حول الإسلام والتأسلم ومشروعنا النهضوي(3)
وممن نالهم الضرر أيضا بعض عناصر الأمن من وزارة الداخلية ، والتي تقتصر وظيفتهم على تتبع الأوامر العليا في مواجهة سلاح هذه الجماعات والحفاظ على أمن السلطة ورجالها ، فقد قُتل الكثير من عناصر الشرطة المصرية على أيدي هذه الجماعات وكأن الصراع كان دائراً مع وزارة الداخلية ونحن نرفض ذلك رغم التجاوزات التي قامت بها بعض عناصر أجهزة الأمن من اعتقالات عشوائية أحياناً ومن تعذيب، لأن رجل الشرطة في نهاية هذا الأمر يدفع فاتورة الصراع بين الحكومة وبين من يريدون أن يحكموا من المتأسلمين فهو ضحية كلاهما معا .
وذلك إنما تم في ظل وجود الجماعات المتأسلمة بفصائلها وخاصة الفصائل الجهادية منها .
وبذلك تم هدم الشخصية المصرية وهدم طموحها في ممارسة حقها السياسي وفي المشاركة الحقيقية من أجل التغيير وأُحبِط الشباب مما دفعهم لاختيار أقل هذه الطوائف ارتباطا بالعمل السياسي مثل جماعات التبليغ ، وهم يخرجون من قراهم ومدنهم ليبلغوا الناس في المدن الأخرى مضيعين وقتهم ومقدراتهم المالية ويتركون أسرهم متناسين أن في نفس قراهم ومدنهم أناس مثل هؤلاء الناس التي يرغبون في هدايتهم ،لكنهم أذكياء لأنهم يعرفون أنهم مكشوفون في مجتمعهم المحلي ولا يستطيعون التأثير في أغلب المحيطين بهم بل قد يصل الأمر إلى أن بعضهم لا يستطيع التأثير على أولاده أو أخوته فهم يعرفون تماما أن مزمار الحي لا يطرب ، وأن أقرباءهم وجيرانهم يعرفون عيوبهم وخبراء بأفعالهم فهم يفضلون الخروج إلى مجتمعات لا تعرفهم ولا تعرف تصرفاتهم ويبدون أمام الغرباء وكأنهم ملائكة الأرض فينخدع بهم بعض طيبي القلوب دون تفكير ، ولدينا من النماذج الكثير في مجتمعاتنا المحلية وأعتقد أن القارئ سيتمثل بعض منهم وهو يقرأ هذا العمل المتواضع.
" والدين الحي الحق هو ذلك المتحقق في الشعور المتجدد المتطور للأمة المؤمنة به "
عزيزي القارئ للدين دور عظيم في احترام الفكر الإنساني، وفي احترام العقل الإنساني الذي كرم الله به الإنسان عن باقي المخلوقات ، والدين كان سبب نهضة الأمم عندما أخلص المخلصون له دونما إتجار به ودونما استغلاله في الصراعات على مناصب أو على سلطة والمتتبع لتاريخ الفكر الإسلامي يجد أن أشد العطائين لهذا الدين هم الذين لم ينتموا لفكر سياسي أو حزب سياسي ديني أو حزب غير ديني ، ولم يكونوا محاولين إخضاع المقولات الدينية للترويج لهذا الحزب السياسي ، أو الطائفة السياسية المعينة ، وقد نال الدين ما نال من سوء عندما استغله البعض في معاركه على سلطان الدنيا وفسروا وأولوا بل وتقوَّلوا بما لم يحدث من أجل إقرار مذهب أو تضييق الخناق على مذهب آخر ، ومن يريد أن يتعرف على ذلك يعاود قراءة التاريخ العربي ما بعد الإسلام سيجد ذلك واضحا جليا إذا أمعن النظر وتسلح بعمق التفكير الناقد وتسلح بمنهجية العلم والتاريخ الجدلي كقوانين كاشفة لحركة التاريخ ومفسرة له ، معتبرا أن النقد للشخصيات الدينية ليس نقدا للدين ذاته .
ويقول الدكتور فرج فودة "أساءوا للإسلام ذاته حين ادعوا عليه ما ليس فيه وأظهروا منه ما ينفر القلوب ، وأعلنوا باسمه ما يسئ إليه ، وأدانوه بالتعصب وهو دين السماحة ، واتهموه بالجمود وهو دين التطور ، ووصموه بالانغلاق وهو دين التفتح على العلم و العالم ، وعكسوا من أمراضهم النفسية عليه ما يرفضه كدين ، وما نرفضه كمسلمين ."
إنما هدفت من هذا العمل الصغير إلقاء الضوء على بعض الظواهر التي تنتشر في مجتمعاتنا ، وتتسبب في الإضرار بالدين ، وبالمواطنين على السواء وأدعو المفكرين أن يتكاتفوا لإنجاز مشروعنا النهضوي لننقذ شعوب هذه الأمة من مرقدها وتخلفها ومواتها ، ونتجه نحو الحضارة المبنية على أسس نهضوية لا تركن إلى المعوقات ، أو الخرافة متسلحين بمبادئ الدين وروحه نصبو ناحية احترام إنسانيتنا ، وننقحها من كل زيف واستغلال وعنصرية .
|