ثوب جديد أم رقعة جديدة: قانون دور العبادة نموذجاً
بقلم سمير مرقس
من ثمار الحراك الشبابى الشعبى الذى شهدته مصر مطلع هذا العام، استعادة الجمهورية المعتدلة بحسب تعبير أرسطو، الجمهورية التى تتسم بالاعتدال من الانحراف فى اتجاه ما يناقض جوهر الفكرة الجمهورية بسبب التوريث. كذلك اعتدال باستعادة قيمة العدالة الاجتماعية بين المواطنين بدلا من الانحياز السافر للقلة الثروية على حساب الكثرة من المواطنين. وأخيرا التأكيد على دولة المواطنة التى تقوم على سيادة القانون وإعماله بعد الانحياز للعُرفى. وكان من المفترض أن تأتى المعالجات لكثير من أمور حياتنا المؤجل البت فيها على نفس المقام لما أثمرت عنه 25 يناير.وهو ما لفتنا النظر إليه مبكرا فى نفس هذا المكان بأن التحدى الذى أمامنا لجعل نتائج 25 يناير فاعلة هو عدم التراوح بين الثوب الجديد والرقعة الجديدة.
إلا أن المتابعة الدقيقة لكثير من المعالجات نجدها تميل إلى الأخذ بسياسة «الرقعة الجديدة» بدلاً من اتخاذ المبادرة وتفصيل ثوب جديد يحسم الكثير من الملفات المفتوحة منذ عقود. من هذه الملفات نأخذ قانون دور العبادة نموذجا للتعامل بمنهجية الرقعة الجديدة. بغض النظر عن التفاصيل التى طرحها البعض، فقط أشير إلى بعض الأمور التى أظنها تنتمى إلى ذهنية ومنطق يعودان بنا إلى ما قبل الدولة الحديثة من جانب، وإلى فترات الاستبداد من جانب آخر، وإلى إهمال للتراث الدستورى المصرى من جانب ثالث. كيف؟
هل تصدق عزيزى القارئ، أن القانون المطروح يستخدم فى مادته الثانية ومادته الرابعة تعبير «الطائفة الدينية». وهو تعبير عثمانى بامتياز، حيث الدولة العثمانية تتكون من طوائف، بينما الدولة الحديثة دولة تقوم على المواطنة، وكان حرياً بالقانون أن يستخدم تعبيراً يتفق ودولة المواطنة، «المواطنون المصريون من المسيحيين مثلا.
وهل تصدق عزيزى القارئ، أن القانون المطروح يستحضر عددا من الشروط العشرة لبناء الكنائس التى وضعها العزبى باشا، وكيل وزارة الداخلية فى فبراير 1934، تحت حكم إسماعيل باشا صدقى، والتى تعد قرارا إداريا، ويُضمّنها فى المادة الثانية من القانون.وهى الشروط التى طالما عانى منها المواطنون. ولن أستفيض فى شرح السياق السياسى الذى ولدت فيه هذه الشروط، والتى شهدت انقلابا دستوريا على دستور 1923 وحل محله دستور 1930، الدستور شديد القيود. ويلاحظ هنا أن هذه الشروط هى التى حكمت بناء الكنائس على أرض الواقع مع غيبة أى قوانين منظمة، خاصة - وهنا المفاجأة الأولى - أنه لا يعتبر الخط الهمايونى، كما هو شائع، قانون أو فرماناً وإنما هو رسالة لعموم رعايا الدولة العثمانية، وفى نفس الوقت - وهنا مفاجأة ثانية - القانون الذى يُرجع له فى قرارات الملكية والجمهورية لبناء الكنائس يستند للقانون 15 لسنة 1927 وهو لا يمت بصلة من قريب ولا من بعيد ببناء الكنائس.
ثالثاً: هل يعلم واضعو القانون أن هناك حكما لمحكمة القضاء الإدارى صدر فى 26 فبراير 1951 ينص على أنه ينبغى ألا يكون العدد عائقا فى إقامة الشعائر؟ ويدعم ما سبق حكم الدستورية بتاريخ 16 ديسمبر 1952 (القضية 615 لسنة 5 قضائية) الذى أصدره الفقيه الدستورى الكبير عبدالرازق السنهورى.
■ وبعد، يبقى السؤال: لماذا لم يؤخذ بالقانون الذى وضعته أستاذتنا الدكتورة ليلى تكلا منذ سنوات.. وناقشناه مؤخرا فى المجلس القومى لحقوق الإنسان وأخذت الدكتورة منى ذوالفقار على عاتقها ضبطه وربطه بالأساس بأحكام قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 وبقاء الأمر فى حدود الجهة الإدارية والبت فى الأمر فى إطار القضاء وليس حاكم الإقليم، ولعل هذا القانون يتفق وطبيعة المرحلة، كما أنه أقرب إلى الثوب الجديد نسبيا.
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
|