زوبعة الأقليات التي أثارها اعترف في حديث له على قناة الجزيرة القطرية اعترافاً صريحاً مطولاً بأن أكبر مشكلة تواجه مصر والعالم العربي في القرن الحادي والعشرين هي مشكلة الأقليات وأكبر تحدي يواجه مصر والعرب هي مشكلة الأقليات ورغم إقراره بوجود المشكلة إلا أن آخرين ممن اتبعوه قبل ذلك ما زالوا ينكرون وجود المشكلة وكانت التجليات الدرامية لهذا الإنكار في بداية شهر ديسمبر 2004 بمناسبة واقعة السيدة وفاء قسطنطين ومنهم الاستاذ عادل حمودة والاستاذ فهمي هويدي طوال أسابيع الأزمة كما فعل ذلك أحد باحثين مركز الدراسات الاجتماعية والجنائية وهو الدكتور البيومي غانم "المصري اليوم 29/12/2004" فهؤلاء جميعاً يتهمون من يتحدث عن هموم الأقباط بإشعل البيت ناراً، وهكذا تتآمر الدولة مع عدد كبير من المثقفين في تجاهل وإنكار المشكلة القبطية. ولكن ما هي المشكلة القبطية؟

تتلخص المشكلة القبطية في الهوة السحيقة بين ما ينص الدستور من ناحية وما تمارسة السلطات المصرية من ناحية أخرى. فالدستور ينص على المساواة في حقوق المواطنة "المادة 40" دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو الأصل، ولكن في التطبيق هناك صور شتى للتمييز والتفرقة ولعل أهمها وأبرزها ما يتعلق بإنشاء دور العبادة وهو الأمر الذي تعرّض له تقرير العطيفي قبل 32 عاماً ولا حياة لمن تنادي. فما زال بناء كنيسة أو حتى ترميمها يحتاج إلى قرار جمهوري وهو الأمر الذي لا يحتاجه أي مسلم كي يشيّد مسجداً أو زاوية مصلية في أي مكان. ناهيك عن التمثيل الهزيل للأقباط في المجالس المنتخبة محلية كانت أو قومية، أو في التعيينات السيادية والمناصب العليا القيادية حيث لا يوجد محافظ واحد أو رئيس جامعة واحد من الأخوة الأقباط. وقد فصّل الأستاذ يوسف سيدهم هذه وغيرها من الأمور في السلسلة التي يكتبها بصحيفة وطني "الأمور المسكوت عنها" والتي وصلت إلى المائة مقال. ولكن الجزء الآخر من المشكلة هو أن استمرار هذا الإنكار قد دفع الأقباط دفعاً إلى الاعتصام بحبل كنيستهم. فأصبحت الكنيسة وطناً لهم بعدما شعروا بأن وطنهم الطبيعي يضيق بهم وبمشكلاتهم ولا يفسح هامشاً حتى لمناقشة هذه المشكلات أو الاستجابة لمطالبهم. والملاحظ أن الاعتصام واللجوء للكنيسة هو تقليد قبطي قديم منذ عصر الشهداء فقد كان الأقباط يلجأون إلى صوامعهم بالصحراء هرباً من تنكيل السلطات الرومانية المحتلة لوادي النيل بهم منذ عشرين قرناً وهم بذلك كانوا أول من استحدث نظام الرهبنة والتي أصبحت تمارس بما نسميه اليوم بالأديرة. وقد رأينا في الأسابيع الأخيرة نفس التعبيرين حينما انتفض الشباب القبطي بأنه فعل ذلك على أرض الكاتدرائية المرقسية بوسط القاهرة، ولجأ البابا شنودة إلى أحد أديرة وادي النطرون. وأني لأعجب من أؤلئك الكتّاب الذين انتقدوا سلوك الشباب القبطي الغاضب بلجوئه للكاتدرائية ونقدهم لاعتكاف البابا شنودة بوادي النطرون. أليس ذلك مظهراً حضارياً سلمياً للتعبير عن الألم والغضب والاحتجاج؟ ماذا يقترح هؤلاء الناقدون على البابا شنودة والأخوة الأقباط أن يفعلوا للتعبير عن غضبهم؟ وأين مجلس الشعب من كل هذا، أنه حتى لم يرق لما كان عليه المجلس منذ 32 عام حينما كوّن لجنة لتقصي الحقائق والتي رأسها الدكتور العطيفي. ومن الملفت للنظر أن الصحف اليومية أثناء الأزمة حملت عنواناً واحداً على تصريح عن لسان الدكتور زكريا عزمي بأن الرئيس حسني مبارك والذي كان في زيارة للكويت أصدر تعليماته بسرعة احتواء الأزمة والسؤال هو لمن أصدر هذه التعليمات؟! للأجهزة التي اتهمها الأخوة الأقباط بإشغال الأزمة؟ أم إلى مجلس الشعب الذي تجاهل الأزمة برمتها؟

الحل هو العودة إلى ليبرالية كاملة مثلما كان الحال عليه في العصر الذهبي للتآخي والتكافل والمساواة بين المسلمين والأقباط ما بين عامي 1952،1919 لا بد أن يحكم المصريين جميعاً قوانين واحدة وقواعد وإجراءات واحدة في كل أمور دنياهم وهو ما يعني اختصاراً "مجتمع مدني يكون فيه الوطن فعلاً للجميع" وأني أضم صوتي للمطالبين بأن يكون الزواج والطلاق وكل الأحوال الشخصية خاضعة لقانون مدني واحد، تتم صياغته بمشاركة الكنيسة والأزهر على أن تنتهي مهامهما في كل الأمور الدنيوية بعد ذلك الأمر للسلطات المدنية فقط دون إقحام الدين والفتاوى لا في مسألة وفاء قسطنطين ولا مسألة الكويز!

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكل المؤمنين أقباطاً كانوا أو مسلمون.

د. سعد الدين ابراهيم
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
الرد مع إقتباس