|
المنتدى العام يهتم هذا القسم بالأخبار العامه |
|
خيارات الموضوع | طريقة العرض |
#1
|
|||
|
|||
الدين والسياسة
الحوار المتمدن - العدد: 3373 - 2011 / 5 / 22 المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع الدين والسياسة إن الخوض في موضوع الدين والسياسة دون التحرك في مساحة مناسبة من حرية القول والتحليل وإبداء وجهات النظر يجعل من الأمر مجرد إعطاء تبريرات لما نعتقد بأنه صحيح ونحيط ذلك بهالة من النصوص التي لا يُسمح بتخطيها وفق المنظور الديني السائد. من الواضح أن كل حركة تنظيمية سياسية تحتاج إلى عناصر عدة لأجل أن تتطور وتواكب وتستمر، ومنها؛ 1- فهم أيديولوجية الحركة ذاتها بشكل سليم واستيعاب الأساسيات بوضوح والنأي عن الحفظ والتلقين أو الاقتناع والإقناع القسريين. 2- نبذ أحادية الدراسة والبحث والانفتاح على الأيديولوجيات الأخرى ( على الأقل تلك المتواجدة في المحيط الأقرب)، من أجل: - معرفة نمط تفكير الصديق أو الخصم، وعلى ماذا تستند تنظيماته من الجانب الفكري، وما هي أهدافه الستراتيجية والتكتيكية. - تنشيط بحث مقارن مع تلك الأيديولوجيات لاكتشاف بؤر القوة والضعف . - السعي الدائب لإضافة الجوانب الإيجابية التي يفرزها العمل أو الصراع ، أو تلك الموجودة لدى الآخرين سيما تلك التي لا تتعارض مع الأساسيات الفكرية. - العمل على تأجيل أو إهمال الجوانب غير الملائمة أو التي أصبح من غير المقبول التعاطي معها، والتي تبرز من خلال الممارسة والإطلاع والمقارنة والمقايسة. - عقد مجالس فكرية دورية لإعادة تقييم الأيديولوجية. وخلاف ذلك فإن التنظيم المنعزل والمنغلق سيتجه نحو التفكك والجمود العقائدي أو التطرف. وقد عرًف (ميلتون روكيش) الصرامة العقلية بـ:" عدم قدرة الشخص على تغيير جهازه الفكري الواقعي عندما تتطلب الشروط الموضوعية ذلك، وعدم القدرة على إعادة ترتيب أو تركيب حقل ما تتواجد فيه عدة حلول لمشكلة واحدة وذلك بهدف حل هذه المشكلة بفاعلية أكبر"(1) ظهور الإسلام لقد ظهرت في شبه جزيرة العرب وما يجاورها، قبل الإسلام دعوات دينية عدة قام بها أنبياء ومصلحون اجتماعيون أو مفكرون ميتافيزيقيون، ومن أبرزهم: قس بن ساعدة الأيادي، مسيلمة، أوس بن حجر، ورقة بن نوفل، عمر بن كلثوم، أمية بن الصلت، أكثم بن صيفي، زيد بن عامر بن نفيل، عبيد الله بن جحش، عثمان بن الحويرث.. وبعد الدعوة بفترة قصيرة ظهرت سجاح وآخرون أغفلهم التاريخ أو لم يعلن عنهم بعد وقد قالوا شعراً أو نثراً يتطابق مع عدد من الآيات القرآنية. ولقد توصل عدد منهم إلى تشكيل تصورات عن الحياة والموت وما قبلهما وما بعدهما. ولأن الظروف الموضوعية والذاتية لحياة الجزيرة لم تتطور بعد لتكون مؤهلة لتشكيل تيار أو دين قوي شمولي لكل العرب، لم يتقبل أو يتشيع لأفكارهم إلاّ قلة من الحضر وأشباههم. فدخلت الروايات عنهم والبعض القليل من أفكارهم وأقوالهم وأشعارهم في الحكايات والأساطير، وثانياً أنهم كانوا مبشرين ولكن من دون برنامج تنظيمي أو مستقبلي، فجرى تجاهلهم بعد رحيلهم. وعاش فريق من هؤلاء المبشرين في الفترة التي سبقت الإسلام أو أبانها وكانوا يدعون بالحنفاء أو الموحدين,ومنهم زيد بن عامر بن نفيل وورقة بن نوفل وعبد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وامية بن أبي الصلت وقس بن ساعدة. وليس بين هؤلاء من دخل الإسلام سوى عبد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث، اللذين عادا فخرجا منه في وقت لاحق.(2) ويستثنى منهم مسيلمة وسجاح اللذان أسسا دينين ثم توحدا بقيادة مسيلمة(ومسيلمة من بني حذيفة في اليمامة واسمه مسلمة وصغر المسلمون اسمه للتحقير، أما سجاح بنت الحارث بن الأسود فهي من تميم القاطنين في منطقة الجزيرة التابعة للموصل، أعلنت نبوتها بعد وفاة محمد). الدعوة للإسلام ابتدأت سرية اقتصرت على العلاقات العائلية والشخصية. ولكن بعد ثلاث سنوات من الجهد المثابر لمحمد توسعت المجموعة بعد أن انضم إليها ستون بينهم عشر نساء. ومع ذلك فقد أصاب محمد اليأس من استمالة الشخصيات المتنفذة في مكة وخاصة القريشيين منهم. التطور الأعظم الذي خدم الحركة ، وربما لولاه لما نجحت بالصورة التي آلت إليها، هو إيمان مجموعة من حجاج يثرب ليؤسسوا النقلة النوعية في الدعوة ومن ثم ، بعد الهجرة إليها، مقاماً حراً للحركة. بعد خضوع يثرب له، تحول النبي من داعية ديني إلى قائد سياسي ومن ثم عسكري. وبدأ التحرش بقريش وشريانها المصيري، التجارة وقوافل التجارة، وهو نقلة نحو المواجهة العسكرية.وقد خدمت المعارك ضد قريش الحركة من عدة نواح منها: - قوضت هيبة قريش المادية والروحية. - استمالت كل من له غضاضة أو كره أو عداء لقريش. - التدريب على أشكال متعددة من المواجهة العسكرية. - تقوية إمكانات الحركة اقتصادياً من خلال الاستيلاء على قوافل التجارة. - المنهج السياسي في يثرب واجهت النبي محمد مشكلة صعبة وهي ازدواجية ولاء أهلها بين القبيلة والإسلام (أي لمحمد)، على عكس الأنصار الذين انقطعت علاقتهم القبلية وصار انتماءهم الوحيد لمحمد. وقد سبب ذلك الأمر عدد من الإشكالات نجح محمد بحلها بطريقة بلاغية ذكية. ورغم أن رسالة محمد هي للعرب جميعاً، أي رسالة توحيد، إلا أن العرب لم يكونوا يوماً موحدين، بل شعوباً وقبائل يتكلمون لغات ولهجات عدة، لم يجمعهم سوى الكعبة الموجودة في مكة والتي ضمت آلهتهم، والتجارة التي برع فيها القريشيون على وجه الخصوص وهو ما جعل مكة مركزاً تجارياً واقتصادياً ودينياً. وكانت تلك الكعبة بسبب موقعها في المركز التجاري الأهم، أصبحت أميز الكعبات التي يتجاوز تعدادها في ذلك الزمان، حسب المصادر المتعددة بين 21 و 23، وربما أكثر. وبسبب ذلك التفكك الذي يصل إلى حد العداوة والاحتراب بين القبائل، عمد النبي إلى تأسيس عصبة من عشرة رجال من ذوي الشأن الكبير في قبائلهم القريشية، التي كانت تهيمن على المعبد والمؤسسات الخدمية للقوافل المارة وجباية الضرائب وقيادة الشرطة التي تحمي الأمن في مكة وهم: - أبو بكر وطلحة ؛ من تيم. - عمر وسعيد بن زيد؛ من عدي. - عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص؛ من زهرة. - علي؛ من هاشم. - عثمان؛ من أمية. - الزبير؛ من أسد. - عبيدة؛ من فهر. (3) وفي بدء الدعوة كثيرا ما حاول محمد استخدام السياسة حين تضطر الحال إليها مع الخصوم وإعطاء بعض التنازلات من قبيل؛ جعل بيت أبي سفيان، قائد قريش والعدو رقم واحد، ملاذاً آمناً حين دخل جيشه إلى مكة، وكذلك ما حصل مع سورة " الغرانيق العلا" التي كانت بالنص الآتي كما يذكر بعض المؤرخين؛" واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فإنهن الغرانيق العلا وأن شفاعتهن لترتجى."(4) وكذلك الإبقاء على طقوس الحج وتقديس الحجر الأسود وإعطاء المؤلفة قلوبهم من مال الزكاة(5) وهم كفار، وحين حل بالمدينة (يثرب) سعى لاستمالة اليهود ودفعهم للإيمان بدين الإسلام بتثبيت تاريخهم والتأكيد على موسى نبيهم واعتبار التوراة كتاباً منزلاً وصيام عاشورا..الخ(6)، وكذا فعل لاستمالة ال***** باعتبار عيسى ولد من روح الله وكذلك تقديس مريم،وَاَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنهَا آيَة لِلْعَالَمِينَ"(الأنبياء 91) ،" وَمَرْيَم ابْنَة عِمْرَان الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ "(التحريم 12)، " وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَة يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه اِصْطَفَاك وَطَهَّرَك وَاصْطَفَاك عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ "( آل عمران 42) وسورة أصحاب الفيل..الخ. ولم تكن تلك التنازلات إلا سياسية مؤقتة جرى التنصل عن بعضها لاحقاً. وبعد أن انخرطت قريش وباقي الأعراب في الدين الجديد أصبحت القدرة العسكرية والاقتصادية والتحكم في طرق التجارة كبيرة وفوق التصور. وهنا نجد من البديهي أن يتحرك سؤال هام وهو: ماذا بعد؟ في الفترة السابقة كان هناك نوع من تقاسم السوق التجاري والتعايش السلمي وعدم الاعتداء على حقوق كبار التجار بغض النظر عن انتمائهم الديني أو ألمناطقي أو القبلي، إضافة إلى العلاقات الدينية المتشابكة لدى القبائل العربية، ولكن بعد تلك التطورات السريعة والخطيرة أصبحت تلك العلاقات تخضع لقرارات الدين الجديد. تصفية الخصوم منذ بداية استقوائه عمد الفكر الإسلامي على إلغاء الآخر. وهذا ما تم مع جميع المعارضين أو حتى المحايدين : من مثل الحنفاء والموحدين والمانويين وغيرهم. وبدأ التحرش بمعتنقي الديانات الأخرى مثل المسيحية واليهودية في المدينة وما يجاورها، في حين تأجل الصراع مع مسيلمة الذي سيطر على بلاد اليمن والخليج. وتم القضاء على الديانتين اليهودية والمسيحية في الجزيرة بالعنف إلا من والى، حتى لم يبق منهم إلا شتات لا تأثير لهم. توسعت رقعة النفوذ وعظمت قوة الجيش الذي تمرس بالقتال في المعارك مع سكان شبه الجزيرة وصار قوة لا يستهان بها. فقد خاض ما يقارب الثلاثين غزوة وعدد من السرايا التي لم يشترك فيها النبي محمد والتي اختلف مصادر التاريخ في تعدادها ( 38 أو 40 أو 70 سرية). أما الغزوات فهي: 1- غزوة الأيواء أو غزوة ودان 2- غزوة بواط من ناحية رضوي. 3- غزوة العشيرة. 4- بدر الأولى. 5- بدر العظمى. 6- غزوة بني سليم 7- غزوة السويق 8- غزوة الفرع من بحران 9- غزوة أحد. 10- غزوة الرجيع 11- غزوة بني النضير. 12- غزوة بني لحيان. 13- غزوة ذي الرقاع 14- غزوة بدر الآخرة 15- غزوة دومة الجندل. 16- غزوة الخندق أو الأحزاب. 17- غزوة بني قريظة. 18- غزوة ذو قَرَد. 19- غزوة بني المصطلك من خزاعة. 20- غزوة الحديبية. 21- غزوة خيبر. 22- غزوة مؤتة. 23- غزوة ذات السلاسل. 24- غزوة الفتح الأعظم 25- غزوة هوازن يوم حنين . 26- غزوة أوطاس. 27- غزوة الطائف. 28- غزوة تبوك. وهي آخر غزوة غزاها النبي محمد (7) كما توجه الجيش بعد وفاة النبي لمحاربة مسيلمة وتم القضاء على دينه بنفس الطريقة العنفية ، ولم تذكر لنا كتب التاريخ والسير السابقة ما حل بالحنفيين والمانويين والمغتسلة ...الخ. غزو البلدان المتاخمة ولكن جيشاً بهذا الحجم دون عمل يشغله أو موارد لمعيشته لا يشكل فقط عبئاً على القيادة، بل مصدر خطر كبير على السلطة السياسية، والعرب لم تكن لديهم حضارة حوار وجدال، بل كان السيف هو الحكم المفضل في حسم النزاعات. والدين لم يزل لم يسيطر على عقول الناس في جانبه الروحي لأن الرجال كانوا منشغلين في الغزو وجمع الثروات ولم يكن عدد المتمكنين من الدين الجديد يكفي لهذه الجموع الهائلة. فالصلاة والصوم ودفع الزكاة وحدها لا تكفي دون سماع النصوص القرآنية وفهمها لأنها كتبت بلهجة سادة قريش ولغتها صعبة على فهم البدو والبسطاء من عامة الناس، لاحتوائها على مفردات ومصطلحات وحكم لا يعرفون معناها ومغزاها دون شرح من المتمكنين من اللغة القرآنية ودراية بأصول الدين ومعرفة بلهجات العرب. كانت الإمبراطوريات المتاخمة في مرحلة الانحلال والصراع الداخلي الذي ينخرها ويضعف قدرتها الدفاعية. وكما حصل على مر العصور إذ تكون هذه المناطق الغنية مطمع سهل للأمم الناهضة تواً والتي تمتلك جيشاً متحمساً للغزو والقتال. إضافة لأسباب أخرى لم يجر تأكيدها بقوة، من مثل أن شعوب تلك البلدان كانت تعاني من الفقر والظلم وثقل الضرائب، وكذلك كان العراق والشام تحت الاحتلال الأجنبي مما جعل مواطنيهما يتهربون من الانخراط في جيوش السلطة، لأنهم لا يكسبون سوى الموت في سبيل سلطة أجنبية، لذا قامت بمساعدة الجيوش الغازية الجديدة على أمل أن يكون الحكام الجدد أهون من الذين سبقوا. كما أن جيوش تلك الإمبراطوريات بعد فترة من الاستقرار أصبحت غير مؤهلة لخوض الحرب من جانب وليست لديها القدرة على تجنيد الناس لضعف السلطة المركزية وتفككها وانشغال القادة بأملاكهم وثرواتهم ومؤامراته الداخلية من الجانب الآخر، وكذلك انعدام المغريات المادية. أما الجيش الجديد فموعود بغزو العراق والشام ومصر بلاد الثراء الأسطوري والذهب والنساء اللواتي يخلبن الألباب الذي سيجنيهما إن توجه للحرب. فإن مات فهو صاعد إلى الجنة والتمتع بما فيها وإن انتصر فهو رابح الثراء والسعادة الدنيوية. وحصل الغزو وقتل عدد كبير من الرجال من ناس البلدان المغزوة وهرب قسم آخر، وسيق بالنساء والأطفال سبايا ونهبت الممتلكات وأفرغت خزائن القصور ودور العبادة وهدمت معظمها بالضبط كما فعل البعث في غزو إيران والكويت. وكانت شروط التعايش مع الجيش الغازي صارمة وأولها الرضوخ للقرارات الأساسية الثلاث: - الدخول في الإسلام - أو دفع الجزية ( بالنسبة لأهل الكتاب) - الموت (لغير أهل الكتاب ممن يرفض دخول الإسلام) أما الشروط الأخرى فمنها: - منع أصحاب الديانات السماوية من التبشير لكسب أعضاء جدد - إعدام كل من يرجع عن دينه الجديد(الإسلام) إلى دينه القديم - تعلم اللغة العربية وحفظ القرآن - عدم ركوب الخيول والجمال - دفع الجزية بخنوع وتذلل ( وهم صاغرون) - هدم جميع دور العبادة بالنسبة لغير أصحاب الكتاب(وكما تذكر مصادر التاريخ أن في بابل وحدها كان هناك 60 كنيس مانوي) - منع إعادة بناء أي دار للعبادة ( لأهل الكتاب) بعد هدمها أو انهدامها "أمثلة سريعة لبعض بنود عقد الذمة العمري( المقصود عمر بن الخطاب) مع مسيحي فلسطين : أن يكون لهم زياً خاصا ً حتى لا يتشبهوا بالمسلمين و حتى يعرفهم المسلمون من زيهم ، مع شد زنار على أوساطهم ، و ألا يعلوا ببنيانهم أعلى من المسلمين ، و لا يسمعونا صوت نواقيسهم ، و لا تلاوة كتبهم و لا قولهم في المسيح ، و لا يجاهرون بالخمر و الصلبان و الخنازير ، و أن يدفنوا موتاهم بعيداً عن مقابر المسلمين و لا يرفعوا أصواتهم على موتاهم ، و يمنعوا من ركوب الخيل لأنه مركب كريم شريف ، و يسمح لهم بركوب الحمير دون برذعة إنما على الأكف ( الليف الخشن ) و يكون الركوب من جانب واحد ، فإن صادف مسلماً ماشياً عليه النزول عن حماره و اللجوء إلى أضيق الطريق ليفسحه للمسلم ..... إلخ .... ألخ ".(8) وتلك هي القوانين التي طبقت على بلد تم احتلاله من قبل خليفة المسلمين الملقب بالعادل وعلى أهل الكتاب من المسيحيين. عصر الخلافة إن الحركات الدينية والدنيوية لا تظل موحدة كما كانت عليه قبل موت صاحبها(مؤسسها)، إذ سرعان ما يبدأ القادة المقربون من القائد بالتفسير والتأويل بسبب غياب المرجعية. ويكون الصراع بين فريقين أو أكثر أحدهما أصولي نصي والثاني مجدد منفتح وغيره محايد أو متفرج أو منتظر رجحان كفة لينحاز. وحينما يصل الصراع إلى طرق مغلقة، يبدأ الافتراق وربما يؤدي إلى الاحتراب. وهذا ما حصل في اليوم الأول لوفاة النبي، وربما قبل إعلان وفاته. ورغم حسم أمر قيادة المسلمين بسرعة مذهلة وضعت حداً قاطعاً أمام أي انشقاق،(9) فإن ذلك الحل لم يرض الجميع، ولكن تم القبول به على مضض، وهو ما سبب أحد العوامل الرئيسة في الافتراقات التي حصلت بعد زمن قصير. ومن المؤكد أن اختلافاً حصل في تسمية قائد المسلمين: ملك، إمبراطور، قائد، سيد، أمير...الخ وكان الحل ذكياً حين جاء بصفة "خليفة النبي". ومن بعد ذلك خليفة خليفة النبي، ثم جاءت صفة "خليفة المسلمين" وهي تسمية غير دقيقة، لأن المسلمين لم يتوفوا ليخلفهم أحد، والخلف يأتي بعد السلف! وبما أن النبي محمد أسس ديناً لا دولة، فلم يسع خلفاؤه أيضاً بتشكيل الدولة، وإنما أخذ دورهم شكل رئيس القبيلة الكبرى، الإسلام. لذا جاء الحكم فردياً، وهذا لا يتعارض مع وجود مستشارين. ولم تظهر مقومات الدولة رغم تراكم رأس المال (من مال منقول وثابت مثل أراضي وبساتين وعبيد وحيوانات...الخ) مم تم الاستيلاء عليه في الغزوات والحروب داخل وخارج الجزيرة، إذ لم تكن هناك تقاليد إدارية سابقة. وانشغل عامة الناس وعدد كبير من القادة بالغزو والغنائم ونشر الدين وهذا ما طور تفكيرهم من الناحيتين المادية والعسكرية. في حكم الخليفة الثالث حصلت أمور هامة وأخرى خطيرة أدت لانقسامات في الولاءات: فعثمان اصطفى من بين عائلته قادة وحكام للأمصار والمهام الكبرى. وفي زمانه تم جمع نسخ القرآن في كتاب واحد، محرماً تداول نسخة أخرى من القرآن من تلك النسخ الموجودة لدى كتّاب الوحي العديدين، وكانت لدى علي بن أبي طالب نسخة هامة باعتباره ليس كاتب وحي فحسب، بل كان ربيبه ولصيقه وزوج ابنته الأثيرة فاطمة. في مرحلة الخليفة الرابع علي، دخل المسلمون في حالة من الانشقاق الخطير الذي نتجت عنه حرب بين أقرب الناس للنبي، ثم توالت الحروب الأخرى. وقد حصدت تلك الحروب الإسلامية - الإسلامية، كما يذكر ابن أبي حديد في كتابه "شرح نهج البلاغة" أكثر من مائتي ألف ( 230) ألف. والأسباب الأخرى التي أعاقت قيام دولة في العهد الأول هو عدم وجود دولة سابقة في ربوع جزيرة العرب للحلول محلها وكذلك لم تكن لدى القادة الأوائل صورة عن نوع الدولة التي ينبغي إقامتها، وثالثاً لم تظهر بوادر فصل الدين عن السلطة، ورابعاً التطورات السريعة والتوسع الهائل والانشغال بجمع الغنائم وتوزيعها وفرض الحكم العسكري على المناطق التي تم غزوها لم تعطهم فرصة لالتقاط الأنفاس ومن بعدها انشغالهم بالحروب الداخلية..الخ. انتقال مقر الخلافة إن نقل علي لمقر خلافته إلى الكوفة لم يأت بسبب موالاة أهل تلك المدينة له ووقوفهم بالضد من معاوية فحسب، بل هناك أسباب أخرى منها: أنه كان يتبنى بعض الأفكار المشاعية ويظهر انحيازاً واضحاً لصالح العامة بالضد من أثرياء قريش الذين تبوأوا مواقع قيادية كبيرة، والسبب الآخر هو كره أغلب العوائل القريشية له، لقتله عدد كبير من قادتها وسادتها في الحروب الأولى للإسلام، كما أن شعب العراق متحضر وله تقاليد حكم عريقة. وفي هذا البلد والشام ومصر توجد تقاليد متوارثة لدول حضارية راقية. وهذا ما استفاد منه معاوية وعمر بن العاص في تأسيس دوليتيهما.ولم يستطع علي، بسبب انشغاله بالحروب، من إيجاد وقت للاستقرار السياسي ليبدأ بتأسيس دولته، فانتهى عصره بمقتله. الدولة الإسلامية تأسست بوادر الدولة الإسلامية بعد حسم الصراع لصالح معاوية وبدء مرحلة من الاستقرار السياسي في العراق ومصر ومكة. وبدأت إجراءات فصل الدين عن الدولة تسري بالتدريج عن طريق منح مسؤولية الشؤون الدينية والقضاء إلى متخصص وتجريده من السلطة التنفيذية؛ فقط شؤون تشريعية في الأمور الاجتماعية والعائلية وهي التي تتضمن الأحكام الخمس: الحلال والحرام والجائز والمندوب والمكروه.(10) وكذلك جرى استبدال صفة الخليفة بالأمير:" أمير المؤمنين" وهي تعكس جانباً دنيوياً وليس روحياً. وأخذت بوادر الانفصال تتوضح أكثر وسلطة الدولة الدنيوية تتقوى بعد استلام يزيد الحكم من أبيه ببيعة اتسمت بالدهاء والمكر. وتتوج الانفصال التام بين الدين والسلطة في عهد الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي قرأ ذات يوم: " استفتحوا وخاب كل جبار عنيد، من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد" (11) فدعا بالمصحف فنصبه غُرضاً (هدفاً) للنشاب وأقبل يرميه وهو ينشد" أتوعــد كل جبـــار عنــــيد فها أنا ذاك جبــار عنـــيدُ إذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب خرقني الوليدُ .. وفي شعره تجاوز على النبي بأن الوحي لم يأته عن ربه: تلعّب بالخلافة هاشميٌ بلا وحيٍ أتاه و لا كتابِ فقل لله يمنعني طعامي وقل لله يمنعني شرابـي(12) وهذا المثال لا يكشف مدى الانفصال بين الدولة والدين فحسب، بل الاستخفاف بالدين والشك بحقيقته من قبل أمير المؤمنين المحاط بثلة من رجال الدين والفقهاء، المجردين طبعاً من أي سلطة. وقد حاول عمر بن عبد العزيز العودة للأصول والجمع بين السلطتين الدنيوية والدينية، إلا أنه لم يفلح في نقل رسالته إلى من جاء بعده. الحركات الإسلامية تنقسم الحركات الدينية إلى فصيلين: - فرق روحية- فقهية – أصولية – صوفية؛ وتهدف إلى تقويم الدين والإصلاح الديني والإرشاد والتوجيه بتعاليم القرآن والحديث وأقوال الصحابة والأئمة. - فرق دينية – سياسية – دنيوية؛ تعمل على استلام السلطة لتطبيق الشريعة الإسلامية، والتي تكون وفق انتماء المذهبي – الطائفي. تعددت الانقسامات في الهيكل الديني الإسلامي وأخذت شكلها التنظيمي لأول مرة على يد الخوارج الذين لم يتشكلوا بسبب الولاء العشائري أو الخلاف العقائدي، بل بسبب العامل السياسي. وبعدها توالت الفرق والمذاهب والطرق الدينية بالظهور. ويذكر الأشعري في كتابه " مقالات الإسلاميين"- 30 هـ/ 912م : "واختلف المسلمون عشرة أصناف: الشيع والخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية والضرارية والحسينية والعامة وأصحاب الحديث وال****ية."(13) وتوالى تأسيس الفرق ومنها الأشعرية. ثم ظهرت المذاهب الأربع وتلتها الجعفرية وأخوان الصفا والفاطمية والإسماعيلية والدرزية والدراويش وأصحاب الطريقة ثم الوهابية والبابية والبهائية والمهدية والشبك ...الخ كما يتجاهل بعض المؤرخين ذكر الفرق الدينية الأخرى على اعتبار أنها مصنفة على الكفر والزندقة والمروق وأصحاب البدع ومنها؛ القرمطية والبابكية، وأخوان الصفا...الخ. وكانت علاقة تلك الفرق بالحكام تعتمد على مدى دورها في خدمة أو تعارض أو الحياد أو اعتماد التقية مع السلطة. كما يأتي رد فعل السلطة إزاءها على حسب دورها التحريضي والتعبوي. أما تلك التي استلمت السلطة فحكمت حكم الحزب الواحد، عمدت إلى تصفية الخصوم بلا هوادة. الشيعة والسنة الشيعة فريقان: 1- شيعة الإمام على؛ وهم مؤيدوه في الصراع على السلطة باعتباره أحق وأصلح خليفة. 2- الشيعة المتحزبة؛ وهم الذين يعارضون الفرق الإسلامية الأخرى وخاصة السنية منها في جوانب فقهية وتشريعية وسياسية ومرجعية. وتهدف إلى استلام السلطة وحكم البلاد وفق المذهب الشيعي. تفرق أشياع علي بعد وفاته ولم يشكلوا تنظيما طائفياً. برز المذهب الشيعي بوضوح وفاعلية في العراق باعتباره الأرض الأصلح لنموه. فقد كان العراق من مراكز المعارضة الأرأس للخليفة الثالث عثمان ومنه ومن مصر قدمت الفئات المناهضة للخليفة وساهمت بتأجيج التمرد عليه والذي انتهى بمقتله. وبسبب ذلك الوضع وغيره نقل على بن أبي طالب مقر حكمه من المدينة إلى الكوفة. وبعد مقتل علي وقيام الدولة الأموية تمركزت حركة المعارضة لحكم بني أميه في العراق، ولكنها لم تكن معارضة شيعية، والقصد تلك الموالية لعلي وولديه والمختلفة عن الشيعة ألاثني عشرية.(14) والمرجح أن محمد الباقر وابنه جعفر الصادق هما مؤسسا الطائفة التي استمرت حتى الإمام الثاني عشر. وأول انشقاق حصل في الشيعة جاء على يد علي بن زين العابدين الذي قال: "أن فضل علي بن أبي طالب لا يستلزم إدانة أبي بكر وعمر بن الخطاب والبراءة منهما."(15) ويؤكد اسحق نقاش على ارتباط الإسلام الشيعي منذ بدايته بالعراق لحصول أهم الأحداث الشيعية فيه. ففي عام 661م اغتيل علي بن أبي طالب في مسجد الكوفة وقتل الحسين في معركة كربلاء عام 680م وأمضى العديد من الأئمة ألاثني عشر شطراً من حياتهم في العراق وفي العراق توجد مراقد الشيعة في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء وحكمت سلالات العراق شيعية أبرزها البويهية ( 945-1055م)(16) أما التسنن، فرغم كونه موجوداً منذ عهد الخلافة الراشدية وعبر مؤيدي اعتماد أحاديث وسنة النبي واعتبارها مكملة للشريعة وواجبة على افتراض أن النبي لا ينطق عن الهوى، إلا أنه لم يتشكل كفرقة تنظيمية حتى القرن الثالث الهجري حينما ظهر في العراق أيضاً " بدعم من الخليفة المتوكل الذي سعى لإيجاد فرقة دينية مرتبطة به وتستند على سنة النبي"(17) الدين والقومية دين الإسلام هو دين العرب وبالأخص قريش منهم، جاء بلسانهم ووفق تراثهم وتقاليدهم وعاداتهم وطبيعتهم وبيئتهم وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية. ورغم أنه انتقى أفضل ما لدى العرب من عادات وتقاليد إلا أنه خفف نقده أو رفضه لبعض العادات والتقاليد والنظم التي قد يؤدي منعها إلى إبعاد فئات واسعة أو متنفذة ومؤثرة عن الانضمام إلى الدين الجديد خشية أن تضرر مصالحها. ومنها قوانين الربح والتجارة والملكية والعبودية والمرأة والميراث والخمر...الخ. كما خولت الرسالة العرب حق نشر الدين بالطرق الاقناعية أو القسرية. وجرى تطبيق هذه الدعوة في محيط جزيرة العرب أولاً. وبعد أن دخل الدين من غير الأعراب, من بلاد العراق والشام ومصر واليمن وفارس جرت عملية تخفيف عروبة الدين والتبشير بشموليته، حتى ظهر بعد ذلك مفكرون وفقهاء وأدباء وقادة وحكام من غير العرب إلى درجة صار الفرس والترك هم الحكام الفعليون ونالت أقوامهم كل الامتيازات التي كانت مقصورة على العرب. إلا أن التيار الديني القومي لم يظهر بوضوح إلا في فترة الحكم العثماني التركي. ومن بعده الاحتلال الأوربي، الذي تصاعدت حدة الصراع المسلح أبانه. وحين بدأت التيارات الدينية السياسية بالتشكل ، سعى منظروها إلى تسويغ فكرة فصل الدين عن القومية لكسب التأييد ولمواجهة المحتل الكافر بمشاركة كل فئات المجتمع. " ورغم مجادلة الإسلاميين بأن رسالتهم شمولية، فإنها في التطبيق كانت دوماً متضمنة في إطار دولة قومية أو مجموعة من الدول القومية، ومثال إيران يوضح ذلك"(18) وأول حزب ديني في العصر الحديث هو "الأخوان المسلمون"، الذي تشكل في مصر الملكية وكانت علاقته بالقصر والانجليز متينة. وفي البدء جاءت هذه الحركة "لإجهاض الحركة الشعبية المعادية للفساد والاحتلال البريطاني وسياسته"(19) وبعدهم تشكل حزب"التحرر الإسلامي" في مصر أيضاً. ومن المؤكد أن دعم الدولة المصرية لحزب الأخوان جعله يتقوى ويتوسع ويفتح فروعاً في البلدان العربية الأخرى من مثل الشام والعراق. تأسس في العراق فرع لجماعة الإخوان المسلمين عام 1944 باسم "جمعية الأخوة الإسلامية"، من قبل الشيخ محمد محمود الصواف والشيخ أمجد الزهاوي، ومارست عملها علنيا منذ تاريخ تأسيسها إلى أن صدر قرار حلها عام 1959. ولكن إثر صدور قانون الأحزاب عام 1960 أعلن الإخوان المسلمون إنشاء حزب سياسي باسم" الحزب الإسلامي العراقي"، فرفض، مما حدا بالهيئة التأسيسية لرفع دعوى لمحكمة التمييز في العراق، التي ردت قرار وزارة الداخلية، وبالتالي اعتبر الحزب شرعيا منذ 1960. وبعد انتصار ثورة 1952 في مصر، وتوجه النظام صوب الفكر العروبي القومي متأثراً بتجربة أتاتورك وسعى جمال عبد الناصر إلى دعم الأخوان أيضاً ليجعلهم في مواجهة التيارات العلمانية والوطنية الديمقراطية، بعد أن جرى جعل العروبة والدين شعاراً موحداً للقوميين. إلا أن محاولة جر الأخوان في مصر إلى التبعية الكاملة للتيار القومي دفعهم للتمرد والانفصال ثم الاحتراب مع نظام عبد الناصر. وحتى عبارة التوحيد التي ينادي بها الإسلاميون فهي تستخدم بقصد "المعنى الديني الواضح، والآخر المعنى الذي يحقق الوحدة العضوية لـ “الأمة"“(20) وبعد انتصار ثورة 1958 واشتداد الصراع السياسي بين التيارات العراقية المختلفة، تحالف القوميون والإخوان المسلمون والبعثيون ضد حكومة عبد الكريم قاسم والتيار العلماني رافعين شعار " دين وعروبة". ومواطن التعارض الإسلامي مع القومية في الوقت الحالي هو إعلامي تحريضي رغم أنه يصل في بعض الأحيان إلى التضاد والإلغاء، خاصة بعد فشل تجارب الحكم القومية العربية. فهم يحاولون الانمياز عن القوميين باعتبار: "1- القومية عنصرية بينما الإسلام شمولي. 2-القومية في التطبيق جلبت الكوارث للشعوب المسلمة والعرب."(21) كما يذهب البعض إلى اعتبار مفهوم القومية هو غير عربي ولا إسلامي، إذ يعد تصوراً غربياً. وهو قد تطور في أوربا مع الثورة الفرنسية ومع توحيد ألمانيا، وهو بذلك فكرة مستوردة.(22) وفي منطقتنا ، ابتدأت أغلب التيارات الدينية نشاطها مع التيار أو الفكر القومي، في مناهضة الاحتلال واعتباره سلطة الكفار، ومن ثم تحولت إلى مناهضة الشيوعية والفكر الاشتراكي باعتبارها أفكار إلحادية، ومن بعدها وقفت بالضد من كل ما هو تقدمي وتنويري. الأحزاب الشيعية أحد أهم أسباب تشكيل التيار الشيعي، واحتدام صراعه مع التيار السني في المرحلة السابقة هو الصراع الامبريالي العثماني الصفوي للتحكم بالعراق الذي كان يرزح تحت الاحتلال العثماني آنذاك. وبداية تشكيل الأحزاب الشيعية في العراق جاء بعد تأسيس المدرسة الشيعية "منتدى النشر" عام 1935م. وبموافقة وزارة الداخلية العراقية شكلت جمعية بذات الاسم في النجف. وتحولت الجمعية إلى هيئة المنتدى الإدارية. وكان أعضاؤها من الدوائر الدينية العربية في النجف. مؤسس المدرسة، المجتهد محمد رضا المظفر، الذي كان من الشخصيات البارزة في الجمعية. وابتداءً من عام 1939م انتظم عمل المنتدى حتى صار لديه عام 1958م قسم مختص بالفقه ومدرسة ابتدائية. وفي عام 1961م افتتحت المدرسة الثانوية التابعة للمنتدى. وقد اعترفت وزارة المعارف العراقية بالمدارس الثلاث واعتبرتها رسمية.(23) وفي بداية تأسيس المنتدى كانت التوجهات دينية ثقافية. "وكانت أفكار المنتدى فيما يتعلق بالحداثة أفكاراً " تستحق الثناء من كل وجهة نظر"، على حد قول نائب القنصل البريطاني الذي زار المدرسة عام 1942م"(24) وقد تخرج من المنتدى عدد من المسؤولين الرسميين وعدد من قادة المعارضة الشيعية العراقية وتشكيل حزب الدعوة الذي تقوى في أواخر الستينات والسبعينات. وفي تلك الفترة تشكلت جمعية أطلقت على نفسها؛ "جماعة العلماء في النجف الأشرف"، التي ساهم بعض أعضائها بتشكيل "الدعوة الإسلامية" أي "حزب الدعوة"(25)، وهو أول حزب شيعي معاصر. ومن هذا الحزب وبالقرب منه ظهرت باقي الأحزاب الشيعية. الدولة والدين غاية جميع الأحزاب السياسية هي استلام السلطة بالطرق المتاحة، أو تلك التي تعتقد أن لها الحق في سلوكها للوصول إلى الهدف المنشود. في بداية الأمر تسعى تلك الأحزاب إلى الدعاية ورفع الأمور المطلبية الشعبية للسلطات، ثم التحريض للتمهيد لاسقاط السلطة ومن ثم استلامها لتكون الموقع الذي يسمح ويخول إدارة وتسيير المجتمع وفق الأيدلوجية المتبناة. وتنحصر التعبئة الأيديولوجية والتكتيكية في الأحزاب الإسلامية في البدء بالذود عن حصن الإسلام المقدس من الكفار والخارجين عن الدين في داخل البلد وخارجه، ثم الإعداد الاستنفاري للجهاد بالقلم والسيف لإنقاذ الإسلام والمسلمين. ثم تأتي التوجهات للعمل على امتلاك المشروعية في القيادة الروحية للمسلمين. وإذا كانت الاستعدادات غير كافية أو غير مؤهلة لاستلام السلطة، تسعى إلى معارضة الحكم القائم وتكفيره، على الأقل تكفير سياسته وبرامجه. ويجري في الأغلب مقارنة مايحصل اليوم بما كان عليه الأمر في عهود الإسلام الأولى، أو المحاججة بآيات من القرآن أو الحديث أو مقالات الأئمة. وتعتمد بعض الحركات الشيعية العراقية في سياستها وفهمها للدولة وعلاقة الدولة بالدين على كتابات الإمام محمد باقرالصدر الذي يعتبر الدولة ظاهرة اجتماعية أصيلة في حياة الإنسان.(26) ويعمد الصدر إلى تجريد التاريخ الإنساني وتبسيطه بشكل قسري في محاولة للموائمة بين ما ذكره القرآن وبين تصورات التاريخ الاجتماعي- السياسي للإنسانية فيقول:" إن الناس كانوا أمة واحدة في مرحلة تسودها الفطرة وتوحد بينها تصورات بدائية للحياة، وهموم محدودة وحاجات بسيطة، ثم نمت من خلال الممارسة الاجتماعية للحياة – المواهب والقابليات، وبرزت الامكانات المتفاوتة ، واتسعت آفاق النظر وتنوعت التطلعات وتعقدت الحاجات، فنشأ الاختلاف وبدأ التناقض بين القوي والضعيف وأصبحت الحياة الاجتماعية بحاجة إلى موازين تحدد الحق وتجسد العدل وتضمن استمرار وحدة الناس في إطار سليم ، وتصب كل تلك القابليات والامكانيات التي نمتها التجربة في محور إيجابي يعود على الجميع بالخير والرضاء والاستقرار، بدلا عن أن تكون مصدر للتناقض وأساساً للصراع والاستغلال. في هذه المرحلة ظهرت فكرة الدولة."(27) من خلال هذا التوصيف يقول الصدر بأن التناقض الأول في المجتمع حصل بين قوي وضعيف، دون تحديد بم هذا قوي وبم ذاك ضعيف، لأجل أن تتسع الفكرة لشتى الاحتمالات والتأويلات. كأن نقول قوي بجسدة ، بماله، بعقله، بعائلته،...الخ وهذا ما يشمل حتى التفسير الماركسي للظاهرة. كما أن الصاق كل ما هو إيجابي ومثالي بالدولة، من أنها ميزان الحق والعدل ووحدة الناس، أمر بعيد عن الواقع. فالدولة تعني السلطة، وصاحب السلطة( فرد أو حزب) يدير الدولة حسب ما يراه ويؤمن به لا كما يرى عموم الناس ويؤمنون به، وهو تجميل لصورة الدولة ويجعلها هدفاً نبيلاً ومقدساً يجب بلوغه. ويسعى محمد عبد الجبار إلى تعضيد الرأي السابق بمقولة للإمام على ؛"لا بد للناس من أمير" وأخرى للإمام الصادق؛"ولا يصلح الناس إلا بإمام"، مفسراً كلمتي الأمير" والإمام" بأنهما " يناظران مصطلح الدولة" في اللغة السياسية المعاصرة".(28) وهذا تأويل غريب! تعتبر الأحزاب الإسلامية أن تطبيق الشريعة لا يتم إلا عبر الدولة الإسلامية، فهي أداة تشريع الأحكام وتنفيذها على المسلمين وغيرهم. إن التجارب الدينية في قيادة الدولة المعصرة، كما في السعودية وإيران والسودان وتركيا لم تصلح كما هو ظاهر لأن تكون مثلاً يحتذى به وحتى هي لم تحض بتأييد كامل من قبل الأحزاب الإسلامية التي هي خارج السلطة. إذ ينكشف يوماً بعد آخر أن الكمال المنشود وإقامة دولة العدل وتطبيق الشريعة بصورة صحيحة لم يتحقق رغم المساعي الكبيرة من قبل تلك الحكومات لانجاز ذلك، ورغم الضحايا الكبيرة في الأرواح والأموال والحريات المدنية التي تكبدتها الشعوب المحكومة بالدين. وهذا ما دفع بعض الأحزاب الدينية إلى رفع شعارات الديمقراطية والبرلمانية والانتخابات الحرة لإعطاء صورة جديدة لمفهوم السلطة. إلا أن حقيقة الأمر أن سلطة الدين لا تتفق مع القوانين الدولية المعاصرة ولا مع مفهوم الديمقراطية وحرية الرأي، أو حرية تشكيل أحزاب غير دينية ولا تتفق أيضاً مع العلم المعاصر في تفسير الظواهربكل أشكالها. ولو تمعنا بما ذهب إلية المفكر الإسلامي عبد الرحمن الكواكبي لرأينا مفهوماً مغايراً وأقرب إلى العصر من كتابات الإسلاميين الحالية. فهو يقول في " الاستبداد والدين" ما يلي: " تضافرت آراء أكثر العلماء الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان على أن الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني، والبعض يقول إن لم يكن هناك توليد، فهما أخوان، أبوهما التغلب، و أمهما الرياسة، أو هما صنوان قويان، بينهما رابطة الحاجة على التعاون لتذليل الإنسان، والمشاكلة بينهما أنهما حاكمان، أحدهما : في مملكة الأجسام، والآخر: في عالم القلوب . والفريقان مصيبان في حكمهما بالنظر إلى مغزى أساطير الأولين، والقسم التاريخي من التوراة والرسائل المضافة إلى الإنجيل، ومخطئون في حق الأقسام التعليمية الأخلاقية فيهما، كماهم مخطئون إذا نظروا إلى أن القرآن جاء مؤيداً للاستبداد السياسي، وليس من العذر شيء أن يقولوا نحن لا ندرك دقائق القرآن لخفائها علينا في طي بلاغته، و وراء العلم بأسباب نزول آياته، وإنما نبني نتيجتنا على مقدمات ما نشاهد عليه المسلمين منذ قرون إلى الآن من استعانة مستبديهم بالدين . يقول هؤلاء المحررون : إن التعاليم الدينية ومنها الكتب السماوية تدعو البشر إلى خشية قوة عظيمة هائلة لا تدرك العقول كنهها ، قوة تتهدد الإنسان بكل مصيبة ( في الحياة فقط ) كما عند البوذية واليهودية، ( أو في الحياة وبعد الممات ) كما عند النصـارى والإسلام، تهديداً ترتعد منه الفرائص فتخور القوى و تنذهل منه العقول، فتستسلم للخبل والخمول، ثم تفتح هذه التعاليم أبواباً للنجاة من تلك المخاوف، نجاة وراءها نعيم مقيم، ولكن على تلك الأبواب حجاب من البراهمة والكهنة أو القسوس وأمثالهم الذين لا يأذنون للناس بالدخول ما لم يعطوهم مع التذلل والصغار، و يرزقوهم باسم نذر أو ثمن غفران، حتى أن أولئك الحجّاب في بعض الأديان يحجزون فيما يزعمون لقاء الأرواح ، ما لم يأخذوا عنها مكوس المرور إلى القبور ، و فدية الخلاص من مطهر الأعراف. وهؤلاء المهيمنون على الأديان كم يرهبون الناس من غضب الله وينذرونهم بحلول مصائبه وعذابه عليهم ثم يرشدونهم إلى أن لا خلاص ولا مناص لهم إلا بالالتجاء إلى سكان القبور الذين لهم دالة بل سطوة على الله فيحمونهم من غضبه . ويقولون إن السياسيين يبنون كذلك استبدادهم على أساس من هذا القبيل، فهم يسترهبون الناس بالتعالي الشخصي ، والتشامخ الحسي ، ويذللونهم بالقهر والقوة وسلب الأموال حتى يجعلوهم خاضعين لهم عاملين لأجلهم يتمتعون بهم كأنهم نوع من الأنعام التي يشربون ألبانها ويأكلون لحومها ويركبون ظهورها وبها يتفاخرون . ويرون أن هذا التشاكل في بناء ونتائج الاستبدادين الديني والسياسي جعلهما في مثل فرنسا خارج باريس ، مشتركين في العمل كأنهما يدان متعاونتان، وجعلهما في مثل روسيا مشتبكين في الوظيفة كأنها اللوح والقلم يسجلان الشقاء على الأمم . ويقررون أن هذا التشاكل بين القوتين ، ينجرّ بعوام البشر وهم السواد الأعظم إلى نقطة أن يلتبس عليهم الفرق بين الإله المعبود بحق وبين المستبد المطاع بالقهر ، فيختلطان في مضايق أذهانهم من حيث التشابه في استحقاق مزيد التعظيم، والرفعة عن السؤال وعدم المؤاخذ على الأفعال ، بناءً عليه لا يرون لأنفسهم حقاً في مراقبة المستبد لانتقاء النسبة بين عظمته ودناءتهم، وبعبارة أخرى يجد العوام معبودهم وجبارهم مشتركين في كثير من الحالات والأسماء والصفات، وهم هم، ليس من شأنهم أن يفرقوا مثلاً بين (الفعّال المطلق)، والحاكم بأمره، بين ( لا يسأل عما يفعل ) وغير مسؤول، وبين ( المنعم ) و ولي النعم ، وبين ( جل شأنه ) وجليل الشأن. بناء عليه يعظمون الجبابرة تعظيمهم لله ، ويزيدون تعظيمهم على التعظيم لله ، لأنه حليم كريم، ولأن عذابه آجل غائب، وأما انتقام الجبار فعاجل حاضر!. والعوام كما يقال عقولهم في عيونهم، يكاد لا يتجاوز فعلهم المحسوس المشاهد، حتى يصح أن يقال فيهم: لولا رجاؤهم بالله وخوفهم منه فيما يتعلق بحياتهم الدنيا لما صلوا ولا صاموا ، ولولا أملهم العاجل لما رجحوا قراءة الدلائل والأوراد على قراءة القرآن، ولا رجحوا اليمين بالأولياء المقربين كما يعتقدون على اليمين بالله .وهذه الحال هي التي سهلت في الأمم الغابرة المنحطة دعوى بعض المستبدين الإلوهية على مراتب مختلفة حسب استعداد أذهان الرعية، حتى يقال إنه ما من مستبد سياسي إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله، أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله. " (29) التفسير بديلا هناك معظلة كبيرة وهي؛ أن الإسلاميين لا يعتمدون في أحكامهم على القرآن والحديث وأقوال الأئمة في الغالب، وإنما على تفسير تلك النصوص، وكثيراً ما يذهبون إلى باطن النص ( المعنى المجازي) وليس إلى ظاهر المعنى. ومن البدهي أن تفسير النص هي عملية خلق جديدة لنص آخر، أي إعادة صياغته وفق وجهة نظر ورؤية المفسر. فتفسير النص سيكون وفق النية والقصد لا عن طريق رؤية محايدة. كما أن المفهوم الإسلاموي للدولة يحاصر الفرد بطريقة تجعله يتحرك داخل حلقة لا خلاص منها. ويؤكد محمد باقر الصدر على ان العلاقة بين الدولة والفرد تستند إلى: 1- التركيب العقائدي الذي يميز الدولة الإسلامية. 2- التركيب العقائدي والنفسي للفرد المسلم في واقعنا المعاصر.(30) والدولة من المنظور الشيعي ترتكز على عناصر ثلاث هي: - الكتاب - الرؤية - ممارسة الحكم (31) وهي العناصر المذكورة في قوله تعالى :" إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق، لتحكم بين الناس بما أراك الله"(32) والتفسير أعلاه يغاير بالكامل تفاسير القرآن لإبن الأثير والجلالين والطبري والقرطبي. " والمراد بالرؤية، إيجاد الرأي وتعريف الحكم, وهي تعليم الأحكام والشرائع."(33) كما يذكر الطباطبائي. إن عمومية وضبابية تعريف الرؤية تقود إلى أن المقصود بها هو ما يراه الفقهاء من خلال تفسير النص، دون إعطاء أي فرصة لغيرهم المساهمة في تلك العملية. ففي واقع الحال، كما يؤكد أركون، أن المرجعيات والفقهاء حاولوا ويحاولون إلغاء دور العقل والتاريخ عن طريق طرح الآيات والأحاديث التي تؤكد مسلّمات وحتميات غير قابلة إلا للخضوع لها دون مناقشة أو محاولة للتعمق في جوهرها أو ظرفها.(34) ويلجأ منظروا الأحزاب والتيارات الدينية إلى التعميمات في تناول القضايا التي تهم المجتمع وتضخيم التراث الإسلامي إلى حد يفوق التصور والافتخار الزائد به لإقناع الذات القلقة أو إقناع المتلقين السلبيين، بامتلاك الأحقية . ومن جهة أخرى التعويض عن الواقع المتردي للكيانات التي تحكم دول الإسلام. وعن طريق إيهام الناس بوجود وحدة مقدسة لأمة الإسلام، يقوم الأسلاميون السياسيون بالتعتيم على كل أنواع الظلم واللامساواة والقهر الاجتماعي والجنسي (بين الرجل والمرأة) واعتبار ذلك من الأمور الثانوية التي يمكن للشرع أن يحلها، دون التعهد بإزالة مسبباتها أو سن تشريعات تتجاوزها، مستفيدين، في الغالب، من وضع مجتمعاتنا المتسم بالجهل وعدم وضوح التمايز الطبقي من حيث البنية والصراع، مما يجعلها تفتقر إلى فكر خاص يحمل رأيا مستقلاً. وعن طريق الخطاب الموجه إلى أسلوب تأسيس مرحلة البناء الوطني يسعى الإسلاميون إلى فرض فكرة استبدال الواقع الحالي بكل معطياته التاريخية والمادية والفكرية، بالفكر الكلاسيكي القديم، غافلين عن حاجتهم هم أيضاً إلى الوسائل والأدوات النظرية والمنهجية المعاصرة التي تساعد في ربط معطيات الماضي بالحاضر بشكل طبيعي وتدرجي وليس عن طريق طفرات البرغوث. الترغيب والترهيب قد تشترك بعض الأديان في مسألة العقاب والثواب من أجل أن تحقق حالة من الإيمان والقدسية على الشرائع وطقوس العبادة والالتزام بتطبيقها الصارم. وتأتي النصوص المقدسة أو الآيات التي تروج للثواب في الفترة الأولى من الدعوة حتى يتقوى مفهوم الدين ويأخذ أبعاده الطقسية والحياتية. ولكن بعد أن يتوسع الدين ويدخله لا فقط المؤمنون به، بل المجبرون والخائفون والوصوليون والمنتفعون، وتظهر بوادر ضعف الإيمان أو عدمه أو ممارسة الطقوس تقية، تظهر الآيات التي تمنع وتحرم وتجرم وتعاقب في الدنيا وتتدرج أنواع العقاب والعذاب في الآخرة، حتى تصل إلى درجة من التخويف التي تجعل حتى المؤمن الصادق بإمانه يشك في نفسه فيلجأ إلى المبالغة في التعبد والتذلل وطلب الغفران ومسح الذنوب وبعضهم يلجأ إلى استعطاف الوسطاء من أجل أن ينجي نفسه من العقاب. حتى أن الكثير منهم بسبب الرعب من العذاب الأخروي لا يفكر بالجنة وما قد يحضى به فيها من المتع والملذات والأطايب، بل يقنع بالبراءة من الاتهامات التي قد توجه إليه فقط. وجاءت الآيات المتأخرة بعد استتباب الأمر سياسياً وعسكريا وإدارياً وهي تحمل شتى أنواع التهديد والوعيد لمن يتقاعس عن الجهاد أو يضعف إيمانه أو يشكك بالرسالة ومن جانب آخر الترغيب المادي بالغنائم والترغيب الروحي بالجنة بعد الاستشهاد. والتهديد والوعيد جاء إلى : 1- كل من لا يسلم 2- كل من يتقاعس عن الغزو 3- كل من يتردد بتنفيذ الأوامر 4- لأهل الكتاب من اليهود وال***** 5- المنافقين ممن أسلم ولم يؤمن بعد أما المغانم فكانت : 1- توزع حسب الآية (41) من سورة الأنفال على الوجه الآتي: 2- خمس الغنيمة للنبي وأربعة أخماسها للمقاتلين توزعها القيادة عليهم بعد انتهاء المعارك، مع ضمان حق القتلى بها. إن الغالبية العظمى من المنضوين تحت راية الإسلام كانت أما مجبرة بحكم السيف أو راغبة في الحصول على المغانم من الغزو. وقد جاء انعكاس ذلك الأمر على الدعوة للإيمان بالدين، كما جاء في سورة الحجرات 49 "قالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ". وهذا ما نلاحظه في العدد الكبير من الآيات القرآنية في تلك الفترة، إذ جاءت مشحونة بالوعيد والتهديد بعذاب النار وعرض شرح مفصل لأنواع العذاب وأدواته وديمومته الأبدية وانعدام شفاعة أو رحمة الله. ومن النصوص القرآنية التي تتناول الحديث عن جهنم والتعذيب نرى أنها لا تقتصر على ذكر العقاب والعذاب، بل على شرح تفصيلي لنوعه وأدواته وأساليبه وديمومته. وقد جاءت تلك الأيات في عدد كبير من السور منها: - وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّار لِخَزَنَةِ جَهَنَّم اُدْعُوَا رَبّكُمْ يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا مِنْ الْعَذَاب (غافر 49) - إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ (البقرة 161) - خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّف عَنْهُمْ الْعَذَاب وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (البقرة 162 – آل عمران 88) - وَلا طَعَامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ ( الحاقة 36) ويفسر الطبري " غسلين: : كُلّ جُرْح غَسَلْته فَخَرَجَ مِنْهُ شَيْء فَهُوَ غِسْلِين , فِعْلِين مِنَ الْغُسْل مِنَ الْخُرَّاج وَالدُّبُر.(الطبري) - فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار يُصَبّ مِنْ فَوْق رُءُوسهمُ الْحَمِيم. يُصْهَر بِهِ مَا فِي بُطُونهمْ وَالْجُلُود. وَلَهُمْ مَقَامِع مِنْ حَدِيد. كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق ( الحج 19-20-21-22-) - إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوه بِئْسَ الشَّرَاب وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (الكهف 29)( وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُهْل , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ كُلّ شَيْء أُذِيبَ وَانْمَاعَ - تفسير الطبري). (بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ" كَعَكَرِ الزَّيْت – تفسير الجلالين) - وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ( محمد 15) - لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلا مِنْ ضَرِيع * لا يُسْمِن *وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ( الغاشية 6) وَالضَّرِيع عِنْد الْعَرَب : نَبْت يُقَال لَهُ الشِّبْرَق , وَتُسَمِّيه أَهْل الْحِجَاز الضَّرِيع إِذَا يَبِسَ , وَيُسَمِّيه غَيْرهمْ : الشِّبْرَق , وَهُوَ سُمّ .( الطبري) - وكذلك ورد الأمر في الأيات : الأحزاب 66، غافر 47-48، النحل 85، الصافات 62، غافر 72،ة 54،إبراهيم16-17. - وتتكرر عبارة " عذاب أليم" في 37 آية: البقرة 4 مرات، آل عمران 4 مرات، المائدة 3 مرات، الأعراف 1 واحدة، التوبة 3 مرات، هود 1 واحدة، يوسف 1 واحدة، إبراهيم 1 واحدة، النحل 2 مرّتان. - وجاء ذكر " جهنم" في (72) آية. - كما جاء ذكر" أهل الكتاب" في (31) آية كلها تهديد لهم واعتبارهم مع الكفار والمشركين. - ووردت كلمة " اليهود" في (7) آيات كلها ضدهم. - أما عبارة الذين- للذين هادوا" في (10) آيات جميعها ضدهم ما عدا آيتين: 62 البقرة: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" و 69 المائدة: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ." - كما وردت كلمة " ال*****" في (3) آيات لم تكن لصالحهم أيضاً. - ووردت كلمة" ***** في (5) آيات لم تكن إلى جانبهم سوى الآية 82 المائدة:" لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ" - أما ذكر مفردة" الجنة" وما فيها فقد جاء في (54) آية معظمها حول آدم أو حرمان الآخرين من دخولها. - وتتكرر مفردة "جَنة" وليس"جُنة" في (12) آية، بعضها عن بستان في الأرض. - أما عبارة "جنات" فيرد ذكرها في (60) آية فيها شرح لما قد ينتظر المؤمنين فيها من ملذات وأطايب، ففيها الحور العين والولدان المخلدون، وأنهار الخمر واللبن والعسل، وملابس الحرير، والطقس المثالي، والمناظر الخلابة من مثل جنات تجري من تحتها الأنهار.وقد جرى ذكر النخيل والأعناب والخضار والزيتون والرمان من ثمارها الطيبات. اعتماد النص لغاية خاصة ومن الأسئلة المحرجة للجميع بلا استثناء هي؛ هل الإسلام دين سلام ووئام؟ ومع من يكون ذلك السلام؟ مع المسلمين عامة ( بكل الطوائف والفرق)؟ مع الطائفة الواحدة؟ مع غير المسلمين من أهل الكتاب؟ مع من يسمون الكفار؟ مع الذات؟ مع العقل؟ فالعلاقة مع الطوائف اللإسلامية تحل عن طريق السلاح. ومع مواطني الديانات السماوية الأخرى بالسلاح أيضاً، ومع من يدعون بالكفار بالسلاح أيضاً. وحجة الإسلاميين بكل تنوعهم أنهم يتبعون إرادة الله وتعاليم السماء. وهم حسب ذلك، محقون ، لأن القرآن يحوي على تلك النصوص. فمن قراءة لبعض الآيات التي يسعون لتنفيذها على الآخرين نذكر: 1- قتل: وردت في السور الآتية: آل عمران، الآية رقم (144)، النساء (92)، المائدة (30)(32)(95)، الأنعام (137)، الإسراء (33)، الذاريات (10)، المدثر (20)، عبس (17)، البروج (4). 2- قاتَلَ: آل عمران (136) 3- قتال: البقرة (217) 4- القتل: البقرة (191)(217)، آل عمران (154)، الإسراء (33)، الأحزاب (16) 5- القتال: البقرة (216)(246) النساء (77)، الأنفال (65)، الأحزاب (25)، محمد (20) 6- قاتلهم: التوبة (30)، المنافقون (4) 7- قاتلوهم: التوبة (14) 8- قاتلوا: آل عمران (167)، التوبة (29)(123)، الأحزاب (20) 9- جاهد: التوبة (73)، العنكبوت (6)، التحريم (9) 10- وجاهدوا: البقرة (218)، المائد’ (35)، الأنفال (72)(74)(75)، التوبة (20)(41)(86)، الحج (78)، الحجرات (15) 11- المجاهدين: النساء (95)، محمد (31) 12- شهيد: البقرة (282)، آل عمران (98)، المائدة (117)، الأنعام (19)، يونس (46)، الحج (17)، سبأ (47)، فصلت (47)(53)، ق (37)، المجادلة (6)، البروج (9) كما وردت كلمة الموت في 34 آية . ووردت الحياة في (62) آية وجميعها ملحقة بمفردة الدنيا: "الحياة الدنيا" ما عدا في سورتي الإسراء آية (75) وطه آية (97) ومعظم تلك الآيات تطرقت إلى الحياة الدنيا على أنها عديمة النفع وبخسة ممكن أن تشتري بها ماهو أثمن ( البقرة 86 و النساء 74) أو ما هي إل متاع الغرور ( آل عمران 185) أو هي لعب ولهو ( الآنعام 32) وهذا ما يجعل فكرة القتال في سبيل الدين والشهادة أمر مقدساً ومفضلاً على غيره من أمور الدين. فهل يستطيع شخص غير معمم أو من لا يملك تفويضاً إلهياً أن يقنع شابا أمياً أو شبه أمي قرأ عليه بعض المشايخ تلك الآيات فقط وكررها عليه مع تفسيره الخاص لمعناها وهو يتضمن مقصده وغايته محبباً له التعجيل في الموت، بأن يقول له أن الحياة أفضل من الممات! وأن العلماء الحقيقيين يسعون بكل عمرهم من أجل انقاذ الإنسان من الموت؟ قوة الدين يدعي جمع غفر من المتخصصين في الدين والسياسيين المتدينين والدينيين السياسيين بأن الدين ، ويقصدون الإسلام، بأنه قوي لأن الله يحفظه وأنهم مؤازروه على ذلك، وأعتقد أن الله لا يحتاج لعونهم المزيف لأنه، وهم يعلمون ذلك بأنه يقول للشئ كن فيكون، بأقل من لمح البصر.فعلى ماذا يتداعون. لو كان الإسلام قوياً في هذه الأزمان، لما انبرى هذا العدد الهائل من المنافحين والمدافعين والمتصدين والمهددين. القوي لا يحتاج من يدافع عنه بل الآخر من يحتاج الذي يدافع عنه. ويسعى المدافعون المزيفون إلى التبرير والتبرير ليس غير؛ فمرة يقولون بأنه دين التسامح والسلام ، أو دين العلوم ، ولولاه لما كان هناك علم، ومرة بأنه دين المعرفة ولولاه لعاش بني البشر في جهل،أو أنه الحل لكل المشاكل الأرضية، أو أنه دواء لجميع الأمراض، أو أنه الناجي من جميع المخاطر والشرور... الخ ولم يستطع أي من المدافعين البرهنة على صحة إدعائه من دون الاستشهاد بالآيات والمقولات من دون تقديم برهان حسي ملموس. ولكن، مجرد الاستشهاد بأقوال أشخاص مثلنا، عاشوا قبل أكثر من ألف عام مسربلينهم صفات وألقاب خطيرة من مثل؛الإمام، القطب الرباني، الإمام المجتهد، العالم، العلاّمة، المرجع، الإمام الأعظم، الشيخ ...الخ وفي واقع الأمر هم أشخاص لهم وجهات نظر ليس أكثر، وآراؤهم وانطباعاتهم تخصهم وحدهم ولللآخرين الحق في قبولها أو رفضها، فلهم عقل ولغيرهم عقل، هذا هو منطق الحياة. وقد تطورت تلك الألقاب في زماننا هذا من دون اعطاء مبرر لذلك، فقط لأنهم أرادوا ذلك. فأخذت الألقاب صفات قدسية خطيرة من مثل؛ روح الله، آية الله، حجة الإسلام والمسلمين، المرجع الأكبر، العلاّمة الكبير، المجتهد الكبير.. الخ وهؤلاء جميعاً لديهم تفويضاً إلهياً للحكم باسم الله ولا يعرف كيف حصلوا على هذا التفويض؟ ولماذا!؟ ومن ينتمي لدين قوي عليه أن يكون قوياً هو الآخر، ولا تهزه العواصف ولا حتى الأعاصير، وليس رسوم كاريكاتيرية لا تقدم ولا تؤخر. ولولا الضجة التي أثارها الإسلام السياسي لنسيت كباقي الرسوم الكاركاتيرية التي تصدر بالألوف كل يوم. أليس حرياً بنا أن نرقى إلى سمة التواضع والتي هي مفتاح الرحمة وسكينة النفس وقوة الإرادة ومكنة اليقين، ونقول للآخرين أننا آمنا بهذا الدين وارتضيناه وأبوابه مفتوحة للجميع وليس كمصيدة الفأر تسهل الدخول وتمنع الخروج. فالدين علاقة وعبادة وطقوس فمن ارتضاها بقلب رحب يكون هو المؤمن الحقيقي الصادق الأمين، ومن آمن بها زيفاً أو تقية أو خشية سيسعى حسب طاقته إلى نخر الدين من الداخل، وهذا الذي نراه اليوم بحيث أصبح الدين الإسلامي كالمنخل من كثرة الناخرين فيه من الداخل.
__________________
We will never be quite till we get our right. كلمة الصليب عند الهالكين جهالة و اما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله "كور 1 -1:18" ( سيظل القران اعجاز لغوى فى نظر المسلمين الجهلاء فقط.
لان معظمهم لايستطيع الكتابه بدون اخطاء املائيه ) |
عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
بلاغ الي النائب العام ضد الشيخ محمد حسان | elmafdy | المنتدى العام | 3 | 17-05-2011 10:59 AM |
نبيل شرف الدين مصر على أبواب حرب أهلية والمؤسسة العسكرية قادرة على حسم الأمور لو شاءت | makakola | المنتدى العام | 0 | 11-05-2011 04:25 AM |
رشاد البيومى: «الإخوان» لا تسعى للسيطرة على الثورة..ولن تفصل الدين عن العمل السياس | الحمامة الحسنة | المنتدى العام | 0 | 01-03-2011 01:10 PM |
انباء عن تعيين عماد الدين اديب وزيرا للثقافه | net_man | المنتدى العام | 1 | 14-02-2011 05:01 PM |
مقال رائع لكاتب كويتي | faraway5050 | المنتدى العام | 3 | 20-05-2006 03:33 PM |