بس.. كفاية بث

[abomeret]

بس.. كفاية بث

بقلم د. لميس جابر ٢٣/٢/٢٠٠٨
«كفاية قوي عليكم كده» هذا هو شعار الحكومة الجديد والمعروف بوثيقة البث الفضائي.. والحقيقة أنا برضه استغربت إزاي الحكومة تستحمل كل ده، من غير ما تفوق لنفسها وترجع للخلف، حيث القواعد والأصول والتقاليد، والأدب اللي فضلوه علي العلم والمعرفة والتنوير..

وتصرخ بأعلي صوتها قائلة: «بس.. كفاية بث»، ومصدر استغرابي أنني واثقة من أن الحكومة لم تغير فكرها ولا رأيها في الشعب المصري القاصر المتخلف عقلياً ولا تتخيل أنه كبر ونضج وأصبح قادراً علي فرز الغث من الثمين، و تصديق الأخبار المنطقية ورفض الكلام الفارغ، وأن له من الذوق ما يسمح بقبول الفن المحترم ورفض الهايف والتافه،

وأن حوار الشعب التعبان في الأتوبيسات حول السياسة والبلد، أبلغ من كل رغي وكلام الوزراء والخفراء في التليفزيون المصري وجرايد الحكومة، وهي أيضا تري أن الشعب المصري المكافح الهفتان الجعان اللي واقف في طوابير استخراج البطاقة الذكية لمسافة كيلو متر ونصف الكيلو، من أجل شوية زيت مزرنخ وسكر بالتراب وشاي بالنشارة وأرز ما بيستويش، هذا الشعب المطحون سوف يترك طابور البطاقة الذكية وطابور العيش وطابور الميني باص ومترو الأنفاق،

ويقعد في بيته قدام الدش يلف علي الفضائيات بالريموت كونترول فضائية فضائية، ويسمع كلام ما يصحش اللي قده يسمعه، ويفتح عينيه اللي لسه مغمضة علي حال بلاده وحال العرب وحال العالم، وطبعا الحكومة واثقة من هذا بعدما كبرت اليوم وبدل ما يبقي أربعة وعشرين ساعة عملته تمانية وأربعين ساعة منها أربعة وعشرين ضايعة في المواصلات والزحمة والشحططة وإتناشر ساعة طوابير وإتناشر ساعة شغل وأكل ونوم ومشاكل العيال والزوجة والأم والأب والدروس الخصوصية، وطبعا لم تعلم الحكومة حتي الآن بأمر وصلات الدش أم خمسة جنيه في الشهر،

والتي تبث باقة من قنوات الأفلام والمسلسلات والكورة فقط، أما الأخبار والجزيرة والذي منه فليس له لازمة عند عموم الشعب المصري الذي يئس من التغيير والإصلاح، وانكب علي قوت يومه والمسلسل وكفاية، وهذه الوثيقة الإعلامية معناها واضح وهو عودة الرقابة مرة أخري،

وتحجيم البرامج الحوارية الجريئة في المحور ودريم وأوربت، بعدما فرضت وزارة الإعلام سطوتها علي البرنامج المصري اليتيم «البيت بيتك»، حتي حولته إلي برنامج رسمي يتحدث في حدود المسموح من السيد الوزير، سواء في اختيار الضيوف أو في تحديد الأسئلة وطرح الموضوعات، وقدامه شوية صغيرة ويتحول إلي بوق من أبواق الحكومة ويادار ما دخلك شر..

رغم أنه في بداياته كان علي وشك أن يسحب البساط من تحت أقوي البرامج الحوارية في الفضائيات الأخري، وأصبح حديث الناس ومحور اهتمامهم في الجرأة والحرية، خاصة وهو يذاع علي قناة أرضية، أما الآن فالجميع يشاهده من أجل يوم الشكاوي العظيم، وبعض الفنانين والسلامو عليكم، وبما أن مصائب قوم عند قوم فوائد فالنتيجة المتوقعة بعد رفض «قطر»

وتحفظ بعض الدول الأخري هي تكميم كل البرامج السياسية الجريئة لتبقي الجزيرة علي الساحة بمفردها تمرح وتبلبط كل شوية في الميه، وتخطف جماهير كل الشعوب الموافقة علي الوثيقة، وأما المثقفون وأصحاب اللغة الإنجليزية المعقولة فسوف يعودون أدراجهم إلي «C.N.N» لمعرفة ما يدور علي حقيقته،

رغم أن الحقيقة في الجزيرة والـ «C.N.N» لها ألف وجه ووجه، وستكون النتيجة أن هاتين القناتين سوف تتحكمان في كل أخبار المنطقة رأيا وفكرا بلا منافس، وأنا شخصيا بما أني باحب الراديو ها أرجع زي أيام الستينيات وأسمع إذاعة لندن والـ «B.B.C» وأعرف منهما الأخبار والآراء التي سوف تتواري بفعل الوثيقة العبقرية.

وبما أن هذه الوثيقة تحتمل كل التفسيرات والقرارات وكل بلد حسب مزاجه وظروفه فستكون المصيبة السوداء أن القنوات الدينية التي تتحدث عن الجن والعفاريت وتفسير الأحلام وقتل النمل وحبس القطط والمسموح من كعب المرأة ومناخير الفتاة، هذه القنوات سوف تفلت من حظر الوثيقة وتلعلع وتنزل لنا إعلاناتها من نوعية «شربة عم محمود تنزل الدود»

و«الشبت المهروس لعلاج الفيروس»، وها نهيص وكذلك القنوات إياها بتاعة روبي وهيفا ومروة، وأشهرها قناة ميلودي التي تتحدي الأدب والذوق والأخلاق فستظل حرة تماما، واحتمال تفقس مع الأيام عددا كبيرا من القنوات الصغيرة من باب ملء الفرغ، وما حدش يقول لي إن تهديد السيد الوزير بغلق هذه القنوات سوف يتم لأن كل ما بيده هو إلغاؤها من علي «النايل سات» فقط، وبما أن الساتات كثيرة يبقي بلاها النيل سات ومافيش أي مشكلة.

وتهنئة خاصة لإخواننا الصحفيين المشاغبين أصحاب صحف المعارضة، فسوف يزيد التوزيع أضعافا وربنا هايرزقهم من وسع، لأن كل الأصوات المعارضة علي الشاشات سوف تصمت، والجرائد أولي وحتي لو زودوها مش مشكلة، لأنهم خلاص بقوا كلهم من أصحاب السوابق ورجلهم أخذت علي مشاوير النيابة ولقاء القضاة، ومبروك علي الحكومة خطوة العودة إلي الوراء خمسين عاما، وإن كانت هذه العودة هي محض خيال في عقول صانعيها،

الذين يتخيلون أنه في هذا العصر حيث الأقمار الصناعية تجوب الفضاء مثل الذباب والإنترنت أصبحت لها صحف وإذاعات وتبث الكليبات والفضائح والأخبار والمسلسلات والأفلام ويتخيلون أن الرقابة ممكنة.. ياسبحان الله.
http://www.almasry-alyoum.com/articl...rticleID=94773