|
المنتدى العام يهتم هذا القسم بالأخبار العامه |
|
خيارات الموضوع | طريقة العرض |
#1
|
|||
|
|||
المسيحيون هم ملوك العرب أيضاً
بقلم: نادية عيلبوني 31/10/2006
أجل، نحن بحاجة إلى إعادة كتابة تاريخ المنطقة بعيداً عن تبجح الأيديولوجيا الدينية وادعاءاتها، وإذا كان من العدل والإنصاف إعادة الاعتبار لملايين الضحايا الذين سقطوا جراء التطهير الديني في ظل الحقب الإسلامية المتعاقبة، فإن العدل ذاته يستوجب أيضاً إعادة الاعتبار لتاريخ الشرق الأوسط الذي وقع هو الآخر ضحيةً لاعتداءات على تاريخه، لا تقل همجية تمثلت في تلك المحاولات القصدية من قبل معظم الذين اشتغلوا في قضايا التاريخ لطمس حجم الوجود المسيحي والتعتيم عليه، ولنا أن نلاحظ أن تجاهل تاريخ الحقبة المسيحية لمصر لم يكن الجريمة الوحيدة بحق تاريخ المنطقة، بل تعداها إلى تجاهل تاريخ سوريا المسيحية السريانية، وتجاهل الحقبة المسيحية في معظم دول شمال أفريقيا، مثل تونس وليبيا وصولاً إلى تجاهل التاريخ المسيحي واليهودي العربي في الجزيرة العربية، التي تمتد من اليمن مروراً بالجزيرة لعربية التي تضم كافة دول الخليج العربي الحالية، وصولاً إلى تخوم بلاد الشام. وإذا كان صحيحاً القول أن المصنفات التاريخية الإسلامية قد اتبعت منهج التغييب والطمس لوجود أصحاب الديانات التوحيدية الأخرى في الجزيرة العربية، بهدف إبراز تمييز الإسلام كديانة توحيدية وحيدة، فإن الصحيح أيضاً، أن منهج التزوير والاحتكار هذا، لم ينجح دائماً حتى لدى المؤرخين المسلمين أنفسهم، والذين اضطروا أمام قوة هذا الوجود إلى ذكره ولو عرضاً. كثيراً ما يُدهش القادم من شمال أفريقيا لدى اصطدامه بمسيحي يقول عن نفسه أنه عربي. ولعل أسباب الدهشة هذه تعود إلى منهج تزوير التاريخ الذي ربط بصورة مجافية لمنطق التاريخ كعلم، بين الإسلام والعرب، مثلما ربط اللغة العربية آلياً بالقرآن، متجاهلاً عن قصد وجود قبائل ذات أصول قومية عربية، تدين بالمسيحية وتتكلم لغتها القومية التي هي اللغة العربية. وإذا تجاوزنا القرآن كوثيقة تاريخية تؤكد هذا الوجود العربي المسيحي المتجذر في الجزيرة العربية بدلالة الآيات والسور التي تجادل أهل الكتاب من المسيحيين واليهود، أكثر مما تجادل عبدة الأصنام، فإننا لا يمكن أن نتجاوز ما جاء من روايات تاريخية في كتب المؤرخين المسلمين أنفسهم عن هذا الوجود الذي وصل إلى الكعبة نفسها وقبيلة قريش ذاتها، وبالرغم من محاولة هؤلاء المؤرخون إطلاق أحكام إقصائية وإظهار حال التعددية الثقافية والدينية في الجزيرة العربية بمظهر جاهلي ينم عن احتقار واستخفاف بصيغة هذا التعايش والإساءة للمختلف، ألا أن تلك المحاولات لا تنجح دائماً لدى المتتبعين والدارسين لمعرفة بعض من حقائق التاريخ المراد طمسه، كما أن ظهور عدد من الباحثين الجادين في المنطقة حاولوا إنصاف هذا التاريخ وإعادة الاعتبار للحقائق التاريخية مثل المؤرخ العراقي جواد علي الذي تناول في مجلاته الثمانية عن تاريخ العرب في الجاهلية، هي من المحاولات التي تستحق الثناء والدراسة نظراً لأهميتها في هذا الصدد. والحقائق التي تبينها مثل هذه الدراسات تشير إلى أن المجتمع في الجزيرة العربية قبل الإسلام لم يكن معزولاً عن العالم ولا عن الثقافات أو الديانات المختلفة التي كانت تحيط به.الجزيرة العربية كانت قبل الإسلام، معبراً للقوافل التجارية التي تقطع ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا، أي بمعنى آخر، أنها كانت نقطة التقاء لعديد الثقافات العالمية المتعددة المصادر والمشارب، كما أن الجزيرة العربية كانت على حدود بلاد الشام ومصر والحبشة والتي كانت شعوبها تدين بالمسيحية، كما أن مكة كانت قبل الإسلام أشبه ما تكون بقرية "كوزموبوليتانية تتعايش فيها ديانات وعقائد وتتحول في مواسم الحج إلى مهرجان حقيقي تتلاقى فيه ثقافات وتعقد صفقات وتقام مآدب وتلقى شعائر".وصف الجاهلية إذاً، ليس وصفاً دقيقاً لمجتمع ما قبل الإسلام في هذه المنطقة، فلقد شارك سكانها، وخصوصاً في مناطق الحضر، في الجدل الفكري والديني الذي ساد على إثر الخلافات التي أدت إلى انقسام الكنيسة المسيحية، ويعتبر بعض المؤرخين أن نجاح الدعوة الإسلامية ما كان له أن يتحقق لولا هذا الانقسام الذي ساد الكنيسة المسيحية آنذاك.ولنا أن نشير أن بعض المؤرخين المسلمين القدماء، من الذين أتوا على ذكر هذا الوجود أحياناً، لم يكن هدفهم إثبات حقيقة هذا الوجود، بقدر ما كانوا مضطرين له في سياق إدانة مواقف بعض أصحاب الديانات، أو في سياق ذكر المعاهدات والتعهدات، أو ذكر بعض المعارك التي وقعت بين المسلمين وبين هؤلاء، ويستطيع من يقرأ تاريخ الأمم والملوك للطبري أو فتح مكة للأزرقي، أن يلاحظ الكثير مما نذهب إليه، كما نستطيع أن نتبين الدلائل على انتشار المسيحية واليهودية بين القبائل العربية في الجزيرة، بصورة تفوق وجود الديانات الوثنية فيها. |
عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|