انطباعات باريسية

[abomeret]

انطباعات باريسية

بقلم خالد منتصر - المصرى اليوم

لا تستطيع وأنت تحضر مؤتمراً طبياً فى باريس أن تنفصل عن الحضارة الفرنسية، وأن تمنع نفسك عن التأمل فى سلوكياتهم وقدراتهم الفذة على الترويج لجمال مدينتهم الساحرة الخلابة، ولأننى أحمل مصر بداخلى أينما سافرت وأتمنى العودة إليها سريعاً، ومهما لاقيت من سفاهات ومضايقات البعض إلا أننى لا أستطيع إلا أن أحبها، ودائماً أثق أنها ستعود مصر التى كنت أعرفها وتاهت ملامحها فى زحام البداوة الوافدة، المهم أننى دوّنت بعض الانطباعات السريعة لعل العدوى تنقل إلينا.

علم فرنسا الضخم الرابض عند قوس النصر والمطل على رأس شارع الشانزليزيه، علم فى منتهى النظافة والأناقة والشياكة والتألق والمهابة رغم قسوة المطر ووجوده فى متناول يد المارة عابرى السبيل، رأيته يرفرف مثل النسر الكاسر، تذكرت علمنا المصرى البائس على مؤسساتنا وهيئاتنا وسفاراتنا، أحياناً تجده مقلوباً، وكثيراً ما تراه مهترئاً ممزقاً كالخرقة يرفرف كالعصفور المبلول كأنه خجلان منكسر يخشى من فضيحة الرؤية والانكشاف، علم الوطن روح ورمز وشفرة عزة وكرامة، هل انكسار العلم المصرى هو جزء من انكسار الروح المصرية؟

المفروض أن نهر النيل عندما يقارن بنهر السين يكسب النيل بالثلث، لكن الاهتمام بجماليات نهر السين وأشكال الكبارى الفنية فوقه بمنحوتاتها الرائعة والمهم أتوبيسها النهرى الساحر، كل هذا يجعل السين يكسب وينتصر فى سباق التألق والتأنق، قارنت بين «الباتو»، القارب السياحى الفرنسى، وأتوبيسنا النهرى الغلبان الذى يشبه الفلوكة، أنت تشاهد أهم معالم باريس وأنت فى القارب وتستمتع بالسين وتعشق وتقع فى غرام باريس، فـ«الباتو» ليس وسيلة مواصلات إلى القناطر مع الفسيخ والملانة لكنه وسيلة متعة وآلة تدريب على عشق مدينة النور والفن.

شاهدت فى «اللوفر» طابوراً طويلاً من أطفال لا يتعدون السادسة من العمر يرتدون «تى شيرت» مكتوباً عليه: «أطفال أصدقاء اللوفر»!، المعلمة تشرح لهم اللوحات والتماثيل والقطع الفنية كأنها تتعبد!!، الطفل هناك يتنفس الفن ولا يخجل منه أو يتنكر له أو يغطيه بالشمع، لذلك ستجد الذوق والأدب والاحترام وتقديس الجمال مزروعة بالفطرة فى أطفالهم.

فى المتاحف والمزارات السياحية هناك تخفيض للطلاب تحت ١٦ سنة، الموظف يسأل فقط ويعتبر إجابتك صدقاً كاملاً لأنه يفترض فيك الأمانة، لا يطلب بطاقة أو باسبوراً لكى يحدد السن ويقارن، الكذب جريمة لا تغتفر فى هذه المجتمعات التى نهاجمها ونعتبرها ناقصة الإيمان بالرغم من هجرتنا إليها بقوارب الموت!، قارنت بين إدمان الكذب حتى عند من يدعون الفضيلة والورع والتقوى، وحزنت على الضمير عندنا وتأكدت من أنه هو جوهر الإيمان والدين الحقيقى.

لو قارنت بين الهرم وبرج إيفل تاريخياً وفنياً وحضارياً من جميع الوجوه فلابد أن الفرنسى نفسه سيقول لك لا تظلم «إيفل» من فداحة المقارنة، لكن الاهتمام ببرج إيفل والترويج له وما حوله من خضرة وبهجة وتحف فنية يجعلك تبكى على حال السياحة المصرية التى ضربت فى الصميم ولم يعد لها حديث إلا طول فساتين السائحات وأنواع مايوهاتهن!، السياحة فكر وثقافة قبل أن تكون مكاناً وأثراً ومزاراً.

info@khaledmontaser.com