تم صيانة المنتدي*** لا تغير فى سياسه من سياسات المنتدى اكتب ما تريد لان هذا حقك فى الكتابه عبر عن نفسك هذه ارائك الشخصيه ونحن هنا لاظهارها
جارى تحميل صندوق البحث لمنتدى الاقباط

العودة   منتدي منظمة أقباط الولايات المتحدة > المنتدى العربى > المنتدى العام
التّسجيل الأسئلة الشائعة التقويم

المنتدى العام يهتم هذا القسم بالأخبار العامه

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 29-04-2012
الصورة الرمزية لـ الحمامة الحسنة
الحمامة الحسنة الحمامة الحسنة غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2007
الإقامة: فى جنب يسوع المجروح
المشاركات: 6,398
الحمامة الحسنة is on a distinguished road
الإسلام ... والمسيحية: أيهما بالعقل أولى؟

الإسلام ... والمسيحية: أيهما بالعقل أولى؟






بقلم| إبراهيم عرفات

يوجه غالبية المسلمين للمسيحية اتهامًا بأنها ديانة تقوم على العاطفة في حين يرون الإسلام دين عقل وتفكّر، وأنّه أولى بالعقل من كافة الأديان واللا أديان. قال لي مسلمٌ غيورٌ على دينه: عملية التبشير المسيحيّة تتم باستغلال العاطفة بطريقة مباشرة للغاية، فعندما تتحاور مع مسيحي تجده غالباً ما يستخدم تعابير وألفاظ مثل: "الله يحبك"، "اعرف خطة الله لحياتك" , "أنت ابن الله" وغيرها من التعابير العاطفيّة. طريقها المباشر هو العاطفة لا غير، يلعب المبشر بشكل مباشر على العواطف، ولا أخفيكم أنني أرى أنها خطة ناجحة مع البسطاء الذين يمكنك أن تقنعهم بكلام رنان يثير العاطفة، وأما المفكرين، والمثقّفين فلا ينجح معهم مثل هذا التلاعب بالعواطف على الإطلاق!

وقارئ القرآن قد يظنّ للوهلة الأولى أنّ القرآن بالفعل أولى بالعقل من غيره، فلا تكاد سورة من سوره تخلو من الدعوة إلى استخدام العقل والتفكر وطلب المعرفة، وفي المقابل نفي التعقل والتفكر عن غير المسلمين: "آيات لقوم يعقلون" (البقرة ١٦٤)، ومثل الذين كفروا... لا يعقلون" (البقرة ١٧٠)، سخر لكم الليل... لقوم يعقلون" (النحل ١٢). "يتفكرون في خلق السماوات" (آل عمران ١٩١)، "نفصل الآيات لقوم يتفكرون" (يونس ٢٤)، والأمثلة تطول إن أردنا اقتباس كافة الأمثلة.

ولكنّني أتساءل ما هو فحوى الإيمان وموضوعه؟ أهو أمر قابل للتحقّق والتأكد من صدقه باستخدام ملكات العقل والتفكّر والفهم واللمس؟ ألا يعرّف الإسلام الموؤمن أنّه من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره وحلوه ومره. هل الإيمان بخالق غير منظور يمكن إثباته إثباتًا علميًا بالعقل أو نمتحنه في المختبرات العلمية؟ اعلم، يا أخي، رحمك الله، أن الدين متى صار "عقليًا" أي يمكن استيعابه تمام الاسيتعاب بالعقل لم يعد دينًا بل أصبح علمًا، لأنّ الدين يدعو إلى الإيمان، وموضوع الإيمان هو الثقة والتصديق بأمور غير قابلة للتأكد منها بالحواس. الدين يحدثنا عن نبوءات ومعجزات وحشر وملائكة وبُراق! فهل يسع من كان صادقا مع نفسه أن يقنعنا أنه يعي كل هذه الأمور بعقله المحض ويثبتها بالدليل الملموس ولذلك فإنّ دينه دينٌ عقلي؟ هذا زعم باطل إذ لا يوجد "دين عقلي" يقدر أن يثبت بالـ "تجربة والامتحان والمشاهدة" أن نفس الإنسان خالدة ما بعد الموت وأن هناك آخرة وجنة ونار وغيرها من الادعاءات الغيبية الميتافيزيقية. و قد بيّن الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة فساد هذا المنطق: "ليس ينفك فريق منهم (يقصد الفلاسفة) عن خزي في مذهبه وهكذا يفعل الله بمن ضلّ عن سبيله وظن أن الأمور الإلهية يستولي على كنهها بنظره وتخيله". وقال أيضا: "المقصود تعجيزكم عن دعواكم معرفة حقائق الأمور بالبراهين القطعية وإذا ظهر عجزكم ففي الناس من يذهب إلى أن حقائق الأمور الإلهية لا تُنال بنظر العقل بل ليس في قوة البشر الاطلاع عليها". وكثيرًا ما أشار ابن رشد إلى أن معرفة الأمور الغيبية كالنبوءات والوحي وغيرها تكون من الشرع لا من العقل. إذن الإسلام ليس دين العقل بل هو كغيره من الأديان يفوق العقل، وتلك هي طبيعة الدين من حيث هو دين.

يبدو لي أن الأخ المسلم المعترض هنا يشكو، دون أن يدري، من جمود عاطفي يلازم طبيعة الديانة الإسلامية. فالإسلام يخلو من العاطفة والمشاعر الإنسانيّة بل يعتبرها ضعفاً. لذلك نجد الله في الإسلام هو "الصمد" الصلد الجامد الجاف الذي لا حراك فيه، يأمر وينهى ويتحدث من عليائه بكبرياء فهو يتسربل بالكبرياء ويلقي بالكافرين في النار لا يبالي بأحد، ولا يضر ساديته أنه يتلذذ بزيادة عدد سكان جهنم لا عدد النفوس التي تخلص وتنجو، والقرآن نفسه هو القائل: "ونقول لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد؟!" فهل نلوم المسلم إذن عندما ينتقد المسيحية وهو يتفحصها بعيون إسلامية؟
جاءت نظرته للوجود وللأديان الأخرى على صورة إلهه الإسلامي الجامد، وصارت محبة الله في نظره عاطفة ممجوجة، وفاته أمر غاية في الأهميّة وهي أن البشرية لا تهلك لأنّها تفتقر للأديان أو للموارد الطبيعية، بل إنّها تهلك لأنّها تفتقر إلى الحب! فالموارد الطبيعية غزيرة ورغم ذلك فإننا نرى الفقر المدقع في عدّة بقاع من المعمورة! إنه الفقر إلى الحب. وأي حب؟ الحب الإلهي بالتحديد.

يميل كثير من المسلمين إلى الوهم ظانين أنهم أفضل من غيرهم وأن دينهم أفضل من أديان الآخرين، وهذا تفكير ينطوي على سذاجة الشعوب البدائية التي لا تعي ما عند الآخرين من حقٍ وجمال. قال ابن رشد في كتابه "تهافت التهافت": "إن كل الأديان حق لأنها تحث على الفضائل ولكن يجب تأويل أصولها ومبادئها "أحسن" تأويل. وقد كان ابن رشد بهذا الكلام طفرة في زمانه إذ الغالب في الإسلام هو الإقصاء والتكفير لا التحقيق والتفكير. لكن انظر معي وتأمل كم أهان الإسلام والمسلمين شخصًا مثل ابن رشد لمجرد أنه نظر بعقله في أمور الدين. ترى ماذا كان المسلمون ليفعلوا لو أن ابن رشد قال بعشر ما قاله فولتير وروسو ورينان في المسيحية؟ أما كانوا ليكفّرونه ويدعون إلى نحر عنقه؟!

إياك أن تخدع نفسك أخي المسلم وتظن أن دينك وحده قائم على العقل، فهو دين كسائر الأديان قائم على الغيبيات والماورائيات ونهجه نهج ميتافيزيقي شأنه في ذلك شأن جميع الأديان. وإذا ما تمعّنت في قراءة القرآن كاملاً لوجدته يتحف قراءه بقصص لا تمت للعقل بصلة، بل هي ملأى بالأقاصيص الميثولوجيّة على شاكلة حديث سليمان مع النملة والهدهد أو حديث محمد إلى البراق (الحصان المجنّح)، وتكوين البراق الميثولوجي والذي يشبه ما نقرأه في الأساطير اليونانية. لكن وجود مثل هذه الأمور في الإسلام لا يضره أو يعيبه، لأن الميثولوجيا قالب من قوالب التعبير القديمة التي كانت تستخدم لنقل معنى وتعليم مغلّف في إطار وشكل أسطوري خارجي. زد على هذا أن الأديان من الأساس قائمة على الإعلان والوحي لا العقل والمنطق. الأديان لا تريد أن تقدم للإنسان وصفة في التفكير العقلاني ولكنها تريد به هداية قلبه إلى جادة الرشاد الإلهي والسير بما يوافق مشيئة الله حسب قصده للكون الذي خلقه في محبة تامة. فكيف تخدع نفسك يا أخي وتبرهن بما هو ملموس على ما هو غيبيّ وأصلاً غير ملموس كالله؟ ما تراه في الكون من آثارٍ ملموسة تدل على عمل الله وخحضوره إنما هي آثار وطرق استدلال بشرية بالعقل والحدس ولكن هذا لا يشكّل دليلاً أو برهاناً بحسب القياس المنطقي السليم.

إنّ تأخر المسلمين عن ركب الحضارة العالمية والتقدم التكنولوجي العلمي الحاصل في اليابان وأوروبا وغيرها هو ما دفعهم للكذب على أنفسهم وإيهام أنفسهم بأن القرآن حاوي لعلوم الذرة والكيمياء والمايكروبيولوجي وغيرها، وهذا التعاطي للوهم لا يساعد المريض على العلاج واللحاق بزملائه المعافين بل يزيد الطين بلة، وفي الحالة يكون ماركس محقّاً عندما قال أنّ الدين يقوم هنا بدور المخدر وأنّه أفيون الشعوب المنكوبة التي تتعاطى الوهم. أمور الله العلوية لا تخضع لقياس الإنسان في العلوم التجريبية إذ أن العلم المعملي التجريبي يعتمد على الملاحظة والتجريب والامتحان. أمور الدين عامة قواعدها مبنية على ما جاء في الكتب والنبوءات وتصديق ما جاء فيه لا تكذيبها. من حقي أن أكذّب ما جاء في العلوم التجريبية ولكن الإسلام يقول للمسلم: "لا تسألوا عن أشياء إنْ تُبدَ لكم تسوءكم" ويوبخ المرء أشد التوبيخ على الشك في دينه. أمور الدين والإيمان قلبية وأما أمور العلم فتجريبية استقرائية. هذا عالمٌ وذاك عالمٌ آخر. المؤمن المستنير يفصل بين ما يخص المنطق والفلسفة والعلم وبين ما يخص "الوحي"، ولا يرى أبدًا أنه أولى بالعقل من غيره بل يرى أن الجميع يطلب الله بطريقته الخاصة، وأنّ الله لا يحرم إنسانًا من معرفته ولا يترك نفسه بدون شاهد كما قال الإنجيل، بل إنّ الأبدية قد انطبعت في قلوب البشر، على اختلاف مشاربهم العقائدية، وما هي إلا مسألة وقت حتى يلتقي بهم الإله الحيّ الذي يطلبهم لذاته بالحب ولا يريدهم أن يخافوا منه في شيء. وإنّ وحي الله لا يخضع بالضرورة للعقل بل له "براهين قلبية" قد تخاطب العقل وفي أحيان كثيرة تتجاوز العقل، وهذا الوحي في الإنجيل يريد منا أن ننفتح على عمل الله وأن نحيا بالله ونتحرك ونتواجد به؛ والله هو من يحترم عقولنا ويترك لنا تصريف جميع شؤون حياتنا بما قد تقتضيه الضرورة.

مشكلة الإسلام والتي أدخلته في أزمته الحاضرة تكمن في أنه أقحم نفسه في ما لا يخصه ودس أنفه في أمور العلم التجريبية. ربط الإسلام كرامة العلم بكرامة الدين لأنه أراد أن يقوم على تعجيز غير المسلمين وإثبات أن الإسلام فيه الجواب على كل شيء من اللوغاريتمات حتى الفيزياء الذرية! ويغيب عن بال كثير من المسلمين أن للعلم دائرته وللدين دائرته المختلفة التي يتحرك فيها بحرية، ولا ينبغي أن يقتحم الواحد حيز الآخر. هذا بالطبع أدى إلى محاولة تحجيم العقل والإبداع (ومن ثم مصادرة الكتب والتصدي لحرية الفكر! ووقوف العلوم عند حد معين لا تتخطاه في البلاد الإسلامية ومن ثم جاء كان لا بدّ أن يتوقف الإبداع عند المسلمين فتخلفوا عن ركب الحضارة الإنسانية وصار العالم كله في واد والمسلمين في واد آخر آخر. وماذا يمكن لدين بدائي في تفكيره ومستواه أخرجته قريحة البدو في القرن السابع الميلادي أن يفعل وهو يناطح أصحاب الفكر الحر الحديث وأهل العلوم في القرن الواحد والعشرين؟ والسبب هو تبجح المسلمين في ادّعائهم أنّ كتابهم لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وأحصاها في كتاب مبين، وبهذا حشر نفسه كدين في دوائر لا تخصه كالعلوم التجريبية.

الأديان هي معارف إلهية تبحث في وجود العلة الأولى للوجود أو في المطلق أي في الله وصفاته وكيفية الوصول إليه. من جهة أخرى، الفلسفة تركن إلى المنهج العقلي والبراهين التي ينبغي أن تكون براهين دقيقة محكمة، وشأن الفلسفة هنا شأن العلوم الرياضية والطبيعية وتطبيق الاستقراء والتجريب. الإيمان الغيبي لا يرتكز على الاستقراء أو التجريب، أيًا كان هذا الدين ومسماه. لذلك يرى الأستاذ عبد الرحمن بدوي أن أفلوطين أقرب إلى أن يُدرج بين الصوفية من أن يحسب بين الفلاسفة، على الأقل في أجزاء مذهبه التي يعتمد في تحصيلها على الوجدان أو الذوق أو العيان (راجع كتابه "مدخل جديد إلى الفلسفة"). والأديان، كما يعرف معظمنا، تبحث في علّة العلل ومسبب الأسباب أي الله. هنا الدين، أي دين كان، يستمد تقديراته وعقائده من مصادر خارج العقل وهي الوحي والنبوءة. ولذلك فأي كلام سوف نقوله في الدين هو من باب "التصريحات الإيمانية" ولا نملك الحق أن نقول فيه إنه قياس فلسفي منطقي عقلاني، إذ لكلٍ مجاله ولا يصح أن نقحم أنفسنا وندعي ما ليس لنا فنستغفل عقول الناس. الإيمان يستنير بالعقل ولكنه لا يرتكز على العقل بل كثيرًا ما يتخطاه لأنّ العقل محدود وحدوده هي الحواس. ولكنّ العقل يعوّض عن محدوديته بالخيال، فالخيال هو العنصر الإبداعي في الإنسان والعقل يعمل على جعل "المستحيل" الذي يحلم به الخيال "أمراً ممكنا". الإيمان يقين القلب المطمئن إلى إيمانه والفلسفة يقين العقل الذي يبحث ويجرّب ويشك ويستقرئ. الإيمان هو دعوة إلى الإله الذي نؤمن به والذي قد بلغنا خبره من جيل إلى جيل، إله إبراهيم، إله إسحق، إله يعقوب، إلهنا الحيّ الذي نعرفه عن طريق القلب، لا إله الفلاسفة، الإله المجرد، الخاضع لعقولهم، والقلب له أسبابه والتي لا يعرفها العقل، كما قال باسكال. والإيمان ليس علمًا كالكيمياء والرياضيات بل هو اعتقاد، وهذا الإيمان هو "ما وكر في القلب وصدقه العمل" كما جاء في الحديث. ولذا فالعقل يجب عليه أن يلزم حدوده (بما أن للعقل حدود!) ولا يدعي لنفسه معرفة أمور الإيمان معرفة حقيقية بالعقل. يرى الفيلسوف إدوار لوروا (1870- 1954) أن استنباط وجود الله يساوي إنكاره لأن العقل حين يتكلم عن الله فإنه لا يتناول الله حقًا لأن البرهنة على وجوده معناها إمكان ردّه إلى حقائق أخرى غيره، لها سلطتها بالنسبة إليه؛ ولكن الله إذا قيس بهذا القياس فلن يكون بعدُ هو الله (راجع كتابه Le problème de Dieu- Ed. LeRoy). عندما يحرص المسلم أن يدعي العقل لدينه وأنه يبرهن هذا ويبرهن ذاك في دينه فإنه إنما يختزل الله إلى مجرد تصور كما يراه هو، مفهوم، فكرة من بنات أفكاره تخضع لعقله المحدود. ولكن الله، ومن حيث هو الله، لا يمكن لأي تصور أو مفهوم دقيق العبارة أن يحتويه، والماهية الإلهية لا يمكن حصرها ضمن حدود التعريفات الإنسانية. يبقى اللفظ الإنساني عاجزًا تمام العجز عن أن يعطي وصف دقيق للماهية الإلهية. أقصى ما يقدر عليه المسلم والمسيحي حيال مسائل الإيمان هو إيجاد شواهد ولا نقول أبدًا براهين وأدلة، ولكن ونحن نورد الشواهد فنحن نفترض وجود الله وصحة ما نؤمن به أي أنه إفتراض مسبّق قد قرر النتيجة مسبقًا. إذا، الرغبة في البرهنة على وجود الله أو صحة هذا الدين من سواه أو أنه أولى بالعقل من سواه كما يزعم المسلم لأمرٌ بالغٌ الهزل لأن الله إما هو موجود يا أخي المسلم وعندها لا يمكن البرهنة عليه أو هو غير موجود وهذا أيضًا لا يمكن البرهنة عليه.

إذا طلبنا من مسلم أن يأتي بالبرهان على أن محمدًا نبي من عند الله، فإنّه وكالمعتاد، يستشيط غضبًا وينفث الدخان من أنفه ولربما صاح في وجهنا قائلاً: كيف تتطاول على رسول الله يا كافر! وكل هذا لأنك طالبته بدليل يبرهن على أن محمد رسول من عند الله. وفي أحسن الظروف، قد يتألق المسلم في أحلى حلية من التسامح ويجيبك إجابة يراها أنها المنطق والعقل بعينه فيقول لك: الدليل على أن محمد رسول هو أنه قد جاء بالقرآن. وعندما تسأله وما الدليل على أن القرآن من عند الله يا أخي؟ يجيبك: لأن سيدنا محمد قد جاء به. ونلف وندور في حلقة مفرغة يزعم فيها المسلم أنه أولى بالعقل من المسيحيين وهنا ينطبق المثل: "من يشهد للعروسة سوى أمها". هذا الأمر ليس بجديد بل قد رافق الإسلام منذ نشأته ولذلك قال أبو بكر الرازي واصفًا حال المسلمين الذين يزعمون واهمين أنهم أهل العقل دون سواهم: "إن أهل الشرائع إذا طولبوا بالدليل شتموا" (راجع كتاب أعلام النبوة، أبو حاتم الرازي وأبو بكر الرازي وبتحقيق جورج طرابيشي، دار الساقي). الشرائع تُستنبط بالعقل والوحي ولكنها ليست قائمة على العقل وحده، وإلا فأثبت لي بالعقل وبالدليل والبرهان: أين هي الروح؟ وأين عرش الرحمن؟ وأين هم الملائكة؟ وأين هو الله نفسه؟

ما لديك ولدي لا يتجاوز سوى الاستنباط ولكني لست أولى منك بالعقل كما أنك لست أولى بالعقل مني لمجرد أنك مسلم. أنت تطلب الله الذي يكلمك برسالة القرآن وأنا أطلب الله الذي خاطبني في بشارته الحيّة وكلمته، أي في السيد المسيح. وجه الله نطلب وإياه وحده نعبد.


قال الأخ المسلم لي: إنك لو ذهبت الى رجل بسيط غير متعلم وقلت له كلام من قبيل "هو ذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" أو يسوع الذي سفك دمه من أجلك، يسوع الذي صلب من أجل خطاياك، وغيره من الكلمات الملأى بالعواطف، بالطبع يمكنك التأثير عليه وعلى غيره من البسطاء، بل قد تحمل أغلبهم على الأثر فتغرورق أعينهم بالدموع !

وأنا أقول له إنه إذا مر بك المسيح حمل الله الوديع والمتواضع القلب ولم تتحرك عاطفتك فمن الواضح عندي أنك ميت عاطفيا. تمشي على قدمين ولكنك ميت وتظن أنك حيّ. ترضي الله بأصوامك وصلواتك ولكن قلبك جامد أمام حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم. هل تظن حقًا أن صلابة القلب أمام "حمل الله" الذي يمرّ بك هي العقلانية ونحن لا ندري؟ هل صلابة القلب قد جعلت منك آينشتاين أو كانط؟ ربما تنقصك بعض الرحمة الموجودة عند ال*****، أقصد رأفة القلب والتي تحدث عنها قرآنك لما قال: "ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون... وترى أعينهم تفيض من الدمع”.... كان القرآن يسجل واقعاً لا ينكره أحد وهو واقع النساك والرهبان الذين كانوا في حالة وداعة ومحبة ورأفة ويصادقون كل الكائنات من أسود وطيور وحيات، ولا عداء في داخلهم تجاه أي من مخلوقات الله. ما يظهر لك على أنه ضعف يا أخي المسلم هو القوة بعينها وهو العقل بعينه فلا تنخدعن بما قد التبس على رؤيتك وهي رؤية ضبابية جعلتك ترى الرأفة والرحمة والوداعة التي للحمل ابن الله وكأنّها علامات من سمات الضعف.

عندما يبذل المسيح ذاته لأجلك ويتخطى كل ما تعرفه عن التصرف العقلاني فاعلم أن المحبة هنا تتجاوز العقل والمعقول وتريد أن تنقلك نقلة نوعيّة حتّى تصبح قادراً بدورك على أن تحب بشكل يفوق العقل. المحبة لا تخضع لنواميس الطبيعة وعادات المجتمع، المحبّة لا تستجيب لقواعد المنطق ولا تخضع لقوانين العقل، والدليل خير بدهان، فمجتمعنا ممتلئ بعظيم الأعمال التي قام بها أشخاص بسطاء لم يدفعهم إلى تحدي الصعاب وتحقيق المستحيل سوى المحبّة التي ملأت قلوبهم، فالذي يحبّ يبذل ذاته طوعاً وبملد إرادته في سبيل أحبائه. وهذا ما قام به السيد المسيح الذي قال: "ليس لأحد حبٌ أعظم من هذا: أن يبذل الإنسان نفسه من أجل أحبائه”. ما حاجتي لإله طرقه تخضع لعقلي ويحتويها عقلي؟ يقدم لنا الإسلام إله يخضع لعقل المسلم وتبريراته (أو هكذا يظن المسلم واهمًا) ولكن الإله في المسيحية يتخطى كل ما يعرفه الإنسان ويتجاوز عقله تمامًا. فالإنجيل وإنْ قال لنا إن الله أبٌ فهذا لا يعني أن أبوته على مستوانا البشري الساقط الأناني بل هي أبوة من نوعٍ آخر تمامًا فيها الأب هنا يبذل ابنه الذي يقدم ذاته للخليقة دون أن ينتظر منها شيئاً بالمقابل غير أن تبادله حبّاً بحبّ. من فينا نحن الآباء البشريين يفعل هذا؟ فالإنجيل يستخدم فكرة الأبوة من باب "الصورة" ويطورها ويستخرج لنا منها حقيقة الله الكلي الحب والذي يقتضي حبه أن يتنازل ويأخذ طبيعتنا الإنسانية كيما نلبس نحن ما له ونتلامس مع عمق أعماق الله. المسيح لم يفعل هذه الأمور في محبته اللامتناهية اعتباطًا وإنما فعلها لأجلك أنت لأنك أنت كنت في بال الله منذ البدء عندما خلق الخليقة. ما أسهل إلقاء الأوامر والنواهي ووضع الأحكام الفقهية الشرعية ولكن ما أعظمه من إله عندما يدخل غمار معاناتك البشرية كإنسان ويدعك تلامس إنسانيته هو فتتقدس إنسانيتك فيه. هذا هو منطق الحب والذي يغلب كل عاطفة ويتجاوز كل عقل ويتفانى حتى بذل الذات لأجل الآخر لأن الحب ليس عاطفة عابرة ومشاعر رومانسية سرعان ما تتبخر، بل إنّه الحبّ الحقيقي الأصيل يتجسّد أفعال وتضحيات وتقديم النفس في سبيل الآخر حبّاً به.

يكفيك يا أخي، حتى تحكم على المسيحية حكمًا عادلاً، أن تقرأ عظة المسيح على الجبل (متى ٥ – ٧) والتي فيها يتجلى الرقي الإنساني خير تجلّي إذ أنها تحوي خلاصة الكمال البشري الذي ما بعده كمال. اضمن لي مجتمع يعيش بحسب تعاليم المسيح الواردة في هذه الموعظة وأنا أضمن لك مجتمعاً إنسانيّاً متفانٍياً في إنسانيته. اقرأ وتدبر معي ما جاء في إنجيل متى الفصل الخامس:
5 فلمَّا رأَى الجُموع، صَعِدَ الجَبَلَ وَجَلَسَ، فدَنا إِلَيه تَلاميذُه 2فشَرَعَ يُعَلِّمُهم قال: 3طوبى لِفُقراءِ الرُّوح فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات. 4طوبى لِلوُدَعاء فإِنَّهم يرِثونَ الأَرض. 5طوبى لِلْمَحزُونين، فإِنَّهم يُعَزَّون. 6طوبى لِلْجياعِ والعِطاشِ إِلى البِرّ فإِنَّهم يُشبَعون. 7طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون. 8طوبى لأَطهارِ القُلوب فإِنَّهم يُشاهِدونَ الله. 9طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام فإِنَّهم أَبناءَ اللهِ يُدعَون. 10طوبى لِلمُضطَهَدينَ على البِرّ فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات. 11طوبى لكم، إِذا شَتَموكم واضْطَهدوكم وافْتَرَوْا علَيكم كُلَّ كَذِبٍ مِن أَجلي، 12اِفَرحوا وابْتَهِجوا: إِنَّ أَجرَكم في السَّمَواتِ عظيم، فهكذا اضْطَهدوا الأَنبِياءَ مِن قَبْلِكم.

هل بعد قراءة هذا الكلام العذب ما زلت تصر على اتهام المسيحية بأنها دين العاطفة وأن دينك وحده هو دين العقل؟! رجاء اقرأ الموعظة كاملة في إنجيل متى من الفصل الخامس وحتى السابع لتعرف عن أية مسيحية يقول الفيلسوف والمفكر رينان: "هذه هي الديانة الأبدية. وإذا كان في الأجرام السماوية أجرام مأهولة فإن ديانتهم لا تكون أرقى منها مهما بلغوا من الارتقاء في سلم الكمال". هذا الفيلسوف الذي رغم أنه ترك المسيحية وصار لادينيًا ولكن هذا لم يمنعه من قول الحق بشأنها. وأقرأ أيضا ما قاله شاتوبريان في كتابه "روح المسيحية" يقيم فيه الحجة على المصدر الإلهي للمسيحية فقال: "هل يمكن أن يصدر من البشر الضعفاء كمال كهذا الكمال؟!"

__________________

(من يُقبل اليَّ لا أُخرجه خارجاً )( يو6: 37)
(حينئذ يسلمونكم إلى ضيق و يقتلوكم و تكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل إسمي)
( مت 24:10 )
مسيحيو الشرق لأجل المسيح

http://mechristian.wordpress.com/
http://ibrahim-al-copti.blogspot.com/
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح

الإنتقال السريع

مواضيع مشابهة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
الكتاب المقدس رفيق رحلتي من الإسلام للمسيحية الحمامة الحسنة المنتدى العام 0 25-03-2012 03:04 PM
هذا ليس الإسلام الحقيقي emad62 المنتدى العام 2 11-10-2011 02:44 PM
مفارقات بين الإسلام والمسيحية - حلقات متتابعة الحمامة الحسنة المنتدى العام 4 17-06-2011 12:02 PM
إيران 30 عاما من الثورة ... 30% من الملحدين makakola المنتدى العام 0 31-03-2011 04:46 AM


جميع الأوقات بتوقيت امريكا. الساعة الآن » 05:12 PM.


Powered by: vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

تـعـريب » منتدي الاقباط