المقاطعة الدنماركية، والدهشة البترولية: الرزق على الله
حمى مقاطعة السلع الدنماركية التي مازلنا نتنادى إليها، ونحث بعضنا عليها، وحمّى الدهشة التي تملكتنا من تصريح الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطاب "حالة الاتحاد" عن الاستغناء عما نسبته 75% من بترول الشرق الأوسط بحلول عام 2025م، والتي ما زال المحللون الاقتصاديون يتناولونها بين مصدق ومكذب، وبين مداهن لنا مخدر لعواطفنا بأن أمريكا لن تستطيع، وآخر يحوم حول حمى الحقيقة حذراً. أقول بين هذه الحمى وبين تلك، لماذا لا نسأل أنفسنا بصراحة أين نحن؟ لماذا كنا وما زلنا عالة على المنتجين للصناعات ابتداءً من الزبدة وانتهاء بالطائرة، وعالة على مستهلكي النفط.
لقد لاحظت، ولعلكم لاحظتم جميعاً أن كثيرين طرحوا بدائل استهلاكية لمنتجات الدنمارك، فمن قائل نتجه إلى منتجات دول شرق آسيا، إلى قائل نتجه إلى منتجات الدول التي اعتذرت. وآخر طرح موضوع الصيام والصبر، أمّا فيما يتعلق بالبترول فتكاد كل الآراء التي اطلعت عليها - وهي ليست قليلة - تكون مجمعة، على أن أمريكا تستطيع، وإن استطاعت فأسواق شرق آسيا وغيرها هي الميدان القادم لبترولنا العظيم. أمّا الميدان المحلي فلا أحد يلتفت إليه، وكأننا توصلنا إلى قناعة مطلقة غير قابلة للنقاش بأننا لا بد أن نظل مستهلكين لصناعات ومنتجات الآخرين، وبياعين لنفط، مازلنا حتى الآن لا نعرف كيف نكتشفه. غداً أو بعده ستعتذر الدنمارك أو تتم تسوية الأمر بصورة أو بأخرى، وتعود المياه إلى مجاريها. أمّا أمريكا التي جندت جامعاتها ومعامل أبحاثها أيام "كيندي" ولحقت السوفيت إلى سطح القمر بـ"رجل" وليس بـ"***" فهي فيما أعتقد تستطيع خلال العقدين القادمين أن تطور ما يغنيها عن بترولنا، بل هي في الحقيقة بدأت هذا المشوار منذ سنوات، ومثلها بريطانيا، وقبلهما السويد التي ستكون قريباً أول دولة تستغني عن النفط. فماذا نحن فاعلون، ولماذا تحت وطأة هذه الحمّى المزدوجة من المقاطعة والدهشة لا نسأل أنفسنا بصراحة كيف سنكون في عام 2025م؟ سألت - السؤال السابق- خبيراً؟ في شؤون البترول - والخبراء بيننا قلّة نادرة - فقال ساخراً اشربوه، يقصد البترول. وسألت صديقاً متخصصاً في علوم الشريعة - وغالبيتنا الساحقة من المتخصصين في فروعها - فقال جاداً: الرزق على الله، ومن توكل على الله فهو حسبه.*
نقلا عن جريدة "الوطن" السعودية