خطاب مفتوح من هاني نسيرة إلى حازم شومان: أشفق عليك من منطق مختل

[abomeret]

خطاب مفتوح من هاني نسيرة إلى حازم شومان: أشفق عليك من منطق مختل

بقلم هاني نسيرة - المشهد

حازم شومان .. لم أكن أعرفه .. وهذا ليس عيبًا، ولكن تردد اسمه بعد الثورة .. ضخم الجثة زعيق الصوت .. منتفخ الخطابة - وليس الخطاب- فهو لا يملك خطابًا .. فضلًا عن أن خطابته كما سمعتها لا تخلو من لحن في اللفظ والقول!.

كنت أضحك- ليس سخرية ولكن إعذارًا بعدم علم ومنطق مختل يقذف من جسم ضخم وحنجرة تفجيرية لا غير!.. ولكني مشفق عليه، فبدلًا من أن يعترف صادقًا مع الله ونفسه والناس بأن الديمقراطية والمدنية -اللتين يكفرهما ويشوههما زورًا وبهتانًا- هما من أعطاه فرصة الحديث والمشاركة والمدافعة السياسية .. أجده لا يعترف بل يستمر في تشويهه! بدلًا من أن يرتفع لمستوى أئمة وشيوخ كابن خلدون الذي كان يتحدث عن فلسفة العمران وأن الإنسان مدني بطبيعته، وأن يفرق كما كان يفرق إمامنا الشافعي بين الخاص والعام في الرسالة، وأن يعرف أن للخطاب مستوياته .. مستوي التبليغ الذي يقوم على البيان والعرفان، ومستوى التفكير الذي يقوم على الحجة والبرهان، وألا كلام إلا بدليل وأن المقارنات الخبط عشواء بين جيفارا- ودينه!! الشيوعي- وبين ما يريد من شبابه السلفيين الذين أحييهم لنشاطهم وانخراطهم في الدعوة السياسية لبرامجهم وتطوير خطابهم في مسائل ما كنا لنظن أنهم سيتطورون لها خلال شهور بعد الثورة! رغم بقاء تناقضاتهم البنيوية والخطابية كما هي فيك.. الديمقراطية حرام وكفر ولكن الضروريات تبيح المحظورات.. بدلًا من أن تتبعوا العقلاء من المجتهدين الإسلاميين في بداية هذا القرن أمثال الشيخ محمد رشيد رضا الذي يعد ربان سفينة السلفية منذ بدايات القرن وأستاذ الشيخ القاسمي الذي هو أستاذ المحدث الراحل الشيخ الألباني.. حين سأله جاهل عامي منتفخ الخطابة والجثة عن أننا لسنا بحاجة للديمقراطية الغربية طالما عندنا الشورى فرد الشيخ غاضبا على جهله: "لا تقل أيها المسلم أن هذا الحكم أصل من أصول ديننا فنحن قد استفدناه من الكتاب المبين، ومن سيرة الخلفاء الراشدين، لا من معاشرة الأوروبيين، والوقوف على حال الغربيين، فإنه لولا الاعتبار بحال هؤلاء الناس لما فكرت أنت وأمثالك بأن هذا من الإسلام ولكان أسبق الناس الى الدعوة الى إقامة هذا الركن علماء الدين في الاستانة وفي مصر ومراكش وهم الذين لا يزال أكثرهم يؤيد حكومة الأفراد الاستبدادية ويعد من أكبر أعوانها، ولما كان أكثر طلاب حكم الشورى المقيد هم الذين عرفوا أوروبا والأوروبيين، وقد سبقهم الوثنيون الى ذلك.. ألم ترَ بلاد مراكش الجاهلة بحال الأوروبيين كيف تتخبط في ظلمات استبدادها ولا تسمع من أحد كلمة "شورى" مع أن أهلها من أكثر الناس تلاوة لسورة الشورى ولغيرها من السور التي شرع فيها الأمر بالمشاورة وفوض حكم السياسة الى جماعة أولي الأمر والرأي" ..

ألم يعرف الأخ حازم استيراد المسلمين فكرة تدوين الدواوين من الفرس في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه، فكيف تكون الديمقراطية كفرًا.. وهي حكم الأمة الذي طالب به الحسين رضي الله عنه من أراد أن يستبد بها ويجعلها ملكا عضودا من بني أمية.. أهي الكلمات تحبسكم يا قومنا.. فلم تثورون الآن من أجل الدستور وهو كلمة غير عربية لا توجد في قاموسنا إلا في بدايات القرن العشرين بعد أن ترجمه أمثال رفاعة الطهطاوي بالشرطة وبعد أن أصر مدحت باشا على وضع دستور للخلافة العثمانية وهو ما نجح فيه، ولكن المستبد الخليفة نفاه بعد فترة ليموت وحيدا في واحدة من سجون الطائف!!

هل هي بطولة- أم رعونة- أيها الشاب حين تتهم جامعة القاهرة، وأنت في عقرها، وهي التي أنجبت علماء وأساتذة في كل المجالات منذ إنشائها بأنك سعيد لأنك تحاضر بها عن فهمك المغلوط بها وقد أنشئت بهدف هدم الإسلاميين منذ نشأتها، فهل أساتذة كبار لا ترقى ولا نرقي لشعرة في صدر أحدهم كمحمد أبو زهرة وعلى حسب الله وقبلهم الشيخ توفيق الطويل ومحمد رشاد سالم( محقق ابن تيمية) والدكتور مصطفى حلمي( ومن المؤكد تعرفه) كل هؤلاء وغيرهم كانوا جزءًا من مخطط لهدم الإسلام!! يا فتى!

بطولة أم رعونة حين تقتحم حفلا موسيقيا محاولا منعه والدنيا تتسع لما اتسع له الناس والفقه مدارس ولعل من علمك علمك أن تغيير المنكر لا يكون إلا فيما اتفق عليه ولن أذكرك بآراء شيوخ كالغزالي والقرضاوي فهم منقوصون عند شخصك غير الناقص، ولكن أذكرك بخلاف القدماء في الغناء، بل أن تقارن وتلحظ التطور بين ما كتبه ابن القيم في الجواب الكافي وما كتبه في إغاثة اللهفان، وعليك أن تفسر لي كيف تحمل سلفنا في القرن الثالث الهجري كتاب الموسيقى للفارابي.. قبل ابن القيم.. ورأي أبو حامد الغزالي- تكرهه ما فيش مشكلة- والحافظ القيسراني في الموسيقى..

مثلك يضيق بالآخرين لينفجر فيهم! ويشوههم دون برهان ولا حجة.. تناسب من سلبوا عقولهم لا من استخدموها!! رغم أن الأصل في الفقه المعرفة بالخلاف وقد كتب علماؤنا سبعين كتابًا حسبما أورد أبو عبد الله المروزي في اختلاف العلماء.. منها رسالة ابن تيمية- رحمه الله- رفع الملام عن الأئمة الأعلام! ولكن تختزلون الإسلام كما تختزلون السلفية وتغرقون مجتمعا غارقا في احتياجاته في دخان قنابلكم الكلامية.. رغم أن السلفية أوسع من سلفيي مصر وهناك سلفيات في مصر.. وسلفيات في الأردن، وهناك أتباع مختلفون من ورثة الألباني( الصراع على الألبانية) وهناك الجامية والمدخلية، وهناك أتباع مقبل بن هادي الوادعي، كما أن هناك أتباع المنشق عليه أبو الحسن المأربي في اليمن.. هلا حللتم مشاكلكم قبل أن تصادروا وعينا وعقولنا وحضارتنا وتراثنا وتتهموا كل حداثتنا بأنها مخطط على هويتنا.. يا من ينبغي عليكم أن تحددوا هويتكم!

أحيي كل متسامح.. كل متعقل.. كل مجتهد متواضع في الإخوة السلفييين وغيرهم.. أما من يتكبرون وينتفخون ويزايدون على الآخرين وفق ما يرونه الصواب، شرعا كان أو ثورة أو سياسة، دون أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا الناس.. فـأقول لهم أخي حازم وأنت منهم.... أشفق عليك.. صدقًا ما زلت بحاجة للكثير كما كثير من أمثالك من المتصدرين للفضائيات الدينية أو المصرية من الضعفاء!! وحفظ الله مصر والعقل أحب ما خلق إليه كما ورد في الأثر.. ونور العقل على نور النقل هما النوران كما كان يقول ابن القيم!

الإسلام أكبر من المسلمين .. ولو قسناه بكثير من أهله لضاع .. فرفقًا به فلن يشاد الدين أحد إلا غلبه!