كلمة لابد منها

كلمة لابد منها
بقلم: عزمي حنا
جريدة ارثوذكس نيوز – لوس انجلوس
كمسيحيين نؤمن بكل ما جاء بالإنجيل المقدس، بل ونؤمن ان الإنجيل المقدس هو دستور حياتنا، فهو الكتاب الوحيد الذي كُتب للأمس واليوم وغداً. ومن ضمن ما جاء بالكتاب المقدس انه «إذا انقسم البيت على ذاته يخرب» ويكون خرابه عظيماً. وما قيل عن البيت - الذي يضم الأسرة المكونة من زوج وزوجه وأولاد - يقال أيضاً على المجتمع المسيحي في مكان ما، وتتسع دائرته ليشمل عدد من المجتمعات المسيحية المنتشرة في عدة أماكن. وإذا كان الإنجيل هو دستور حياتنا فلابد ان نعمل على عدم إنقسام البيت، ويجب ان يكون هناك وحدانية في الفكر ووحدانية في العمل ووحدانية في الهدف. وحدانية تقودنا إلى تحقيق آمالنا وأحلامنا. ويؤسفني أشد الأسف ما حدث في الأيام القليلة الماضية من الإنقسام في الصف القبطي بالمهجر الأمريكي، هذا الانقسام جاء وبكل أسف على يد ابنائه الأقباط، بعد ان حققوا من بضعة أسابيع فقط نجاحاً باهراً من خلال مؤتمرهم الدولي الثاني الذي عقد في العاصمة الأمريكية. ٭ ٭ ٭ في نهاية كلمتي في هذا المكان بالعدد الماضي تساءلت: «ماذا بعد المؤتمر؟ هذا ما سأتناوله في العدد القادم». كانت النية معقودة على ان اتوجه إلى كبير أقباط المهجر المهندس عدلي ابادير مطالباً إياه بدعوة جميع رؤساء فروع الهيئة القبطية بقارات العالم وكذلك جميع النشطاء الذين يعملون من أجل القضية القبطية، إلى إجتماع لتصفية خلافاتهم التي لا تخفى على احد - والتي كادت ان تصل في بعض الحالات الى رفع دعاوي قضائية بين بعضهم البعض ، وكان الهدف من هذه الدعوة هو العمل على وحدة الصف وتشجيع كل منهم بالعمل في مجاله الذي اختاره لنفسه طالما ان هذا المجال او هذا الطريق يؤدي في النهاية الى الهدف الذي نتطلع إليه ونعمل على تحقيقه. بعد ترتيب البيت من الداخل، كانت الخطوة التالية هو الاتصال بالمعتدلين من أقباط الداخل والعمل على تفعيل نشاطهم السياسي وتشجيعهم على الانخراط في العمل العام. ٭ ٭ ٭ أعود الى ما حدث في الأيام الأخيرة والذي نزل عليّ نزول الصاعقة، وذلك باتهام السيد المهندس مايكل منير، رئيس منظمة أقباط الولايات المتحدة، بالعمالة لحساب المخابرات المصرية، وانه سافر الى مصر في زيارة سرية استدعى لها من قبل المخابرات المصرية. كما صدر بيان من نشطاء أقباط المهجر قام بالتوقيع عليه 32 شخصية من نشطاء الأقباط في قارات العالم، يؤكدون في هذا البيان ان مايكل منير لا يمثل اقباط المهجر ولا أقباط امريكا ولا الجاليات العربية في امريكا، ولا يمثل إلا نفسه ومنظمته التي تسمى «منظمة أقباط الولايات المتحدة». واضاف البيان ان زيارة مايكل منير السرية الى لبنان ومصر لم يستشر فيها احد ولم يخوله احد بتمثيل الأقباط وإجراء أي لقاءات او مقابلات باسم المؤتمر او باسم الأقباط. وأكد هذا الكلام ما كتبه المهندس عدلي ابادير بموقع «الأقباط متحدون»، وذكر ايضا ان مايكل منير اخبره بموضوع سفره الى مصر وكانت نصيحته لمايكل بعدم السفر. وقد تم رفع هذا البيان من الموقع بعد يوم واحد من نشره. ٭ ٭ ٭ يتضح لنا من هذا الكلام ان الزيارة لمصر لم تكن سرية كما ادعى البيان بل كانت معلومة للسيد عدلي أبادير، وهو الذي نصحه بعدم السفر. ولكن لماذا سافر مايكل منير الى مصر ولم يأخذ بنصيحة المهندس عدلي ابادير؟ يجيء تسلسل الأحداث - والعهده على الرواي - انه كان هناك اتصالا تليفونيا جرى بين مايكل منير واحدى الشخصيات السياسية بالقاهرة ودار النقاش حول الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر والنجاح الذي حققه الأخوان المسلمين وأسبابه وعدم مشاركة الأقباط في الانتخابات، وفي هذه المكالمة تم طرح فكرة سفر مايكل منير الى مصر لمناقشة بعض الأمور مع أولي الأمر في الحكومة المصرية والخاصة بمشاكل الأقباط وتفعيل دورهم في النشاط السياسي والعمل العام. وطلب مايكل منير معرفة الشخصيات التي سيقابلها في حال سفره الى مصر، ولم تستطع الشخصية السياسية التي يتحدث معها مايكل منير من التأكيد على هذه الأسماء، وأمام إصرار مايكل منير على هذا وعد هذا المسئول انه سيستطلع الأمر مع المسئولين ثم يقوم بالاتصال به لاحقا. في هذه الأثناء سافر مايكل منير الى زيورخ لمقابلة المهندس عدلي ابادير لتقييم مؤتمر الأقباط الأخير، وأخبره بما جاء بالمحادثة التليفونية مع المسئول المصري. ثم سافر مايكل منير الى لبنان - في زيارة خاصة جداً - وأثناء هذه الزيارة اتيحت له الفرصة لمقابلة بعض الشخصيات السياسية اللبنانية، فتقابل مع الرئيس اللبناني إميل لحود، وميشيل عون وسمير جعجع وبعض الشخصيات الأخرى، بالإضافة الى رؤساء القيادات الدينية الشيعية والسنية. ولم يجد مايكل منير غضاضة في هذه الإجتماعات بل وجد فيها فرصة لكسب ارض جديدة ودعم سياسي للقضية القبطية، وفي نفس الوقت وجدها فرصة للتعارف بشخصيات سياسية لم تكن مدرجة في برنامج زيارته الخاصة للبنان. ومن جراء هذه المقابلات تسرب خبر الزيارة للصحافة والتلفزيون اللبناني، والتي فسرها البعض على ان المخابرات المصرية قامت بتسريب الخبر للصحافة اللبنانية لكشف عميلهم القبطي وذلك لضرب وحدة الصف القبطي في المهجر! تلقى مايكل منير مكالمة تليفونية من المسئول المصري، وأكد له انه سيتقابل مع عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية، والمعروف ان السيد عمر سليمان كُلف بعدة مهام دبلوماسية - وليست استخبارتية - من قبل الإدارة المصرية إلى كل من دولة إسرائيل وفلسطين في الآونة الأخيرة. وأضاف المسئول المصري انه لا يستطيع الإفصاح - على التليفون - عن أسماء شخصيات أخرى سيقوم بمقابلتها. سافر مايكل منير الى القاهرة وتقابل فعلا مع اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية في لقاء استغرق اكثر من ساعة، استعرضا فيه العلاقات الأمريكية المصرية، وتطرق الحديث الى أقباط المهجر ومشاكل الأقباط عامة، وكان إجتماعاً إيجابياً أحس منه مايكل منير بحسن النوايا والرغبة في إصلاح بعض الأمور الخاطئة. وتقابل مايكل منير مع إحدى الشخصيات الهامة برئاسة الجمهورية، ووجد تفهما وإقتناعاً لمطالب الأقباط، وفي هذا الإجتماع تقدم مايكل منير بطلب تنفيذ قرارت المؤتمر القبطي. كما تم طرح اقتراح بتشكيل لجنة من قيادات الكنيسة القبطية وأقباط الخارج وأقباط الداخل وأمن الدولة والمخابرات ورئاسة الجمهورية، وذلك للتتفاوض ودراسة مشاكل الاقباط والعمل على حلها ووضع جدول زمني لتنفيذها. كما تتولى هذه اللجنة دراسة وحل المشاكل الطارئة والعمل على حلها فوريا مثل اختطاف الفتيات القبطيات واسلمتهن وحوادث الاعتداء على الاقباط وممتلكاتهم وإلى آخر هذه المشاكل التي يعاني منها الأقباط. كما تم مناقشة الكثير من الموضوعات التي تهم الأقباط والتي وعد المسئول بعرضها على الرئيس مبارك والرجوع إليه بعد دراستها. وتقابل مايكل منير ايضاً مع وزير الإعلام انس الفقي، كما تقابل مع رئيس تحرير احدى الصحف القومية المعروفة في لقاء خاص بمكتبه، كما تقابل مع شخصية دبلوماسية امريكية رفيعة المستوى. وكان من المفروض ان تستمر زيارة السيد مايكل منير للقاهرة إلى ان يعود لمقابلة المسئولين برئاسة الجمهورية بعد دراسة بعض المطالب التي تقدم بها والعودة بالنتائج التي توصل إليها، ولكنه تلقى مكالمة تليفونية من واشنطن عن حالة والده الصحية المتدهورة اضطرته إلى العودة إلى واشنطن، وفي اليوم التالي لوصوله توفى والده. ومن المنتظر ان يعود مايكل منير مرة أخرى للقاهرة لمتابعة ما بدأه من مناقشات مع الإدارة المصرية. هذا هو باختصار تسلسل أحداث زيارة مايكل منير للقاهرة .. وكنت اتمنى ان يصدر عن نشطاء الأقباط بالمهجر رسالة تأييد يقوم بتوقيعها جميع أقباط المهجر وترسل للمسئولين بالقاهرة لنظهر لهم اننا أقباط متحدون فعلا، وليس بيننا أي إنقسام أو إنشقاق. والآن دعونا نفترض ان مايكل منير عميل للمخابرات المصرية - كما يزعمون - لكن تاريخ الرجل وموقفه من القضية القبطية معروف للجميع ولا يستطيع أحد ان يزايد عليه او يشكك في موقفه. والدليل على هذا أنه أثناء زيارته للقاهرة لم يغير من مواقفه الثابتة، فهو الذي من خلال أحاديثه لوسائل الإعلام المصرية كان واضحاً، بل وكان أكثر صرامة في مواقفه حتى انه أدان قرار رئيس الجمهورية والخاص ببناء الكنائس الذي صدر أثناء الزيارة.

كما أثبتت الزيارة وطنية أقباط المهجر – والتي حاول الإعلام المصري تشويهها في السابق ووصفها بالخيانة – حتى ان الإدارة المصرية تعاملت مع احد رموز أقباط الخارج على هذا المستوى الرفيع، وهذا ينفي التهمة عن أقباط المهجر بالخيانة.
كما رفعت الزيارة من معنويات اقباط الداخل – برغم تصريحات القلة المحسوبين على الأقباط – خاصة بعد الفوز الساحق للأخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية، والتفوا حول مايكل منير، وهذا إن دل على شيْ فهو يدل على تعطشهم لقيادة سياسية صادقة تطالب بحقوقهم، والشعور العام لدى أقباط الداخل بان أقباط الخارج يدافعون عن قضيتهم ويعملون على حلها.
وإذا استطاع مايكل منير من تحقيق مكاسب للقضية رغم الزعم بأنه عميل للمخابرات، فما الضرر الذي يعود على الأقباط من ذلك؟ على الأقل أنه ما زال يجاهر بان للأقباط مشاكل ويطالب بحلها، بعكس السيد جمال اسعد و نبيل لوقا بباوي وغيرهم الذين ينكرون أن للأقباط مشاكل في مصر، بل ويتهمون اقباط المهجر بالعمالة والخيانة ويصرحون بآرائهم هذه علنا في مختلف وسائل الإعلام، وبالرغم من ذلك لم يصدر عن نشطاء المهجر بيان ضدهم يتهمهم بالخيانة والعمالة ولم يعلنوا للجميع ان اولئك الذين لا يعترفون بوجود مشاكل للأقباط لا يمثلون الأقباط سواء في الداخل او الخارج.