من الأقباط المصريين..إلى حكومة كلنا سلفيين - بقلم | الحمامة الحسنة

[الحمامة الحسنة]

من الأقباط المصريين..
إلى حكومة كلنا سلفيين

بقلم | الحمامة الحسنة
15 اغسطس2011


(كلنا سلفيون) هذا التصريح العفوي والخطير الذي جاء على لسان ممثل المجلس الحاكم في الفضائيات، فتح الباب على مصراعيه لكي يجرم تحته الإسلاميين الأصوليين وخاصة السلفيين، جرائم بشعة مازال يتجرع آثار سُمّ هذا التصريح أقباط مصر من إستباحة دمائهم كل يوم بخلاف نهب وحرق بيوتهم وحرق كنائسهم وخطف بناتهم وأسلمتهم لأننا نعيش تحت ظل حكومة تعلنها صريحة بأنها ( كلنا سلفيين ).

ربما لم يتفاجأ الكثيرين منا مما حدث في حركة المحافظين الأخيرة والتي لفتت الأنظار إلى عدم تعيين محافظ قبطي واحد في هذه الحركة، فقد كان متوقع هذا الحدث وبشدة من حكومة السيد شرف الذي رشحه الثوار لمنصبه، ولم يرشح هو أحد منهم ولا أحد من الأقباط لمنصب المحافظ، اللهم لحفظ ماء الوجه لحكومة " كلنا سلفيين "، قام بتعيين القبطي سمير مرقس نائبا لمحافظ القاهرة،لأن قدراته وكفاءاته – من وجهة نظر حكومة كلنا سلفيين – لايستطيع معها أن يصبح محافظاً، فتوقفت قدرته وكفائته عند نائب المحافظ !

فكان هناك سبب من إثنين طرحهما الأوساط المصرية وخاصة على المستوي القبطي، وهو إما أن الخمسة عشر مليون قبطياً لايوجد بينهم من يصلح ليكون محافظاً ،ولم تستطع إمرأة قبطية في مصر أن تلد من يستحق أن تؤهله كفائته لتولي منصب المحافظ، يا إما حكومة كلنا سلفيين تُفعَّل النص الجهادي : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) فحكومة الدكتور شرف خشيت أن تتخذ أولياء من الأقباط حتى لايتهمها الإسلاميين " بأنهم منهم " ،لو فكرت الحكومة مجرد تفكير أن تقوم بتعيين محافظاُ قبطياً من المغضوب عليهم .فحكومة" كلنا سلفيين" مازالت تنظر للأقباط من أعلى بأنهم من المغضوب عليهم لأنهم من أهل الذمة.
في الوقت الذي يثير الكثيرين التساؤلات لماذا أبقت حكومة الدكتور شرف على أغلب المحافظين التابعين للنظام المباركي السابق والذين أثبتوا فشلا منقطع النظير في إدارة محافظاتهم قبل وبعد الثورة، وبنفس أسلوب ترقيع الدستور البالي القديم، قامت الحكومة بترقيع منصب المحافظين بإبقائها على كثيرين من المحافظين القدامى فقط لمجرد التغطية على ماتجرأ الدكتور شرف وفعله، حين قام بتعيين القبطي عماد ميخائيل محافظاً ( لولاية قنا السلفية) . فكان عليه أن يصحح خطأه بعملية ترقيع للمحافظين الجدد للإطاحة بالمحافظ القبطي المجمد للتخلص منه للأبد لأنه ( لا ولاية لكافر على مسلم ) ، وتعيين بدلاً منه اللواء عادل لبيب محافظا لقنا، مكافأة له على حدوث مجزرة كنيسة القديسيين في عهده حين كان محافظاً للأسكندرية فهو من بقايا النظام المباركي القديم وعنده الجدارة والخبرة الكافية عن كيفية تسييح دماء الأقباط والتنكيل بهم في ولاية قنا السلفية أيضاً.

فإذا كان الخمسة عشر مليون قبطي يمثلون الخمس أو السُدس من جملة سكان مصر فأين هذه النسبة في تولي المناصب كشركاء أصليين من أهل هذه البلد؟ لماذا هذا التمييز العنصري ضد الأقباط لإقصائهم عن الحياة السياسية في وطنهم الذي لن يكون غيره وطناً لهم ولم يكن إنتماءاتهم ولا ولائهم يوماً لوطن غيره لأن كلمة" قبطي" تعني "مصري" أي تعني هويته الجنسية وولائه لتراب مصر القبطية قبل أن تصير كلمة مميزة لعقيدته المسيحية، فهي تعني أصالة الهوية المصرية للإنسان القبطي الذي يعشق تراب بلده،ولكن مازال المتعصبين من حكومة كلنا سلفيين يرون أن كلمة " قبطي" تعني فقط أنه ( نصراني كافر) لايجب إتخاذه ولياً.
فهل ماتتخذه الحكومة الحالية من قرارات هامة هو المسار الصحيح والمرجو من إنتفاضة الشعب المصري بكل فئاته لثورة 25 يناير للدفع لبناء مصر الحديثة ؟ وهل هذه التعيينات للمحافظين نتيجة طبيعية لروح الثورة وطموحها التي تمناها الشعب بكافة طوائفه؟!

فمن المعروف تاريخياً أن الثورات الحقيقية تهدم أنظمة سياسية بأكملها وتقوم ببناء أنظمة سياسية جديدة، ولكن أثبتت الثورة المصرية خلاف هذا حيث لم تزد حتى الآن عن كونها " ثورة ترقيع" لنظام مبارك الفاسد والمستبد، فلم يتولد عنها حتى الآن سوى عمليات ترقيع سياسى باهت وممسوخ، وخرج الشعب المصري من نظام ظالم ومستبد لنظام اكثر إستبداد جراء تحكم الإسلاميين في أحداث الشارع المصري، فلماذا يشعر المواطن المصري أن مبارك وحاشيته مازالوا يحكمونا ؟ لماذا تصمم الحكومة أن الشعب المصري لم ينضج بل مازال في مرحلة الطفولة وأنها وصية على آرائه وإختياراته وتقرير مصيره ؟
فالشعب المصري بجميع فئاته وطوائفه هو من قام بثورته التي إختلط فيها دم القبطي مع دم المسلم ولم يفرق الرصاص الغادر لعصابة حبيب العادلي بين صدر المسيحي وصدر المسلم ..فلماذا إذاً في تولي المناصب تتم التعيينات بالتفرقة بين المواطنين المصريين ؟ فلم يخطر ببال أحد شباب هذه الثورة الشريفة أن يرفع شعار ديني يخفي ورائه فكر أو تيار ديني معين،فرأيناهم يرفعون فقط شعار واحد هو : ( ارفع راسك فوق إنت مصري) ولم يرفعوا كما رفع هؤلاء الإسلاميين المأجورين شعارات عنصرية ( ارفع راسك فوق إنت مسلم )

مازال يرى الجميع أن السلفيين هم الذين يحكمون البلد على أرض الواقع وكلامهم المتخلف والمتعصب أحكام نافذة عند حكومة " كلنا سلفيين" ؟ فهل قامت الثورة ليحكمنا أهل اللحية والجلباب القصير؟ أليس هؤلاء السلفيين هم أصحاب فتوة عدم الخروج عن الحاكم، فأين كانت شعاراتهم الإسلامية في أول أيام الثورة، والتي خرجوا بها علينا في جمعة (تمزيق شمل الوطن) وليس لمّ شمله يوم 29 يوليو؟

واضح جداً أن حكومة الثورة بوزارتها ومجلسها الحاكم لايعنيهم الثورة على الإطلاق بل يهمهم إرضاء التيارات الدينية وإلا يعتبروا خارجين عن الدين في نظر هؤلاء الإسلاميين، فكل الدلائل والمؤشرات تشير إلى أن الحكومة في طريقها لسليم البلد لحكم ديني متعصب، فبعد أن كان قانون الأحزاب يمنع تكون الأحزاب بمرجعيات دينية سمحت حكومة كلنا سلفيين بتكوين أحزاب للإخوان والسلفيين على أساس ديني،
وأصبح الثوار الحقيقيون من قاموا بثورتهم البيضاء وبذلوا دمائهم، أصبحوا في نظر الحكومة مجرد مجموعة من الخونة والعملاء لدول أجنبية كدولة الصرب كما صرح بعض أعضاء المجلس (الحاكم بأمره) !

مازال هؤلاء الإسلاميين وبخاصة السلفيين في نظرنا مجرد "عصا مكنسة " تستخدمهم الحكومة لتنفيذ أهداف في نفس يعقوب، ثم تدخلهم بعدها في جراب الحاوي" وتلِّم ثعابينها"، ولكن كلما تنازلت الحكومة عن هيبة الدولة إرضاءاً للتيارات الدينية ولتحكيمهم الديني العنصري كلما تفتت مصر أكثر، لأجل تنفيذ أجندات أجنبية خارجية مغلفة بإسم الدين لأنه معروف للجميع إلى أي الإنتماءات ولاء هؤلاء الإسلاميين؟ ولماذا سمحوا لضمائرهم الخربة بأن يرفعوا الأعلام الوهابية على أرض مصر في التحرير وقبلها في قنا، ولماذا السعودية تدفع المليارات في سبيل ألا يمتد إليها المدّ الثوري فيهدم عرش آلهتها من حاشية ( آل سعود) ؟

فما تفعله حكومتنا الحالية سيؤدي بمصر إلى الهاوية السحيقة التي لارجعة فيها، لأنه سيصُب في مساعي الحماية الدولية التي يرفضها الجميع وأولهم الأقباط الذين لايريدون إحتلال أخر لبلادهم، فمشروع قانون إستحداث منصب مبعوث أمريكى خاص إلى الشرق الأوسط لشئون الأقليات الدينية بهدف الحماية والدفاع عن حقوق الأقليات الدينية هو بداية سيناريو التفتيت والتقسيم لبلدنا مصر ولانريد لحكومتنا الموقرة أن تتنازل أكثر عن هيبتها وهيبة مصر أمام العالم حين تُسائل دولياً عن سياستها العنصرية التي تفرق بها بين أبناء الوطن الواحد.

وللحكومة بوزارتها ومجلسها الحاكم وللإسلاميين من يريدونها ( إسلامية .. إسلامية )،نقول لهم وقَّروا دينكم وأجعلوه في مرتبة مقدسة ولا تهينوه ولاتمتطوه ولاترتدوا عباءة التدين لتحقيق مصالحكم السياسية، فشعب مصر بكافة فئاته وأطيافه العلمانية وثوارها الأحرار يريدونها دولة قانون لا دولة خلافة بمشورة، نريدها دولة مدنية يحكمها ويُفعَّل فيها القانون الذي يتساوي تحته جميع المواطنين المصريين على أساس جنسيتهم المصرية لا على أساس دينهم، فنحن لانريدها دولة تحكمها مصاطب الجلسات العُرفية بأعتبار أن كل من هو غير مسلم فهو ذمِّي.
فلا نريد لبلدنا مصر ألا تكون دولة دينية في رفاهية الصومال ولا في حرية إيران ولا في أمان أفغانستان ولا في تماسك السودان ولا في ديمقراطية السعودية