الإعلام الخاص والمسئولية الوطنية

[abomeret]

الإعلام الخاص والمسئولية الوطنية

القس بولس فؤاد سيدهم - كنيسة الشهيد إستفانوس بالخرطوم ـ السودان


المتتبع للقنوات الفضائية الخاصة خلال وبعد أحداث ماسبيرو الأخيرة - والتى كلفت مصر دم أبناءها الأبرار - لا يمكن أن ينكر الدور الرائع والفكر المستنير للكثيرين من مقدمى البرامج والمتحدثين من الأخوة المسلمين ، الذين تفخر مصر بهم، والذين أرجو ألا تفوتنى هذه الفرصة لأعبر لهم عن عميق إمتنانى لهذه الروح العالية فى حب مصر.

وقد إطمأنت قلوب الكثيرين لسماع بوادر إنفراج أزمة قانون دور العبادة الموحد وخروجه للنور ، كما لو أننا كنا نحتاج إلى مثل هذا الزلزال حتى يتم إعتماد هذا القانون وإصداره.
غير أننى أرى أن المسألة ليست مسألة إصدار قوانين ( يمكن التلاعب بها والتحايل عليها مستقبلاً ) بقدر ما هى مسألة أن تُزرع هذه القوانين فى وجدان الشعب المصرى بأسره وتكون عقيدة راسخة لديه.

لقد سمعت كلاماً رائعاً عن الإهتمام والبدء بالنشء الصغير وغرس مبادىء المواطنة والقيم المشتركة بين المواطنين ، وعن أهمية أن يتم تدريس هذا فى المدارس.

وحيث أن المدارس غالبيتها تتبع الحكومات ، ولا يوجد أى ضمان لنوعية من سيقوم بمهمة التعليم وتقدين ما نصبوا إليه ، وحيث أن التلفزيون والإعلام الحكومى ( بشهادة الجميع ) لم يعد مصدراً مناسباً لأداء مثل هذه المهام ، فإننى أقترح أن تتصدى القنوات الخاصة – والتى كثُر عددها بعد الثورة – لهذه المهمة العظيمة والمساهمة فى خلق جيل جديد من النشء ، لا يعرف التعصب ولا يعرف الضغينة ولا يتعلم كيف يرث ويورِّث الأحقاد.

أذكر حديث رائع لقداسة البابا شنودة الثالث أثناء الصدام بين الدولة والكنيسة فى أوائل سبعينات القرن الماضى إبان أحداث الخانكة الشهيرة ، وكان الحديث فى مبنى مجلس الشعب فى ذلك الحين ، راجع الرابط

http://www.youtube.com/watch?v=qHiPf78Bm3Y

فقد قال قداسة البابا بالحرف، أن هناك جوانب مشتركة يتفق عليها المسلمين والمسيحيين مثل المحبة وفعل الخير والأمانة واحترام الكبير وحب الوطن وكل الفضائل ... إلخ. وطالب قداسته بضرورة تفعيل هذا الأمر وإصدار المناهج الدراسية لتشمل هذه النواحى ، وطبعاً لم يتم شىء من ذلك.

وها نحن هنا نكرر الدعوة مرة أخرى ، ولكنا نتوقعها من خلال القنوات الفضائية الخاصة.

ماذا يمنع أن يظهر قادة الكنيسة وكبار المفكرين والعلماء المسيحيين ويراهم الأطفال جنباً إلى جنب مع شيوخ المسلمين ويخاطبوا الجماهير عن الفضائل والقيم التى فقدناه أو إفتقدناها فى حياتنا ، بدلاً من المسلسلات والأفلام الهابطة التى تعج بها قنواتنا والتى تضر أكثر مما تفيد.

فى تصورى أن هذا الأسبوب أقوى كثيراً من قوانين مكتوبة على الورق ، فنحن أحوج ما نكون إلى قوانين مستقرة داخل قلوبنا ووجداننا.

إن كان هناك نية صادقة لإجتثاث أسباب التوتر والإحتقان بين أبناء الوطن الواحد ، فلا أعتقد أن هناك وسيلة أضمن ولا أجدر من هذه.

لقد إعتمدنا سنيناً طويلة على إعلام مبرمج لا يخدم قضية المواطنة ولا يبنى الأجيال، وها هى النتيجة المأساوية وقد رأيناها بعيوننا وسمعناها بآذاننا.

إنها دعوة مفتوحة للقنوات الخاصة للمساهمة بحق فى رأب الصدع وإصلاح ما أفسدته السنون والعهود الماضية ، لعلنا نصل إلى مصر جديدة فى كل شىء.

أما ما يصدر من بعض القنوات التى تُبث من خلال القمر المصرى نايل سات ، والتى تهدم كل ما يمكن بناؤه ، فهذا حديث لنا فى مرة أخرى إذا شاء الرب وعشنا.