|
المنتدى العام يهتم هذا القسم بالأخبار العامه |
|
خيارات الموضوع | طريقة العرض |
#1
|
||||
|
||||
الفتنة والارتداد
د. علي حرب التاريخ: 16 مايو 2011 من المضحكات المبكيات أن الصراع الطائفي في مصر ينحدر إلى الحضيض، لكي يدور أحياناً على أمور مثل بناء كنيسة إلى جوار مسجد، أو زواج قبطي من مسلمة، أو اعتناق قبطية للإسلام. مثل هذه المسائل باتت تُشعل حرباً طائفية، كما جرى مؤخراً في أمبابه، حيث احتجزت الكنيسة امرأة قبطية قيل بأنها تحولت عن دينها إلى الإسلام، الأمر الذي أثار هياج مسلمين متطرّفين اعتبروا احتجاز المرأة اعتداء عليهم، فشنّوا هجوماً على إحدى الكنائس وقاموا بإحراقها. ومن الطبيعي أن يحدث ذلك ردّة فعل من جانب الأقباط. والحصيلة اشتباك طائفي أوقع خسائر فادحة في الأرواح والأرزاق. وسواء كانت الرواية صحيحة، أم أن الأمر يتعلق بعمل مدبر أو سيناريو مركّب، فإن البيئة مهيأة والتربة خصبة. ولا تحتاج الفتنة إلاّ إلى شرارة لكي تندلع بين طرفين تتحكم في العلاقة بينهما، منذ عقود، الذاكرة الموتورة والأحقاد المتراكمة، سيما وأن الأقباط طالما شكوا من أنهم ضحية للتمييز والاضطهاد، في جميع المجالات، من جانب الأغلبية المسلمة. وهكذا، ففيما يبتهج المصريون بما أنجزه شباب الثورة وقواها الجديدة، حيث تم التأكيد على شعار الدولة المدنية والمواطنة المصرية العابرة للطوائف والشرائح، تعيدهم مثل هذه الأحداث إلى الوراء، وتكشف مدى الهشاشة في تركيبة المجتمع المصري. وهي إلى ذلك تفضح الآفة التي تضرب العقل الديني، لدى هذا الطرف أو ذاك، وخاصة لدى الفئات المتشدّدة والمتطرّفة التي ختم التعصب والجهل على عقولها. وما حدث يقدم الدليل، مرة بعد مرة، وفتنة وراء فتنة، على أن التيارات والمنظمات الأصولية الدينية، سيما الإسلامية، فقدت مصداقيتها ومشروعيتها، في شعاراتها الأيديولوجية ومشاريعها السياسية، فهي أخفقت في المجتمعات التي لا يوجد فيها تعدد طائفي. أما في المجتمعات متعددة الطائفة والمذهب، فإن توظيف الدين في العمل السياسي، قد آل إلى إثارة المخاوف بين الجماعات وتدمير جسور التواصل بين المواطنين المنتمين إلى دولة واحدة، وعلى نحوٍ يفضي في النهاية إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وتهديد الوحدة الوطنية في غير بلد عربي. من هنا فإن معالجة المشكل الطائفي تحتاج إلى إصلاح جذري، على غير مستوى: على مستوى عقائدي، بحيث تلغى قاعدة الارتداد وتفتح حرية الاعتقاد. فالدين، سواء اختصّ بالإسلام أم بالمسيحية، هو أكبر من أن يتهدده فرد يخرج منه؛ وبالعكس، فهو لا يزداد مصداقية بدخول أفراد فيه من الأديان الأخرى. فلا يضير الإسلام أن يخرج واحدٌ منه، ولا يزيده منعةً أن يدخل فيه آخر، إلاّ إذا كان أهله لا يثقون في معتقداتهم، وكذلك الأمر بالنسبة للمسيحية. ولقد تباهى دعاة مسلمون باعتناق الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي للإسلام، وكان جوابي أن ذلك يضرّ به، إذ هو يعزز النرجسية الثقافية لدى المسلمين. هذا في حين أن الإسلام يستمدّ مصداقيته، وسط الفتن والحروب بين طوائفه ومذاهبه، في ابتكار أهله لصيغ حضارية، مدنية، سلمية، تنظم العلاقات سواء في ما بينهم، أو بين المسلمين وسواهم من أهل الديانات والفلسفات. ولا سبيل إلى ذلك من غير فتح الباب لحرية الاعتقاد والتفكير والتعبير. فليؤمن من يشاء، وليخرج من يشاء. وقديماً قيل في مسألة الارتداد: »ما زاد حنّون في الاسلام خردلةً ولا النـصـارى بكت حزناً على حنّونِ» على المستوى السياسي، يتحقق الإصلاح بتغيير النظرة إلى السلطة السياسية، بحيث يجري التعامل معها كشأن بشري، دنيوي، يخضع للمساءلة والمناقشة والنقد والطعن، بعيداً عن لغة النصوص المقدسة والفتاوى الشرعية. بالطبع يمكن للسياسي أن تكون له مرجعياته المقدسة أو فلسفاته المتعالية، التي يستلهمها في رؤاه وقيمه وتشريعاته وبرامجه.. ولا فرق هنا بين الكتب الدينية وبين مؤلفات روسو أو فولتير أو كنط أو ماركس.. فمرجعيات المعنى ومصادر المشروعية العليا، لها دوماً طابعها القدسي أو المتعالي أو الغيبي... ولكن ترجمتها إلى عمل سياسي، يجرّد أصحابها من حصانتهم الرمزية لكي يكسبها طابعها النسبي، كسلع يجري تداولها في الفضاء العمومي، بقدر ما تخضع للعبة القوى وشبكات المصالح وغابات الأهواء والرغبات. على المستوى الحقوقي والقانوني، يتحقق الإصلاح أولاً برفع وصاية المؤسسات الدينية على الناس، الذين هم مواطنون ينتمون إلى دولة بقدر ما هم مسؤولون تجاه الأنظمة والقوانين المرعية، التي لها وحدها حق المحاسبة، في حال المخالفة. الأمر الذي يعني سقوط فتاوى الحسبة والتكفير كما تمارسها المنظمات والجماعات الإرهابية ضد كل من يخالفها الرأي . . فإذا كانت ثمة وصاية دينية على الناس، فهي رمزية، وليست قانونية. فالأجدى أن لا تمارس بعقلية التهمة والإدانة، ولا بأخلاقية التوبة، كما قرأنا مؤخراً، بل بأسلوب الإرشاد والتوجيه بالتي هي أحسن. فالمرشد لا يحكم أو يعاقب بل ينصح ويقترح. ورفع الوصاية عن الناس، وجهه الآخر كسر ادعاء احتكار الحقيقة الدينية من قبل فرد أو مؤسسة أو جماعة، فليس لأحد أن يدعي العصمة أو أن يحتكر الإيمان والهداية والاستقامة. ليس لأحد امتياز على سواه، ما دام الكل معرضين للخطأ. وهناك أناس هم أكثر تقى وإيماناً من حماة الأديان وشرطة العقائد، كما تشهد التجارب. إن الوسائل والإجراءات المستخدمة في حلّ المشكل الطائفي تزيده تعقيداً وتأزماً، مما يعني أن ما تقوم به الجماعات الدينية لا يصب في خانة الإصلاح الذي هو مبرّر قيامها وعلّة وجودها، بل يولّد الفساد والخراب. . ولم يعد يجدي وضع الملامة على الدهماء والغوغاء والجماعات المتطرفة، التي هي صنيعة العمل مؤسسات دينية ذات خطابات ومتاريس عقائدية. وكل ذلك يحتاج إلى أن يوضع على طاولة الدرس والتشريح، من قبل المجتمع بكل قواه وفئاته، بمن فيهم رجال الدين، من أجل رسم خارطة جديدة لعلاقة الدين بالدولة والمجتمع والحياة المدنية، على الصعد المعرفية والسياسية والخُلُقيّة، أي ما يخصّ علاقة المرء بذاته وبالآخر، أو بالواقع والعالم.
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
|
عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
مفاجأة فى قضية إمبابة ضم شريط برنامج توك شو حول أحد المحرضين على الفتنة | TERMINATOR | المنتدى العام | 0 | 13-05-2011 01:06 PM |
صلاح عيسى: أحداث إمبابة الإنذار قبل الأخير لحرب الكنائس فى مصر | TERMINATOR | المنتدى العام | 0 | 13-05-2011 12:49 PM |
وهؤلاء أيضا صناع الفتنة ! | makakola | المنتدى العام | 0 | 11-05-2011 05:19 AM |
الفتنة الطائفية هى المدخل لتخريب مصر | makakola | المنتدى العام | 1 | 27-04-2011 06:44 AM |