هنا أقباط المهجر

[abomeret]

هنا أقباط المهجر

بقلم خالد صلاح ٢٢/١٠/٢٠٠٧
تلك ليلتي الثالثة في شيكاغو، لا تتوقع مني أن أحكي لك شيئا كهذا الذي أبدعه الأديب علاء الأسواني في روايته الشهيرة، فالرواية عاشت في أمريكا، أما أنا وبعد أن طرت إلي هنا علي مدي خمس عشرة ساعة وجدتني أخيرا أحيا في بيئة مصرية، وأعيش في مصر وأزماتها، بالمشاركة في المؤتمر العالمي لأقباط المهجر، الذي استضافه ورعاه (التجمع القبطي في أمريكا)، وضم نخبة من نشطاء الأقباط في الولايات المتحدة ومن الهيئات والمنظمات القبطية في استراليا وفرنسا وسويسرا وكندا وإنجلترا وعددا من المحامين الأقباط من الوطن الأم، مصر.

دعنا نتفق أولا، إن كنت تعتقد أن أقباط المهجر، جميعا وبلا استثناء، تحركهم أجندة الموساد ويأتمرون بتعليمات من أعداء الأمة، فلن تجد هنا ما يرضي تطلعاتك، أما إن كنت من الذين يعتقدون بوجود مشكلة حقيقية في الداخل والخارج، وأن واجبنا، وطنيا أولا، هو معرفة الحقيقة والبحث عن حل مشترك، في وطن مشترك، فسأجتهد ما استطعت لألخص لك المشهد.

مأساة هؤلاء الأقباط متشابكة ومركبة، فهم يتجرعون ألما من قسوة الغربة، ويتحسرون علي الفارق بين الحريات السياسية المقيدة في أوطانهم الدافئة، والحريات المطلقة في مهجرهم البارد، ثم يخوضون معركة انتماء في بلد ينظر ساسته وإعلامه وقطاع من مثقفيه إليهم باعتبارهم خونة وعملاء ولا يستحقون الدماء المصرية التي تجري في عروقهم، ثم أخيرا، والأهم يعلنون معركة المساواة في بيئة مضطربة ومشوشة يرونها هم، (غارقة في التمييز والاضطهاد)، يشتكون الحرمان من بناء دور العبادة، ويتحدثون عن استبعاد الأقباط من شغل الوظائف العامة، ويرتعدون خوفا علي ما يسمونه (اختطاف الفتيات الأقباط وإجبارهن علي الإسلام)،

ويتحسبون لخطر يتمثل في (الإخوان المسلمين)، أو مواجهة عاصفة تديرها أصولية (وهابية) أو آلة إعلامية موالية في الفكر والعمل (للوهابية) ومن مناخ معاد تنتشر فيه كتب وصحف (تكفير) الأقباط وتخاطبهم باعتبارهم (ذميين) في وطن مسلم، لا (مواطنين في وطن حر).

لا أدعي أن كل ما سمعته هنا مرض، فبعض الكلمات كانت قاسية أكثر مما ينبغي، وبعض المطالب تذهب إلي ما هو أبعد من الأجندة الحقوقية، وهناك الكثير مما يدعو للاختلاف، سياسيا لا دينيا، وحقوقيا لا طائفيا، لكن العزاء هنا أن أجواء الحوار لا تنقطع، هم أيضا مختلفون في التقييم وفي الآليات وفي رؤية الحل، فبعضهم يؤمن بالحوار مع النظام،

وبعضهم يري أن الأقباط كالمسلمين يعانون من غياب ثقافة التعدد وأن الحل في حرية شاملة للجميع، وآخرون يعتقدون أن الحل (بإحراج) النظام أمام المجتمع الدولي، وبعضهم يري الأمل في التعاون مع المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني في الداخل لتحريك المطالب القبطية والبعض الآخر يري النضال في تفعيل حقوق المواطنة المنصوص عليها في الدستور،

وما تسمعه من عدلي أبادير في سويسرا، غير ما تسمعه من مجدي خليل في واشنطن، وما يعرضه كميل حليم في شيكاغو، غير ما يقوله وليم ويصا في فرنسا، إنهم يشبهوننا هنا في كل شيء، الملامح واللون والدماء كما الشتات والاختلاف في الآليات والطرق والوسائل، رغم وحدة الهدف.

ما أؤمن به شخصيا قبل أن أذهب، وبعدما ذهبت، أن شتات هذه التجمعات وحيرتها وقسوة لغتها والمبالغة، التي نراها نحن من الداخل، لسلوك هذه المنظمات في الخارج، سببه الأساسي أنه لا أحد يلتفت إليهم هنا، لا أحد يسمعهم كمواطنين لا ذميين، كمصريين لا عملاء، كأصحاب حقوق في بلادهم، لا كصداع سياسي مؤقت نسكنه بالقبلات بين القساوسة ورجال الأزهر، وقد أخبرني رعاة المؤتمر أنهم وجهوا الدعوة للدكتور محمد كمال، الصوت الأكثر اعتدالا ووقارا في الجيل الجديد بالحزب الوطني، وقبل ساعات من المؤتمر، انقطعت الأخبار والاتصالات، وضاعت فرصة للتواصل، ماذا حدث يا دكتور كمال؟ نحن نحاور إسرائيل،

وندافع عن فهم الآخر منذ رحلة القدس وحتي رحلة مؤتمر السلام في خريف واشنطن، نذهب إلي آخر المدي، من أجل السلام مع عدو مزمن، وشيكاغو لم تكن أبعد كثيرا، وبعض سكانها هم الأقرب إلي قلوبنا وأرواحنا من سكان الحدود الشرقية، أفلا تساوي وحدتنا أمرا كهذا، أفلا يجوز أن نحول أقباط المهجر إلي عصا لنا نهش بها علي أغنام البيت الأبيض، بدلا من أن يستثمروا هم العصا في مصر والشرق الأوسط؟.

عندي بعض الإجابات، سأتلوها لاحقا.

http://www.almasry-alyoum.com/articl...rticleID=80251