جيتوهات الطلبه المسيحين في الجامعات المصريه
جيتوهات الطلبة المسيحيين فى الجامعات المصرية
ديانا الضبع
«قابلنى عند السى إتش بعد المحاضرة» عبارة تتردد بكثافة على ألسنة الطلبة الأقباط فى الجامعات المصرية «السى إتش» هو الكود السرى الذى يعرف الطلبة مسلمون ومسيحيون معناه، مهما اجتهدوا فى منحه غموض الأسرار. «السى إتش» كود يعنى «مكان للمسيحيين» فقط فالحرفان «سى إتش» تبدأ بهما كلمة christians أى مسيحيين، وبالتالى فإن «السى إتش» من الأماكن المخصصة للمسيحيين فقط فى الجامعة، لا يقف به أو يدخله إلا المسيحيون.. بمعنى أنه ضمن جيتوهات مسيحية داخل الجامعات المصرية.
همذا المكان ليس حجرة مغلقة ولا مبنى صغيراً، وإنما شارع كبير أو حديقة واسعة فى الأغلب، للأسف.. هذه الجيتوهات المسيحية التى تدعم عزلة المسيحيين عن الحياة الجامعية وتؤكدها وترسخها هى أحد إفرازات المؤسسة الكنسية، ونتيجة مباشرة لأنشطتها الانعزالية، والمتمثلة فى الأسر الجامعية المسيحية. ما هذه الجيتوهات، وكيف بدأت، وإلى أين يمكن أن تأخذنا.. وهل نتدارك خطورة ذلك وندرسه بأمانة بعيدا عن الهوس والضجيج والنعرات الكدابة.. أم سنضع ماجوراً على الخبر وننتظر الانفجار؟! شارع «دقة» بجامعة القاهرة، مدرج واحد بجامعة حلوان، الجنينة بجامعة عين شمس، كافيتريا السى ـ إتش بهندسة عين شمس.. وهذه الأماكن مجرد عينة من «النيك نيمز» أو أسماء الشهرة لأماكن «السى إتش» أو الجيتوهات المسيحية بالجامعات المصرية. شارع «دقة».. شارع كبير يقع فى منتصف جامعة القاهرة.. يجاور كلية التجارة الشهيرة بلقب كلية الشعب. يرجع اسم الشارع فى الأساس إلى كافيتريا «دقة» التى كانت تبيع ساندويتشات الفول والطعمية فى هذا المكان منذ سنوات..ثم أغلقت وبقى الاسم ليشتهر به شارع المسيحيين أو شارع السى إتش. إذا دخلت هذا الشارع تشعر أنك انتقلت إلى مكان آخر غير جامعة القاهرة، كأنك دخلت على سبيل الخطأ ساحة إحدى الكنائس أثناء قيامها بالنادى الصيفى المسمى بنادى الكنيسة فتيات مكشوفات الرأس، يرتدين البدى والجينز، يتعاملن مع الأولاد بشىء من التحرر.. هناك لا تسمع غير أسماء مارى وماريان وفادى ومايكل وجوزيف وجاكلين كلهم يعرفون بعضهم البعض يلعبون يثرثرون، يضحكون، يتبادلون المحاضرات محولين الشارع إلى جامعة داخل الجامعة.
طاب وإيه يعنى ما هم كمان ليهم حتتهم، الإخوان بيتجمعوا عند الجامع، على الأقل إحنا ما بنعملش دوشة زيهم.. هكذا أجابنى بتحفز واضح، معظم من سألتهم لماذا تتجمعون فى مكان واحد يعزلكم عن باقى الجامعة؟!. أحدهم قال: نحن نعرف بعض أصلا من الكنيسة فنجتمع هنا ونتعرف على مجموعات من كنائس أخرى وقال آخر إحنا كده نستريح مع بعض أكتر وأكدت إحدى الفتيات هذا المعنى بقولها بنبقى على حريتنا أكتر نحن نعرف طريقة التعامل مع بعض ونفهم بعض، لكن الآخرين سيسيئون فهمنا لذلك قد لا يتقبلون أو يتفهمون بعضا من تصرفاتنا أو طريقة ملبسنا، كده أحسن وأشار أحد الطلبة أصلهم كثيرا ما يتكلمون فى الدين وبالتالى لن نجد حديثا مشتركا، مش بنلاقى حاجة نقولها. البعض الآخر - وهم أقلية - قالوا إنهم لا يكتفون بالجلوس فى «دقة» رغم تأكيدهم أنه مكانهم الأساسى والمفضل إنما لديهم أصدقاء مسلمون يجلسون معهم فى بعض الأحيان أما العبارة التى رددها كل من تحدثت إليهم، بلا استثناء تقريبا وكأنها جزء من منهج يستحق الاهتمام والدراسة، نحن يمكن أن نختلط لكننا لا نندمج أو نحن نتعامل بحدود! تتجلى هذه العزلة فى إجاباتهم وآرائهم حول الانتخابات الطلابية معظمها وهى بالحرف «نحن سلبيون ولا نحب أن ندخل نفسنا فى الحاجات دى.. الحاجات دى خطر ومانحبش ندخل نفسنا فى مشاكل.. ولماذا نشارك فى الانتخابات إيه لازمة الموضوع من أساسه.. وإحنا مالنا ما اللى يكسب يكسب واللى يخسر يخسر إحنا ما نعرفش حتى مكان صناديق الاقتراع ـ كبرى دماغك» لا نستطيع أن نقول أن روح السلبية هذه ترجع فقط إلى كونهم طلابا أقباطا فهذه هى الروح العامة وسط الشباب «المكبر دماغه» إلا أنه فى الوقت ذاته يجب ألا نتجاهل تصاعد هذا الاتجاه السلبى لدى الطلبة الأقباط، حتى أنه أصبح يمثل القاعدة بينما من يشارك فى أى من الأنشطة الطلابية هو الاستثناء.
المفارقة أن شارع «دقة» تفصل بينه وبين الشارع المجاور له حديقة وبضعة أشجار أو فى واقع الأمر الشارعان يعتبران شارعا واحدا عريضا تتوسطه حديقة إلا أنه من الصعب أن تجد فتاة محجبة تقف فى دقة أو حتى تعبر منه فرغم أن الشارعين هما فى الأصل شارع واحد يتوسط الجامعة والشارعان يؤديان إلى نفس المكان إلا أن كل المسلمين وبطريقة أوتوماتيكية يعبرون من الفرع الآخر من الشارع كأن هناك لافتة مكتوب عليها ممنوع دخول شارع دقة لغير المسيحيين. ردود أفعال الطلبة المسلمين إزاء هذا التقوقع والانعزال المسيحى والسؤال: لماذا تعبرون من هذا الشارع ولا تعبرون من الجهة الأخرى؟. جاءت هكذا: «أصله مكان المسيحيين ونشعر أنهم يريدون أن يجلسوا هناك وحدهم»، «نعبر من هذا الشارع لأن معظم الناس تعبر منه ليس لأى سبب آخر.. عادى» وقالت فتاة بضحك تشوبه علامات استفهام «يقولون لنا هذا شارعنا ومكاننا». البعض الآخر عبر عن دهشته من العزلة التى يفرضها الطلبة الأقباط على أنفسهم فقال شاب بحماس «المسألة دى غريبة فعلا مش عارف هم ليه ملمومين على بعض كده دى حاجة تقلق الصراحة»، وتحكى طالبة «أول ناس تعرفت عليهم عندما دخلت إلى الجامعة كانوا مسيحيين لكن لا أعرف أين ذهبوا، فأنا لا أراهم» وقالت أخرى بتلقائية «لا والله أحيانا نذهب ونجلس معهم فى دقة مافيش مشاكل يعنى عادى» وأكد أحد الشباب «هم الذين ينعزلون عننا ويرفضون الاختلاط بنا مش إحنا السبب» وسألتنى فتاة «لماذا توجهين لنا هذا السؤال يجب أن تسأليهم هم وليس نحن».
معظم الكليات لديها مكان مخصص للـ «سى إتش» لكنه عادة ما يكون عبارة عن نموذج مصغر لـ«دقة» فكلية علوم لديها جزء من حديقة صغيرة مجاورة لها تسمى بالـ«سى إتش» وهذا- كما شرح لى طلبة علوم- لقلة عدد الأقباط فى الكلية وكلية حقوق لديها مكان فى أحد الجراجات المجاورة نفس الشىء فى كلية الآداب وتجارة إنجليزى إلا أن دقة يظل هو المكان الرئيسى والأكبر والذى يجتمع فيه الطلبة الأقباط من كل الكليات. هذه الجيتوهات انعكست بطبيعة الحال على المدرجات فمن الطبيعى أن يحجز الطلبة المسيحيون مكانا معروفا فى المدرج لا يجلس به أحد غيرهم فيقول طالب قبطى بكلية التجارة «نحن نحجز ثلاثة بنشات فى الخلف، وهذا لأن طلبة الإخوان يحجزون هم أيضا بنشات ولكن فى الأمام بل أحيانا يرتدون زيا موحدا لونه أخضر يشبه زى الجيش فكان لازم نبعد عنهم» وقال طالب مسلم من جامعة حلوان «الطلبة المسيحيون يجتمعون دائما فى مكان يسمى بمدرج واحد وإذا كان مشغولا يجلسون حوله أو بالقرب منه لا يتحدثون إلى أحد ولا يختلطون بنا» وعن الجلوس فى المحاضرات يقول «يجلسون فى الصفوف الأمامية فأصبح معروفا أن الصفوف الأمامية هى للمسيحيين ونفس الوضع فى كلية الهندسة بجامعة عين شمس». وقد دخلت بنفسى إلى إحدى المحاضرات بكلية الآداب قسم التاريخ بجامعة القاهرة لأجد المسيحيين بالفعل منعزلين عن باقى المدرج فيتجمعون على درجات السلالم الجانبية بالمدرج ينصتون إلى المحاضرة و يتبادلون ما يفوتهم منها. بالبحث والسؤال عن أسباب لهذه العزلة بدا أن للكنيسة دوراً ربما يكون الأكبر فى هذه العزلة، صحيح أن هؤلاء الشباب عانى مرارا من مناهج تعليمية تتجاهل وجوده وإعلام لا يخاطبه ولافتات طائفية غطت جدران الجامعة إلا أنه يظل للكنيسة دور لا يمكن تجاهله فى ذلك الحصار الذى يفرضه هؤلاء الشباب حول أنفسهم. فالعصب الأساسى لمناطق «السى إتش» هو الأسر المسيحية وهى عبارة عن أسر تكونها الكنيسة تجمع كل الطلبة الأقباط، كل كلية لها أسرة تضم الطلبة الأقباط الذين يدرسون بالكلية يجتمعون مرة كل أسبوع فى إحدى الكنائس يصلون ويستمعون إلى عظة ويقومون برحلة ترفيهية من حين إلى آخر.
آخر تعديل بواسطة Servant5 ، 08-01-2008 الساعة 07:02 PM
|