ثقافة القصاص والانتقام

[abomeret]

ثقافة القصاص والانتقام

بقلم رولا خرسا - المصرى اليوم

كنت دائماً أقول: المصريون أطيب شعوب الأرض، فهم يعيشون قرب النهر، وعادة شعوب الأنهار مستقرة، مسالمة، محبة للخير. ما حدث مؤخرا جعلنى أفكر: هل تغير هذا الشعب، أم أن هناك دخلاء يحاولون إلصاق تهم به، منها القسوة والرغبة فى الانتقام والعنف؟!.. ما الذى حدث؟ فى محيط ضيق صغير لإحدى مدارس مصر سمع الطلبة عن جريمتين لاثنين من أولياء الأمور، والفارق بين الجريمتين أسبوع.

الأول هو المهندس هانى لوقا، الذى قُتل وعُومل بعنف بعدها، وهذا الرجل - رحمه الله - كان يتمتع بمركز مرموق وسمعة طيبة فى المدرسة. والجريمة الثانية لسيدة تعمل مستشارة فى الأمم المتحدة، أطلق عليها مجهولون الرصاص فى السابعة صباحا فى منطقة المهندسين المزدحمة وأردوها قتيلة. المهندس هانى خلَّف وراءه ثلاثة أطفال، والسيدة نرمين خلّفت ابنة فى الثالثة عشرة من عمرها، على حد علمى. والسؤال الآن أولاد القتيلين وأصدقاؤهم فى المدرسة بالتأكيد سوف يفكرون ويتطرقون بين بعضهم البعض لما حدث، وهنا يجب أن نفكر: هل سوف يعتبرون العنف جزءاً من حياتهم يجب أن يتعايشوا معه؟ وبعد أن عاش كثيرون من أولياء الأمور يقولون لأولادهم «حل مشاكلك بالتفاهم مش بالضرب». هل نعود إلى شريعة الغاب ونقول: «اللى يضربك اضربه.. واللى يقرب منك موّته»؟ المشكلة فى أمرين: الأول هو إحساس المواطن بأنه لن يأخذ حقه إلا بذراعه، والدولة مشتركة فى تأكيد هذا الإحساس.

عندما يقوم مجموعة من أهالى الشهداء والمصابين باحتجاز وزير المالية فى مكتبه فى الساعة الثانية عشرة ليلا لرغبتهم فى الحصول على مستحقاتهم المالية ولا تتحرك أجهزة الدولة للاعتراض على هذا التصرف وحماية المسؤول فهى مشتركة فى تأكيد الفكرة.. أى منطق أو قانون يسمح لهم باحتجاز موظفين يؤدون عملهم؟ مع تقديرى الكامل لكل ما مروا به، ولكن إن كنا نريد إعلاء كلمة القانون فليس باحتجاز الوزير يحدث هذا الأمر.

والأمر الآخر الذى يقلقنى هو ثقافة الانتقام التى بدأت تنتشر بشدة، حتى فى مجلس الشعب بدلاً من الحديث عن تشريعات أو قوانين أو حتى أجور كحد أدنى وحد أقصى نجد أعضاء البرلمان لا يتكلمون إلا عن القصاص، وكأن الانتقام هو الحل وأسرع الطرق لإرضاء ثوار آخر زمن. وعلى رأى صديق اشتراكى عاش بين سوريا والعراق ومؤمن بثورات عدة، لدرجة أنه يضع على بروفايله دوماً صورة الثائر الأشهر تاريخياً تشى جيفارا حين قال لى: «أتعجب كثيرا لحال مصر، أول مرة فى التاريخ أجد ثورة مبنية على القصاص»..

كلماته فى الحقيقة كانت صحيحة جدا ومفزعة فى آن واحد. عندما خرجت الجموع فى الخامس والعشرين من يناير نادت بالعدالة الاجتماعية كأول مطلب، وبعد شهور لم تتح للمسؤولين فرصة تحقيقها بسبب الانهيار الاقتصادى، وبدلا من الصبر وإعطاء الفرصة تجد يوميا من يخرج مناديا بالقصاص.. ويخرج المسؤولون ليؤكدوا على القصاص وتتراجع العدالة الاجتماعية والعدل نفسه لأن من ينشد القصاص لا يستطيع أصلا تقبل فكرة العدل وينتشر باسم القصاص العنف، وتبدأ اتهامات لسكان طرة لدرجة أننى قرأت تعليقا لقارئ أعجبنى جدا يقول: «لو كان سكان طرة قادرين على كل هذا وهم خلف القضبان فكيف لو خرجوا؟؟ فلنخرجهم ليعود الأمن»،

ما يفزعنى هو كم الجرائم لدرجة أنه بدأت تكون هناك لجان شعبية تطوعية، وبدأت حملات توعية من نوعية «ماذا تفعل عند تعرضك لمعتد أو من يرغب فى سرقة سيارتك»، وكل النصائح تتلخص فى أن تعطى دون نقاش. ولمن يقول لى أين الشرطة أرد: لقد كسرتموها والآن تريدون إعادتها وأيديها مكبلة. كان الله فى عوننا، نحن شعب الله الغلبان الذى أخذ من أوروبا صقيعها ولم يأخذ تحضرها، وأخذ فى الصيف حر الخليج ولم يأخذ ثرواته، والآن يأخذ من شيكاغو عصاباتها وعنفها ولكن مكبلا شرطته.. رحم الله جلال عامر حين قال لكل من يسأل «مصر رايحة على فين؟ أقول مش كنت تسأل قبل ما تركب؟»، فى رأيى مصر راحت فى طريق القصاص والانتقام، يعنى سكة اللى يروح ما يرجعش.

rola_kharsa@hotmail.com