إن القارئ الذي يتابعني، يعلم أنني عزفت منذ عشرين عاما عن الدخول في هذا الأمر إلا في لمحات سريعة، ولعله يدرك السبب، ذلك أنني – كما تعود القارئ مني- لا أسمي الأشياء بغير أسمائها، ولا أري التأول والتقية حقا لي، و أنني عندما لا أستطيع قول ما أعتقد أنه الحق فإنني أصمت، ليس جبنا، و إنما فطنة المؤمن.
تجنبت الحديث عن الفتنة الطائفية لأنني أرى أن هذه الفتنة وما سبقها ليست فتنة طائفية بالمعنى الصحيح، فهي ليست بين أتباع محمد و أتباع عيسى عليهما السلام، و إنما هي بين أنصار الله و أنصار بوش، بين أتباع محمد وعيسى وموسى عليهم السلام جميعا و أتباع المخابرات المركزية الأمريكية و الموساد. بين أبناء مصر و أعداء مصر. بين الشرفاء والخونة، بين العملاء والوطنيين، بين الأصلاء والدخلاء، إنها قضية ينبغي أن تحكم فيها المخابرات لا الشريعة، وألا يحدد الفقهاء الجرائم الكامنة فيها.. بل محاكم أمن الدولة.. وأن يتحرى عن مخازيها ومؤامراتها جهاز مباحث أمن الدولة لو كان بالفعل جهاز مباحث أمن دولة وليس فرعا للموساد والسي آي إي.
وعندما نبهني البعض إلى موقع عبد الشيطان زكريا بطرس شعرت بالاشمئزاز والعزوف فالرجل *** من **** النار يمزق الحقيقة وخنزير يدنسها. تجنبت الرد عليه والانشغال به، فمن ناحية ليس فيما يطرحه أي جديد، ومن ناحية أخرى هو عميل لجهاز مخابرات ما، ومهمته أن يشغلنا بسفاسفه وحديث إفكه عما هو أهم من مواجهة أكاذيبه. بل إن مجهود هؤلاء الناس غالبا ما يصب في صف الإسلام، لأن من يستمع إلى مثله ويصدقه، تكون صدمته هائلة عندما يكتشف الحقيقة، ويترتب على هذه الصدمة إما الإلحاد بمعنى الكفر بالدين كله و إما الدخول في الإسلام. وبغض النظر عن الصواب والخطأ فإن الكفر بالدين كله قد يتسق اتساقا شيطانيا، أما الإيمان باليهودية دون المسيحية والإسلام، أو الإيمان باليهودية والمسيحية والكفر بالإسلام فعبث لا يمكن للعقل البشري أن يتورط فيه، ذلك أن نقطة العبور أو التحول، أو الحد الفاصل بين بشر كالأنعام أو أضل، وبشر كالملائكة أو أفضل، هي نقطة الإيمان بالغيب كمطلق، وبعد هذا الإيمان يأتي الإيمان بالرسل، جميعا، كنتيجة طبيعية بل وحتمية للإيمان بالغيب.
ولقد ذكرت في مقال سابق ما قاله المفكر المسيحي الشهير نظمي لوقا في كتابه محمد الرسالة والرسول: " أن التسليم بوجود رسل ونزول وحي يجعل من الصعب التسليم برسالة ورفض الأخرى، والإقرار بظهور رسول ونفي ذلك عن آخر" (ولأنه تحدث عن نبي الإسلام بموضوعية و إجلال في كتابه" محمد الرسالة والرسول" فطرده البابا شنودة شر طردة، وحرم الصلاة عليه في كنائسه، ودارت أرملته الكاتبة صوفي عبد الله على الكنائس دون فائدة: راجع المقال بالغ الأهمية للأستاذ جمال سلطان- مجلة المنار الجديد – شتاء 2005).
نعم.. لم يكن الأمر صراعا بين المسلمين والمسيحيين بل صراعا بين الأمناء والخونة، بين الشرفاء والعملاء، بين الطيبين البسطاء والجواسيس، وليس عندي في ذلك شك.
بيد أننا يجب أن نعترف أن أولئك وهؤلاء يوجدون على الجانبين.. ولست أظن – على سبيل المثال – أن البابا شنودة، أشد خطرا على الأمة – وبالتالي الوطن والدولة – من وزير الأوقاف أو بعض كبار الشيوخ في الأزهر. كما لا أظن أن أقباط المهجر رغم خيانتهم وعمالتهم أشد خطرا من كتائب المثقفين المجندين كعملاء في الداخل. والعملاء لا تستعمل هنا ككناية أو تشبيه أو مجاز، بل كصفة، فهؤلاء تسميهم الصحف الفرنسية والألمانية بكتاب المارينز وبصحف المارينز، والمقصود بالنسبة لهؤلاء، الصحف والأقلام التي سخرت وتسخر للترويج لأفكار أمريكا الساعية إلي تعميم الحرية والديمقراطية عبر العالم والتي تعتم علي كل الأخبار حول جرائم أمريكا وإسرائيل، والتي خصصت لها الحكومة الأمريكية بمختلف فروعها حوالي 628 مليون دولار في السنة المالية 2004. الصدمة التي أحدثها إدراك المحافظين الجدد في واشنطن بأن مخططهم لغسل عقول المسلمين لم يحقق نجاحا يذكر زادهم شراسة في حرب التضليل. إلا أن العقول والقلوب المدربة على توقي الخطر الخارجي قد تغفل عن الخطر الداخلي.. رغم أن الخطر الداخلي لا يقل خطورة عن الآخر وقد يزيد.
نعم.. انحرافات المنافقين أشد خطرا.. وكذلك انحرافات المنحرفين عن طريق الإسلام ولو دون ردة ظاهرة أو باطنة.
هل هناك فرق حقيقي بين مجلة روز اليوسف ومواقع الأقباط؟ بين عبد الله كمال و أوغسطينوس؟ بين رفعت السعيد وزكريا بطرس.
هل هناك أي فرق؟!.
***
يتبع
|