الكنيسة بين الدين والسياسة
ما الجديد على الساحة؟
وبعد رصد سريع لأسباب فشل القضية القبطية في الماضي ، و بعض عناصر الافشال المعاصرة ، نعود إلى الأمل ، فمن أين يأتي الأمل؟
يأتي الأمل المعاصر من ظهور العديد من المتغيرات ، المتغير الأول هو نجاح بعض الأقباط في الهجرة إلى الخارج ، و مع ذلك لم ينسوا أسباب خروجهم ، و ذلك أتاح لهم مزيد من حرية الحركة و القدرة على الفعل لم تكن متاحة من قبل ، و المتغير الثاني هو التطور التكنولوجي الهائل في الاتصالات ، مما فتح الباب على مصراعيه أمام رياح التغيير ، و أودى إلى تلاشي الحواجز السياسية أما الطوفان الهائل من الاعلام و حرية التعبير ، و أما المتغير الثالث و هو من نتائج المتغير الأول ، أن الأقباط نجحوا أخيرا في أن يستوعبوا مبدأ الفصل بين الدين و السياسة ، وبين الكنيسة و الحكم و السلطان ، و إن كان المتغير الثالث لم ينضج بالتمام بعد ، فمازال الكثير من الأقباط ينظرون إلى الرئاسة الدينية على أنها المسئولة عنهم سياسيا.
ظهور هذه المتغيرات الثلاثة الاساسية ساعد و بوفرة على ظهور تياريين يحملون كل الأمل للأقباط ، التيار الأول تيار علماني بحت ، يتعمد و بشدة التنصل من أي صبغة دينية ، و يقوده العلماني العجوز المخضرم "المهندس عدلي أبادير" و يتحرك معه المنظمات القبطية في أوروبا و الولايات المتحدة ، بل ويتحرك في الخلفية جيل ثاني يملك القوة و الذكاء و الشباب مثل الناشط الاستاذ مايكل منير رئيس أحد منظمات الأقباط في الولايات المتحدة ، و وقوتهم الاساسية تنبع من ابتعادهم عن الكنيسة ، و معرفتهم الأكيدة بأن مطالب الأقباط هي سياسية في الجوهر ، فلا يمكن للأقباط أن يطالبوا بحقوقهم بدافع الدين ، فالمسيح لا يطلب بناء الكنائس ، فالصلاة لا يحدها مكان أو زمان ، و المسيح لا يحدد وطنا ، ففي أي مكان ففي العالم تستطيع أن تحيا مع المسيح ، و المسيح لا يطالب بمناصب في البرلمان أو في القيادات السياسية ، و لكن المجتمع القبطي يحتاج إلى كل هذا ، و يحتاج إلى المزيد من الحرية السياسية و الدينية ، و هذا مطلب سياسي.
و التيار الثاني هو تيار ديني بحت يتنصل و بقوة من أي مبدأ سياسي ، أو أي تيار سياسي ، و هذا يمثله القمص العجوز أيضا "زكريا بطرس" . وقد نجح هذا الكاهن في استعادة القوة الروحية للمسيح بابتعاده عن السياسة ، وبذلك أعاد عصر التبشير من جديد إلى الكنيسة القبطية ، و بدأت الكنيسة القبطية تقوم بدورها الريادي الذي فقد منذ أربعة عشر قرنا ، و عندما يتحرر المسيح من سيطرة قيصر ، يتغير وجه العالم ، وهذا ما يفعله القمص زكريا ، و الذي تنكره عليه القيادات الكنسية في مصر ، فبدلا من أن يلزموا الصمت و يتركون هذا الكاهن العجوز ليفعل ما لم يقدروا على فعله ، تتحرك ألسنتهم متسلطة لتهاجمه و تنكر عليه كهنوته ، و لكن الحق أنه يفعل ما هو من مهام الكهنوت ، فخدمة الموائد و افتقاد الفقراء و اليتامى لم تكن من أعمال تلاميذ المسيح ، بل خدمة الكلمة ، و خدمة الكلمة في الاساس ليست هي الوعظ و الخطب في الكنائس للمسيحيين ، و إنما هي خدمة التبشير. ومرة أخرى يظهر المزيد من الأمل في الكثير من الأجيال الشابة المتنصرة المتخرجة من تحت عباءة القمص زكريا ، و بالتالي فالحركة التبشيرية المسيحية المصرية مقدر لها البقاء على الساحة لفترات طويلة قادمة.
****سياسة بلا دين أعطت عدلي أبادير القدرة على الخروج من عباءة الكنيسة التي تصيب بالشلل السياسي ، و التصرف بمساحة أكبر من الوعي ، و كذلك القدرة على لفت انتباه العالم لهذه الفئة الصغيرة المحاصرة دينيا و سياسيا. وأخرجت الناشطون من أقباط المهجر من عباءة "ابن الطاعة تحل عليه البركة" ، إلى حرية حقوق الانسان ، و المطالبة بأساسيات انسانية نسيها الأقباط لفترة طويلة.و دين بلا سياسية ، أعطت القمص زكريا القدرة على التبشير بحرية ، دون الالتفات إلى العواقب السياسية ، و الألاعيب السياسية ، التي يقع فيها باستمرار الكثير من قيادات المسيحية في الداخل ، و أعطت مساحة لظهور ألف أثناسيوس جديد ، و آلاف المتنصريين الجدد في جميع بقاع العالم العربي بما فيها السعودية.
ومن هنا أرى الأمل و النور ، أرى أن المسيح قد افتقد الشعب القبطي ، و أن ما حدث في الكشح ، وما يحدث في الاسكندرية ، و ما سوف يحدث بعد ذلك لن يغير من تيار الوعي و النهضة البادئ في الظهور ، بل سيزيد من إظهار الاسلام على حقيقته القبيحة ، و كيف أنه يحول البشر إلى شياطين يسرقون ، و يقتلون ، و ينهبون ، و يغتصبون باسم إله الاسلام الدموي . و لا يمكن أن تنطفئ الفكرة بالسيف و لا يمكن أن يختبئ المسيح تحت مظلة قيصر أكثر من هذا ، فقياصرة روما قديما لم يستطيعوا الصمود أمام عباد النجار المصلوب ، بل خضعوا للمصلوب القائم من الأموات ، و اليوم لن تقوى أبواب الجحيم الاسلامي علي الكنيسة القبطية ، ليس بسبب عدلى أبادير أو القمص زكريا بطرس ، أو المؤتمر القبطي في أمريكا ، أو غيرها من الظواهر و المتغيرات ، بل لأن هذه كلها لم تجتمع مصادفة في مجرى التاريخ ، هناك من يحركها ، و أنا أعرفه.
|