عرض مشاركة مفردة
  #21  
قديم 01-06-2006
servant4 servant4 غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
المشاركات: 167
servant4 is on a distinguished road
ربما يرجع تفهم جارتي لتناقضي الغريب واللامعقول مع ذاتي، إلي اعترافي لها بأنه سبق السيف العذل. بمعني أن خضوعي لهذا الرجل المتحجر، وموافقتي علي أفكاره الجاهلية، يرجع أولا وأخيرا لعجزي عن حماية أولادي مما يمكن أن يدمر حياتهم، في حالة ابتعادي عنهم، وترك البيت تحت رحمة من لا يرحم!
كل ما حصلت عليه من نتائج زيارتي لجارتي، التي اتهمها زوجي ظلما بلا أدني خجل بالعري والفسق والفجور..أن غضبي من نفسي، وسخطي علي ضعفي، تضاعفا مرات ومرات.. وأن كراهيتي للحياة ذاتها شجعني علي الإقدام علي ماكنت أنويه عشرات المرات، وفي كل مرة كنت أخشي من غضب الله فأرجع عن ارتكاب جريمتي.
صدقني إذا قلت لك انني صممت علي الانتحار والتخلص من حياتي أكثر من عشرين مرة، وفي المرة الحادية والعشرين فور مغادرة شقة جارتي شعرت بإحساس عميق ملأ قلبي وعقلي بأن الله سيرحمني لو نفذت قراري وأنهيت حياتي بيدي! فالعذاب الذي ذقت مرارته طوال معاشرتي لجلادي لا أتصوٌر أنه يزيد علي العذاب الذي ينتظرني في السماء لإقدامي علي الانتحار الذي يحرمه الله الغفور الرحيم بعباده.
انتهزت فرصة خروج زوجي وولديه لصلاة الفجر في زاوية قريبة من المنزل يجتمع فيها مع من شابهه في أفكاره، ومن تعلم منهم استبداده، ومن يعلمهم أسلوبه في جعل حياة من يعيشون معهم جحيما، واطمأننت إلي استمرار بناتي في نومهم.. وتوجهت إلي المطبخ وأغلقت بابه خلفي، ثم أمسكت بسكين حادة قطعت بها شرايين يدي، وجلست علي مقعد خشبي صغير أتابع براحة عميقة لم أشعر بها منذ ربع قرن سيلان دمي الغزير المتدفق من جرحي، وأخذت أتمتم بكلمات صامتة استغفر بها الله، وأتمني رحمته، وأرجع عصياني لتحريمه الانتحار إلي هول العذاب الذي تحملته وصبرت عليه، حتي اللحظة التي فقدت عندها البقية الباقية من صبري، ولم أعد أستطيع فيها تحمل أكثر مما تحملته. ولم أتوقف عن ابتهالاتي للرحيم الغفور إلاٌ بعد أن فقدت الوعي، وللأسف الشديد استرجعته في اليوم التالي علي سرير المستشفي!
لقد شاءت إرادة الله عز وجل أن أعود إلي الحياة بعد أن تصوٌرت أنني نجحت في التخلص منها.
تجمٌع أولادي وأفراد عائلتي أمام سريري، ووجوههم ناطقة بالفرح والسعادة لعودتي إليهم، أما وجه جلادي فكان كالعادة جامدا، غاضبا، وساخطا! لم أسمع منه كلمة واحدة يشجعني بها، أو حتي كلمات: 'حمدا لله علي سلامتك'.. لم ينطق بها! ولم يكتف بذلك.. وإنما صمم علي إذلالي، وأصر علي صدم مشاعر أخوتي وشقيقاتي وبناتي عندما فاجأنا قائلا:
'لقد ارتكبت جريمة لا تغتفر في حق ديننا، ولا تتصوٌري أن الله سبحانه العادل، القاهر، الجبار، قد غفر لك لأنه سبحانه وتعالي قد أعادك إلي الحياة، وإنما الهدف من هذه العودة هو أن تمضي بقية عمرك في التكفير عن خطيئتك العظمي، ونسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يجعلك من الصالحات المؤمنات' .
ولم أغضب مما قاله، فلا جديد فيه، ولا كلمة من كلماته تستحق التفكير أو تتطلب الغضب.
أخوتي وشقيقاتي وبناتي هم وحدهم الذين ظهرت علي وجوههم ملامح السخط، والقرف، والكراهية.. وإن كانت صامتة ومكبوتة.
وعدت إلي جحيمي الأسري مرة أخري..
والطريف أن جلادي تصوٌر أنه مضطر إلي أن 'يطيب خاطري'، ولو للمرة الأولي منذ ربع قرن من الزمان، ففوجئت به يدخل غرفتنا وبادرني قائلا:
'أعلم إنك غاضبة عندما منعتك بعد زواجنا من قيادة السيارة، حماية لك، وحفاظا علي تعاليم رب السماوات والأرض ! ولا بأس الآن من السماح لك بقيادة السيارة بعد أن سمعت فتوي من الداعيةغ...ف تبيح ذلك بشروط محددة، أهمها ضرورة وجود محرم معك في السيارة، مثل أحد ولدينا. لقد اشتريت لك سيارة جديدة تقف الآن أمام المنزل، ولننزل فورا لتجربتها' .ولم أعلق بكلمة يفهم منها الترحيب أو الرفض، واكتفيت بإبداء دهشتي في سري من هذا الرجل الذي تصوٌر أن السماح لي بالعودة إلي قيادة السيارة هو أكبر تنازل،وأعظم تسامح يمكنه الإغداق عليٌ بهما! أو ربما يتصوٌر أن إقدامي علي الخلاص من حياتي كان نتيجة هذا الحرمان، وليس نتيجة الأهوال التي سمم بها حياتي وحياة أولادي منذ عرفناه لأول مرة، وحتي تلك اللحظة!
ونزلت معه لركوب السيارة الجديدة، وعندما طلب مني الجلوس أمام عجلة قيادتها.. اعترضت قائلة :'كيف أقود السيارة وأنا منقبة، وأنت تعلم أن نظري ضعيف وإذا وضعت النظارة الطبية تحت النقاب فلن أري شيئا من خلال'ضربة الموسي' بطول العينين؟!' .
ولم يرد زوجي علي اعتراضي، واكتفي بالجلوس إلي جانبي في المقعد الأمامي، وأمرني بالانطلاق!
وسرنا في شارع أو شارعين.. وكنت أصطدم مع المارة والسيارات من حولي وأمامي.. والمدهش إننا مررنا بالقرب من رجال شرطة المرور عساكر وأمناء شرطة وضباط ولم يعترض أحد منهم علي قيادتي السيارة بالنقاب، ولا علي تخبطي وتهديدي لأرواح وممتلكات الآخرين ناهيك عن تهديدي لحياتي وحياة من معي! علي العكس فوجئت برجال المرور يتطلعون إليٌ وربما لمحت علي وجوههم علامات الرضا، والاحترام، والتشجيع!
فالنقاب يحظي شئنا أم أبينا باحترام الكثيرين، وتأييدهم، وإعجابهم، ولا يجرؤ أحد علي منعه في الأماكن والمواقف التي ينص القانون علي ضرورة الكشف عن الوجه والتحقق من الشخصية!
فلا يخفي عليك أن هناك من المتقدمات لأداء امتحانات المدارس والجامعات من يرتدين النقاب، ولا يستطيع المراقبون التحقق من شخصيتهن، لأنهن يرفضن الكشف عن وجوههن!
وما يقال عن الامتحانات يقال أيضا عن مغادرة المنقبات عبر منافذ الجوازات في المطارات، أو عودتهن إلي البلاد من خلال نفس هذه المنافذ، فلا يعترض الضباط بعد أن يئسوا من الجدل العقيم الرافض للكشف عن الوجه بأي شكل من الأشكال!
ورجال المرور لا يعترضون علي قيادة المنقبات لسياراتهن، رغم أن النقاب لا يسمح لهن بالرؤية الكافية وبالذات علي الجانبين، مما يعرضهن ويعرٌض الآخرين لأخطار قد تكون قاتلة! لقد قرأت لك منذ زمن بعيد أن رجال المرور في أوروبا وأمريكا يمنعون تعليق حلية صغيرة، مثل الحجر الأزرق، أو الدمية، أو حتي سلسلة تتدلي من المرآة الداخلية أمام قائد السيارة لأن هذه المدلاة رغم صغرها وضآلتها، يمكن أن تحجب بضعة سنتيمترات من مساحة الرؤية. هذا ما يطبقه رجال المرور في العالم كله، منذ عشرات السنين، أما نحن في مصر فلا يعترض واحد منهم علي هذه الخيمة المغلقة والمظلمة فيما عدا ضربة الموسي التقليدية ويسمح للمتخفية شبه العمياء تحتها قيادة السيارة وتهديد حياة وممتلكات كل من يعترض طريقها أو يقترب منها!
ولست في حاجة إلي تكرار ما تعرفه ونعرفه جميعا، عن استغلال البعض لهذا التساهل والاحترام لكل منقبة :
رجال هاربون من العدالة ووجدوا في ارتداء النقاب الحماية الكاملة من الملاحقة والقبض عليهم!
ورجال يرتدون النقاب لتأدية الامتحانات بدلا من الفتيات!
وفتيات فاسدات يحميهن ارتداء النقاب من نظرات المتطفلين، وحراس العمارات وهن يترددن علي شقق 'العزاب' !
ورجال يرتدون النقاب ويدقون علي أبواب شقق عشيقاتهم، ويرحب بهم الأزواج باعتبارهن صديقات زوجاتهم!
هذه الطرائف الباكية نسمع عنها ونقرأ تفاصيل ما يكشف عنه في صفحات الحوادث في الصحف، ولا تحتمل التعليق أكثر مما سمعناه وقرأناه، وأعود إلي حكايتي لأقول لك إنني توقفت بالسيارة فجأة.. ونزلت منها وطلبت من زوجي قيادتها وإعادتي إلي منزلي، وكانت آخر مرة قدت فيها سيارة، حتي لا أكون مصدر خطر وتهديد علي حياتي وحياة المحرم بجانبي، وحياة الآخرين.
ولعلك لا حظت قولي بأن هناك من يستغل ارتداء النقاب للقيام بأعمال غير سوية، ومعني ذلك أن الأغلبية من النساء والفتيات المنقبات لا غبار علي تصرفاتهن،ولا طعن في سلوكهن. فمنهن من ارتدت النقاب اقتناعا به، ومنهن أيضا مثلي من أجبرت علي ارتدائه.
***
الرد مع إقتباس