تم صيانة المنتدي*** لا تغير فى سياسه من سياسات المنتدى اكتب ما تريد لان هذا حقك فى الكتابه عبر عن نفسك هذه ارائك الشخصيه ونحن هنا لاظهارها
جارى تحميل صندوق البحث لمنتدى الاقباط

العودة   منتدي منظمة أقباط الولايات المتحدة > المنتدى العربى > المنتدى العام
التّسجيل الأسئلة الشائعة التقويم

المنتدى العام يهتم هذا القسم بالأخبار العامه

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 24-10-2012
Zagal Zagal غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2004
المشاركات: 4,351
Zagal is on a distinguished road
رحلتي من السلفية الجهادية إلى العلمانية

أسامة عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 3890 - 2012 / 10 / 24 - 23:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني

الحلقة الأولى
يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا

قضيت الليلة الأولى في زنزانة بمقر أمن الدولة بالمرج في أرق و لم أستطع النوم ، كان ذلك في منتصف شهر يناير من عام 2001 ، كنت أفكر فيما آلت إليه الأمور لماذا وصلت أنا وأبي إلى هذه الحدود من العلاقة المتأزمة ، استرجعت ما حدث في الثلاثة أسابيع السابقة منذ وصول أبي من الغربة في بلاد الخليج بحثا عن الرزق ، فبعد أن استقر به المقام في مصر حاول أن يصلح ما أفسده سفره داخل الأسرة ، فعلى مدار ثلاثة عشر عاما هي فترة سفره بعيدا عنا انتقلت القيادة داخل الأسرة إلى أخي الأكبر وإلي معه بعد ذلك على عكس الوضع الطبيعي فقد كان من المفترض أن تنتقل القيادة إلى أمي ، ولكنها بطبيعتها إنسانة ضعيفة لا تستطع تحمل أعباء الأسرة بمفردها ولكن الاحتياج الشديد إلى تحسين الوضع الاقتصادي اضطرها إلى الموافقة على سفر والدي كي يستطيعوا إكمال رسالتهم معنا بإكمال تعليمنا .
استقر أبي في مصر وحاول ترتيب أمور البيت من جديد بوضع الأمور في نصابها ، كان قد أحضر معه متعلقاته الشخصية التي كان يستخدمها في سفره ومنها التليفزيون ، وهو ما كنت قد حرمت تشغيله في البيت بالقوة ، بالنسبة لأمي فلم يكن هناك مشكلة كبيرة فهي بطبيعتها لا تشاهد التليفزيون ، ولكن المشكلة كانت مع أخي الأصغر وأختي الصغرى والوحيدة فكنت أمنعهما من التليفزيون بتاتا بحجة الحب لهم والخوف عليهم من التعرض لعذاب الله في الآخرة ، وكم كانت والدتي تترجاني أن أسمح لهما بمشاهدة الأشياء العادية أو المباريات ولكني كنت أرفض ولا أستجب لتوسلاتها بحجة أن البرامج العادية أو المباريات ستكون البداية ولكن بعد ذلك سوف ينجرون إلى مشاهدة المحرمات ، وحتى البرامج العادية فيوجد بها نساء غير محجبات فلا يجوز مشاهدة هذه البرامج ، ولو صادف عدم وجود نساء غير محجبات في هذه البرامج فلن يسلم الأمر من وجود الموسيقى في هذه البرامج إن لم يكن في داخلها فسيكون في تتر المقدمة والنهاية ، وطبعا الموسيقى حرام فيبقى البعد عن التليفزيون كله هو الحل المثالي .
قام أبي بتشغيل التليفزيون في البيت بعد انقطاع فترة طويلة أحسست ساعتها بالغضب الشديد ولكني لم أفعل شيء ، ولكن الذي جعل الأمور تتأزم هو محاولته جعل أختي تشاهد معه التليفزيون ، والطامة الكبرى بالنسبة لي هي أنه أحضر معه ريسيفر وقال أنه سوف يقوم بتركيب الستالايت في البيت ، كان أبي يريد بذلك التخفيف من معاناة أختي وأخي الأصغر معي ومع أخي الأكبر طوال هذه السنين ولكني فسرت الأمر على نحو خاطىء بسبب أفكاري ونظرتي المتشددة للحياة عامة ، فسرته أنه بذلك سيقوم بإفساد البيت وسيهد كل ما بنيته أنا وأخي في هذه السنين التي كنا مسيطرين فيها على البيت ونقوم فيها بفرض الوصاية الدينية عليهم .
قررت بيني وبين نفسي أنه لابد من أخذ خطوة قوية وصادمة داخل البيت حتى أقوم بالحفاظ على البيت من الفساد الذي سوف ينشره والدي بتشغيل القنوات الفضائية ، فاستغللت أحد المشادات بيني وبينه فذهبت إلى غرفته والتي بها التليفزيون والريسيفر وأغلقت على نفسي الغرفة وقمت برفع السجادة من على الأرض وفعلت مثلما فعل محمود حميدة في فيلم ( بحب السيما ) ، نعم كسرت التليفزيون والريسيفر على البلاط ، وكمان كان فيه جهازين تليفزيون في الدولاب وهما اللذان كانا موجودين من الأول في البيت أخرجتهما وكسرتهما ثم فتحت الباب ودخل أبي وشاهد المنظر المفجع على أرضية الغرفة ، وشاهدت أنا ما تمنيت أني مت قبله ولم أكن لأراه ، أو يا ليتني لم أولد أساسا حتى لا أراه ، شاهدت الرعب في عيني أبي .

النشأة

مكثت في زنزانتي أتابع شريط حياتي وأتأمله جيدا وأقلب ما فيه من أحداث . رجعت إلى بدايات النشأة فأنا
أنحدر من أسرة صعيدية من جنوب مصر وتحديدا من محافظة قنا قرية كرم عمران ، وتنتسب أسرتنا إلى الأشراف وهم الذين ينحدرون من النسب النبوي .
نزح الجد إلى القاهرة وهو شاب في بداية أربعينيات القرن العشرين وتزوج من جدتي وهي من مركز قوص في محافظة قنا ، وطبعا الفكر الذي كان يحكمه إنه لازم يتزوج من فتاة صعيدية لأن بنات القاهرة غير معروفين الأصل وصعب السيطرة عليهن ، جاء جدي بجدتي وسكن القاهرة مستوطنا بها وأنجب ستة ذكور وابنة واحدة ، ولأنه كان فقيرا ويعمل في وظيفة عامل بمطار القاهرة لم يستطع أن يكمل تعليم أولاده إلى مستويات عليا ، وكل من أكمل منهم تعليمه الجامعي فكان بمجهوده وكفاحه بعد زواجه واستقرار حياته نسبيا .
أبي كان الابن الأكبر لجدي كان نصيبه هو وعمي الذي يصغره من التعليم الحصول على الشهادة الإعدادية ثم التطوع في الجيش هربا من الفقر ومن قسوة الأب الصعيدي الذي كان يرى في القسوة خير سبيل للتنشئة الصحيحة خاصة للذكور كي ينشئوا رجالا حسب فهمه ، الغريب والجميل عند جدي – وهو ما ورثة أولاده منه – هو معاملة الابنة بكامل المعاملة الحسنة بل وتمييزها في المعاملة على الذكور .
تطوع أبي في الجيش بعد استخراج البطاقة الشخصية وفي سن العشرين قابل والدتي في نفس الحي الذي كانوا يسكنون فيه وهو حي الزيتون ، وتذكر أنها كانت زميله له في المدرسة الابتدائية - فهو يكبرها بعامين – وأنها فوق ذلك ابنة صديق والده ، فقد كان جدي لأبي وجدي لأمي أصدقاء في فترة الشباب وكانا يسكنان سويا في شقة مشتركة في فترة العزوبية .

بارك الجد زواج ابنه من ابنة صديقه وتم الزواج في القاهرة وبعدها بأيام سافر أبي وأمي إلى واحة سيوة حيث مقر وحدة أبي فقد كان أبي في سلاح الحدود ، عاشا هناك قرابة 8 أشهر مع أهل سيوة الطيبين . واحة سيوة يسكن بها عرب من قبائل مطروح وقبائل من أصول أمازيغية ذلك العرق المنسي والمتجاهل على أرض الوطن حتى أني لم أعرف أنه يوجد في واحة سيوة أمازيغ إلا قريبا لما قرأت عنهم في أحد الصحف فسألت أبي عنهم فقال نعم هم غير عرب ويسكنون في واحة سيوة وكنت أظن قبل أن يخبرني أن من يسكن واحة سيوة قبائل عربية فقط ، حتى أن كثيرا ممن يعملون في العمل العام لا يعلمون بوجودهم على أرض مصر.
حاول أبي أن يرتقي تعليميا وفعلا استكمل دراسته الثانوية بعد رجوعه من فترة الإقامة في واحة سيوة واستقراره في القاهرة ، وحصل على الشهادة الثانوية العامة بمجموع أهله إلى الالتحاق بكلية الحقوق ، ولكن بسبب إنجابه لولدين مع ضيق ذات اليد لأن الجيش ساعتها كانت ظروفه المادية سيئة لم يستطع إكمال تعليمه ، وبعد أنا أنجب أولاده كلهم – ثلاثة ذكور وبنت – وبسبب الظروف المادية السيئة في الجيش وقتها اضطر للاستقالة منه في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ، ظل بعدها حوال 3 سنوات في مصر مابين العمل كسائق في شركة أو على سيارة أجرة حتى جاءته فرصة السفر إلى السعودية في بداية عام 1988 .

كنت ساعتها في الرابعة عشر من عمري في الصف الثاني الإعدادي ، وبعدها بسنتين كانت ظروفنا الاقتصادية تحسنت كثيرا واستطعنا الانتقال في شقة أكبر مساحة تتبع نفس الحي الذي أسكن فيه وهو حي المطرية وكان ذلك في شهر سبتمبر من عام 1990 مع إكمالي للسنة السادسة عشر من عمري وبداية العام الدراسي الثاني الثانوي .
وبهذا الانتقال يبدأ فصل جديد من حياتي ببداية سكن جديد وبداية نقلة فكرية بعيدة .

نقلة بعيدة

أستعير هذا العنوان من عنوان أحد فصول كتاب ( معالم في الطريق ) للأستاذ سيد قطب الأب الروحي لجماعات العنف المسلح في العصر الحديث ، فهو لجماعات الإسلام السياسي بمثابة النبي ، فهم يختلفون فيما بينهم على أيهم يمثل فكره في الواقع ، فكل جماعة تدعي أنها هي الأحق به وأنها هي التي أنزلت أفكاره على أرض الواقع بصورة صحيحة وكاملة ، وأن الجماعات الأخرى تنتسب إليه زورا لأنها حادت عن تطبيق بعض جوانب فكره ، تماما كما فعلت الفرق والمذاهب الإسلامية في صدر الإسلام فكل الفرق تدعي وصلا بالرسول ، وأنها هي التي تحقق الحديث النبوي (( ... ما أنا عليه وأصحابي )) وأنها هي الفرقة الناجية من الثلاث وسبعين فرقة التي افترق عليها الإسلام .
في بداية عام 1990 فتحت التليفزيون فوجدت بالمصادفة الحلقة الأولي من مسلسل أمريكي مشهور آنذاك اسمه ( فالكون كريست ) ، شاهدت الحلقة الأولى من المسلسل واعجبت بها جدا وقررت أن أتابعه ، امتد المسلسل لتسعة مواسم ، كل موسم 30 حلقة ، وفي نهاية الموسم الثامن وقبل نهايته بإسبوع حدث ما لم أكن أتوقعه فقد تعرفت على جماعة الإخوان المسلمين .
في أحد أيام الفصل الدراسي الأول من الصف الثاني الثانوي كنت جالس في الفصل أقرأ أحد أعداد مجلة ( طبيبك الخاص ) والتي كانت تناقش القضايا والمشكلات الجنسية ،وهي القضايا التي كانت تشغلنا في فترة المراهقة ، فشاهدني أحد زملائي في الفصل ، وقال لي أن هناك كتب إسلامية تتكلم في هذه المواضيع وبتبقى أفضل قال لي ذلك ورن جرس المدرسة إيذانا بانتهاء اليوم الدراسي نزلت معه من الفصل وأخذنا نتحدث وعرفت منه أنه جاري في نفس الحي ، ودعاني إلى الصلاة معه في مسجد النور المحمدي بميدان المسلة بالقرب من منزلي ، ودعته على باب المدرسة ( مدرسة ابن خلدون الثانوية ) على اتفاق بالمقابلة في المسجد ، وبالفعل ذهبت إليه في صلاة المغرب وعرفني على مجموعة من الأصدقاء يصلون معا في المسجد كل صلاة ، كانوا مجموعة في نفس عمري تقريبا إلا واحدا كان في بداية فترة دراسته الجامعية وكان هو مسئول المجموعة .
رجعت من صلاة المغرب مع أصدقائي وكنت سعيدا بالتعرف عليهم فهم شخصيات هادئة ومسئول المجموعة يتميز بالبشاشة واللطف في المعاملة ، ولكن قابلتني مشكلة تحيرت ماذا أفعل فيها ، هذه المشكلة هي ماذا أفعل في المسلسل الذي أعشقه فالآن كيف أجمع بين التزامي بالصلاة في المسجد مع أصدقائي الجدد وبين مشاهدة المسلسل بما فيه من مشاهد عارية أحيانا خاصة مشاهد الممثلة التي كانت تقوم بدور ( ميليسا ) ، فكرت كثيرا وفي الآخر قررت أن استكمل الحلقات المتبقية من المسلسل وعندما تأتي مشاهد عارية سوف أصرف بصري عنها ،وكان ما قررت .
صراحة لم يطلب مني أحد ساعتها التوقف عن مشاهدة التليفزيون ، ولكن بحكم أني من أسرة محافظة دينيا كانت أمي تنتقد مشاهدة هذه المشاهد ، فكان مركوزا بداخلي بحكم النشأة حرمة هذه المشاهد ، فعندما التزمت بالصلاة كان من الطبيعي داخلي أن أتوقف عن مشاهدة هذه المشاهد حتى لا أكون متناقضا .
في هذا التوقيت لم أكن أعرف أن هذه المجموعة تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين ، فهم لا يفصحون للأفراد الجدد بهويتهم حتى لا يفزعون منهم ، ولكن يؤجلون هذا الإعلان إلى أن يتمكنون من ربط الفرد الجديد بهم بحيث يكون قد تم احتوائه نفسيا ومعنويا وفكريا ، بالإضافة إلى ربطه بهم بتحقيق احتياجاته ، فقد كانوا يوفرون لنا من يعطينا دروس خصوصية مجانا في المواد الدراسية التي نعاني من صعوبتها ، وكذلك يستغلون عدم اهتمام الأسر بمشاكل أبناءها وإحساس كثير من المراهقين بالغربة داخل أسرهم ، فأولياء الأمور يهتمون فقط بتوفير الاحتياجات المادية لأبنائهم من مأكل ومشرب وملبس ودراسة ، أما الاحتياجات المعنوية ، فلا يعرفون عنها شيئا ، ولو عرفوا لا يوجد عندهم من الوقت الشيء الكافي للجلوس مع أبناءهم والتقرب إليهم ، والتحدث معهم ومصادقتهم بسبب الظروف الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها المجتمع ، والتي تضطرهم للالتحاق بوظيفتين للأب وأحيانا بجانب عمل الأم وذلك لتوفير الاحتياجات الأساسية لأبنائهم ، بسبب هذه الظروف يسهل على جماعات الإسلام السياسي التأثير على المراهقين والشباب ، وضمهم إليهم .
بعد انتهاء الموسم الثامن من مسلسل ( فالكون كريست ) توقف عرض المسلسل حوالي شهر بسبب مرض بطلة المسلسل والتي كانت تقوم بدور العجوز ( آنجيلا ) مما اضطر القائمون على المسلسل بكتابة الموسم التاسع والأخير بحيث يناسب إقامة البطلة في المستشفى ، فكانت تقوم بتأدية دورها وهي على سرير المرض ، وبعد شهر بدأ عرض الموسم الأخير ، وكانت أمي وأخوتي في انتظار رد فعلي ماذا سأفعل هل سأتابع مسلسلي المفضل أم سأتركه ؟ وقتها كان زاد ارتباطي بمجموعة الأصدقاء الجدد ، وكان عندي من قوة العزيمة ما يمكنني من مقاومة إغراء المشاهدة .
في خلال هذا الشهر كان الأخ المسئول عنا في المسجد عامل لينا جدول التزامات يومية يحتوي على الصلوات الخمس في جماعة ، والأذكار اليومية ، و3 ساعات مذاكرة يوميا ، وهذا كان على العكس تماما من الجماعة الإسلامية التي انضممت لها لاحقا ، فقد كانت لا تهتم بالدراسة إطلاقا ولا تشجع عليها ، لأنها كانت تسعى للصدام العسكري مع النظام الحاكم ، وهذا الصدام ستكون نهايته المؤكدة أما القتل أو الاعتقال ، لذلك الانشغال بالدراسة كان يعوق العمل داخل الجماعة الإسلامية .
لهذا دعوة الإخوان المسلمين لم تكن تقابل من الآباء بكثير من المقاومة لأنهم يجدون أبنائهم يتقدمون دراسيا فلا يشعرون بخطورة الجماعة على أبنائهم ، بعكس الانضمام إلى الجماعة الإسلامية كان يقابل من أولياء الأمور بالضغط على أبنائهم لما يرونه من تأخر ملحوظ في المستوى الدراسي لأبنائهم ، هذا غير المشاكل التي كان يتعرض لها أفراد الجماعة الإسلامية من أولياء أمورهم عندما يعرفون أن أبناءهم منضمون لتنظيم سري مناهض لنظام الحكم ، وكانت هذه المشاكل هي الأخطر .
أحد أهم الوسائل التي تستخدمها جماعات الإسلام السياسي لربط الأعضاء الجدد بها هي الرحلات المدعمة ، ففي خلال هذا الشهر قمنا بعمل رحلة إلى القناطر الخيرية ، بها فقرات كثيرة ممتعة للشباب ، ثقافية ، ورياضية ، وفنية ، فقد قام مجموعة منا بعمل عرض مسرحي يسخرون فيه من أداء الناس العاديين للصلاة وأنهم لا يؤدوها جيدا ، وذلك لتعميق الفجوة بيننا وبين باقي الناس وأننا الأفضل ، وأنهم يحتاجون إلينا لهدايتهم لأنهم لا يعرفون الدين جيدا ونحن نعرفه أفضل منهم ، طبعا في ذلك الوقت لم أكن أدرك ذلك ، ولكني أدركته متأخرا ، بل متأخرا جدا .

قبل تعرفي على جماعة الإخوان المسلمين بفترة وجيزة كان أخي الأكبر تعرف على الجماعة الإسلامية عن طريق المصادفة .
ففي بداية شهر سبتمبر من عام 1990 قتل أحد قيادات الجماعة الإسلامية والمتحدث الرسمي لها الطبيب علاء محي الدين ، وهو من محافظة سوهاج ، وكان أمن الدولة طلب منه عدم نزوله إلى القاهرة ، ولكنه رفض أن ينفذ كلامهم فهددوه بالقتل فلم يستجب لتهديداتهم ، وبالفعل نزل الدكتور علاء إلى القاهرة فتم اغتياله ، وأصبحت الجماعة في حالة غليان وغضب لمقتل أحد قياداتها ، واجتمع في أحد المساجد الصغيرة بجوار منزلنا مجموعة من قيادات الجماعة الإسلامية بأفراد الجماعة من المطرية والأميرية وعين شمس الغربية ، وكان وقت الاجتماع صلاة العصر .
نزل أخي لأداء صلاة العصر في هذا المسجد فحضر معهم اللقاء ولأن القيادات الحاضرة من الصعيد ولا تعرف كل أفراد الأحياء المجتمعة فلم يلاحظوا وجود أحد غريب في وسطهم وهو أخي ، ولكن مسئول المطرية لاحظ وجوده وحاول إخراجه بطريقة لطيفة وطلب منه إحضار مياه مثلجة للمجتمعين وجاء إلى شقتنا لإحضار المياه وحاول إثناء أخي عن الرجوع معه إلى المسجد وأنه سوف يحضر له الزجاجات الفارغة ، ولكن أخي أصر على الانضمام لهم في اللقاء مرة ثانية .
انتهى اللقاء وتعرف مسئول المطرية على أخي وعرفه على باقي المجموعة وتعاهدوا على زيارته عندنا ومداومة الاتصال به ، وفي فترة وجيزة كانوا صارحوه بحقيقة التنظيم وأنهم جماعة تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية عن طريق الجهاد ضد نظام الحكم بالعمل المسلح ، وفي فترة وجيزة أيضا كان قد تعرف على أنه يوجد في ساحة العمل السياسي الإسلامي جماعات شتى وأدرك ساعتها أنني مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين دون أن أدري ، فعمل جاهدا على ضمي للجماعة الإسلامية ، وذلك بإحاطتي بأفراد الجماعة الإسلامية ، وكذلك بإحضار الكتب التي تناقش القضايا الخلافية بين الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين .
كان من ضمن الخلافات بين الجماعتين مسألة ( الهدي الظاهر ) وهي المحافظة على الزي الإسلامي من لحية وجلباب قصير ، فقد كانت الجماعة الإسلامية تحافظ على الشكل الظاهري للالتزام وتعتبرها قضية مفصلية في حين أن جماعة الإخوان المسلمين لا تحافظ على هذا الشكل رغبة منها في التخفي داخل المجتمع .
أحضر لي أخي كتاب عن وجوب إعفاء اللحية وقرأته في مدة وجيزة ، واقتنعت بفرضيتها ، وبعدها واجهت أصدقائي من جماعة الإخوان بوجوب إطلاق اللحية ولماذا لا يحافظون على هذه الشعيرة فلم أجد إجابة مقنعة .
كان أخي كلما يدرك قضية معينة من القضايا الفقهية والشرعية ينقلها إلي ، فبعد قضية وجوب إعفاء اللحية تعرف على قضية وجوب تغيير المنكر باليد ، وجاء لي بأحد أبحاث الجماعة في هذا الشأن وقرأته واقتنعت بالقضية ، وكما حدث في قضية اللحية واجهت أصدقائي بهذه القضية ووجدت منهم صدا عجيبا ، وبداية الريبة مني لأنهم أدركوا أني بذلك واقع تحت تأثير فكر مخالف لهم .
ازدادت الفجوة بيني وبين أصدقائي من جماعة الإخوان المسلمين بسبب المناقشات بيني وبينهم وعدم وجود ردود مقنعة في مقابل ما أواجههم به من أدلة وأقوال علماء على القضايا محل الخلاف ، وكانت القضية الفاصلة بيني وبينهم هي قضية ( الحاكمية ) ووجوب مواجهة الأنظمة الحاكمة بالقوة لتطبيق الشريعة الإسلامية لأن هذه الأنظمة الحاكمة كافرة ولن تستجيب للنصح أو للدعوة السلمية ، ولأن هذا دأب كل الأنظمة على مدار التاريخ في مواجهتها لأي دعوة إسلامية تريد تطبيق الشريعة الإسلامية .
فعندما تكلمت مع أصدقائي من جماعة الإخوان المسلمين في هذه القضية كانت القاصمة والفاصلة في علاقتنا ، وبعدها أصبحوا يحذرون أفرادهم من الكلام معي وطلبوا مني عدم التحدث مع أفرادهم ، وكان الانفصال والذي يعني في نفس الوقت الانضمام الكامل للجماعة الإسلامية ، وبداية صفحة جديدة في حياتي مليئة بالأحداث الجسام .

التكوين الفكري ( غسيل المخ )

كما ذكرت سابقا عمل أخي على دمجي بالجماعة الإسلامية عن طريق زيادة ارتباطي بأفراد الجماعة وتقربهم لي وتوثيق العلاقة فيما بيني وبينهم ، وذلك كان يتم في الوقت الذي بدأت تضعف علاقتي بأعضاء الإخوان المسلمين ، بالإضافة إلى إمدادي بالكتب التي تشكل الفكر السلفي عامة وفكر الجماعة الإسلامية خاصة الممثل في أدبياتها الفكرية وأبحاثها الشرعية .
لا أعرف ما الذي كان يدور بداخلي ، كل ما أتذكره هو أنني كنت أحس بطاقة جبارة بداخلي وكأنها طوفان حطم كل الحواجز وانساب على الأرض يغير من معالمها ، هذه الطاقة كانت تنقلني إلى عنان السماء أرى من خلالها العالم صغيرا لا يساوي شيئا ، وأنني قادر على تغييره ، وتشكيله حسب رؤيتي للحياة . طاقة كانت تجعلني استعذب المجهود الذي أبذله في الدعوة لضم أعداد جدد للجماعة ، وفي دراسة الكتب الشرعية والفكرية التي يأتيني بها أصدقائي الجدد في الجماعة الإسلامية .
تعرفت على تاريخ نشأة الجماعة في منتصف السبعينيات على يد مجموعة من الشباب في جامعة أسيوط وكانت ساعتها مجرد مجموعات للدعوة فقط لم تتميز كفكر مستقل عن باقي الجماعات ، حتى العام 1978 عندما قام الإخوان بدعوتهم للانضمام إليهم ، فقبل البعض وكان منهم الأستاذ أبو العلا ماضي ، ورفض البعض الآخر مكونين جماعة مستقلة بهم تحت مسمى الجماعة الإسلامية كان لها مجلس شورى يضم القيادات المؤسسة للجماعة مثل علي الشريف ، وناجح إبراهيم ، وصلاح هاشم ، وكرم زهدي ، وعصام دربالة ، وعاصم عبد الماجد وغيرهم .
وعرفت أن الجماعة قامت باغتيال الرئيس السادات في عام 1981 ، وكان يشترك معهم جماعة الجهاد ، وهذه أحد الأكاذيب التي اكتشفتها في فترة لاحقة وهي عادة تيار الإسلام السياسي في سرقة إنجازات الغير ونسبها إلى نفسه .
فقد كانت التيارات الجهادية تعتبر اغتيال السادات أحد الإنجازات ، فلذلك قامت الجماعة الإسلامية بسرقته من جماعة الجهاد الإسلامي بقيادة محمد عبد السلام فرج وقتها صاحب الكتاب الشهير ( الفريضة الغائبة ) .
تم القبض على قيادات جماعة الجهاد الإسلامي ، وقيادات الجماعة الإسلامية قبل وبعد حادث اغتيال الرئيس الراحل السادات ، وتجمعوا داخل السجن وحاولوا تشكيل جماعة واحدة ولكنهم فشلوا بسبب محاولة قيادات الجماعة الإسلامية السيطرة على قيادات التنظيم ويكون قائده الدكتور عمر عبد الرحمن وهو ما رفضه قيادات جماعة الجهاد وقالوا أنه لا يجوز ولاية الضرير لأن الدكتور عمر عبد الرحمن كان ضريرا ، وأصدرت جماعة الجهاد بحثا على عدم جواز ولاية الضرير .
قامت الجماعة الإسلامية في فترة السجن على ذمة قضية اغتيال السادات بكتابة الكثير من أدبياتها الفكرية مثل ( ميثاق العمل الإسلامي ) وهو يعد بمثابة مانيفستو الجماعة ، حتى مرافعة الدكتور عمر عبد الرحمن في القضية تم إصدارها في كتاب صدر بعد خروجهم من السجن في كتاب يحمل اسم ( كلمة حق ) .
خرج من السجن من حصل على البراءة مع من حصل على حكم ثلاث سنوات لأن فترة المحاكمة امتدت لثلاث سنوات ، وبدءوا في نشر الدعوة للجماعة الإسلامية ، ثم لحق بهم من أفرج عنهم بعد حكم بالسجن لمدة خمس سنوات وبعدهم أصحاب أحكام سبع سنوات ، وانتشرت الدعوة في أرجاء الصعيد ، والقاهرة خاصة أحياء عين شمس وإمبابة ، وفي وجه بحري خاصة محافظة الأسكندرية ، ومحافظة الدقهلية .
كان انضمامي للجماعة كما ذكرت في بداية عام 1991 بعد اغتيال المرحوم رفعت المحجوب ، وكان ذلك ردا على مقتل المتحدث الإعلامي للجماعة الدكتور علاء محيي الدين ، وكان المقصود بالاغتيال وقتها اللواء عبد الحليم موسى وزير الداخلية ، ولكن لم يمر موكبه من طريقه المعتاد ، ومر بدلا منه موكب رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب آنذاك .
أصدرت الجماعة وقتها بيانا تعلن فيه مسئوليتها عن الحادث بعنوان ( اخترنا واختار الله ) أي أن الجماعة اختارت وزير الداخلية ولكن الله قدر باختيار رفعت المحجوب ، وبررت الجماعة فيه قتل رفعت المحجوب وأنه يستحق القتل لأنه رفض تطبيق الشريعة الإسلامية عندما عرض عليه مناقشتها داخل مجلس الشعب .
في هذه الأجواء كان انضمامي للجماعة الإسلامية بهذه الطاقة الفوار بداخلي كالبركان ، والهادرة كالطوفان ، فعكفت على قراءة الكتب التي أحضرها لي أخي أو أصدقائي الجدد في الجماعة الإسلامية ، وكان منها كما ذكرت كتاب عن وجوب إعفاء اللحية ، وكتاب عن قضية الحاكمية لأحد قيادات الجماعة الإسلامية ، اسم الكتاب ( حكم المستبدل لشرائع الدين ) وهو دراسة يثبت فيها كفر الحاكم الذي يستبدل ولو شريعة وحيدة من شرائع الإسلام بغيرها من الشرائع الوضعية البشرية ، وأنه يعتبر بذلك كافر كفر أكبر مخرج من الملة مما يمهد الطريق للخروج عليه ولو بالسلاح ، وذلك ردا على بعض الجماعات السلفية التي كانت تدعي أن الحاكم الذي لا يحكم بالشرع يعتبر كافر كفر أصغر لا يخرج من الإسلام بل يعتبر فعله كبيرة من الكبائر التي لايكفر مرتكبها ، فجاء هذا الكتاب ليفرق بين الحاكم التارك للشرع ، فإنه قد يعتبر مكرها أو جاهلا وبذلك لا يكفر ، وبين الحاكم المستبدل الشرع بآخر غير فهذا كافر كفر أكبر مخرج من الإسلام مما يبيح بل يفرض الخروج عليه ولو بالسلاح .
ومن الكتب التي قرأتها في بداياتي مع الجماعة الإسلامية وشكلت تفكير ووجداني كتاب ( المصطلحات الأربعة ) لأبو الأعلى المودودي مفجر قضية الحاكمية في العصر الحديث والتي تلقفها منه سيد قطب فيما بعد وبنى عليها فكره ، وهذه المصطلحات الأربعة التي يناقشها الكتاب ويبين معانيها المختلفة هي ( الله – الرب – الدين – العبادة ) ، وهو يعتبر مقدمة لازمة لأي فرد يراد تهيئة فكره وعقله لقبول قضية الحاكمية .
ومن الكتب أيضا كتاب ( تطهير الجنان والأركان من درن الشرك والكفران ) وهو كتاب للرد على الصوفية وبيان ما عليه معتقدهم من الشرك ، وهو يشكل فكر الفرد الجديد على كره الأضرحة لأنها شرك ، والرغبة في إزالتها وتدميرها كما فعل الرسول في فتح مكة عندما حطم الأصنام وكما فعل محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية .
ومن الكتب المهمة كذلك عند كثير من الجماعات الإسلام السياسي كتاب السيرة الأشهر في العصر الحديث ( الرحيق المختوم ) وهو كتاب كان قد تقدم به صاحبه لنيل جائزة في مسابقة لأفضل بحث في السيرة النبوية كانت أعلنت عنها المملكة العربية السعودية ، ونال هذا الكتاب جائزة أفضل بحث . عشت مع هذا الكتاب بكل وجداني وأنا أتابع مراحل نشأة الرسول ، ومرحلة تكوينه ، وبعثته ، وما لاقاه مع العصبة المؤمنة من عذابات وآلام ، وبعد ذلك هجرته إلى المدينة وبداية الكفاح المسلح ، وكيف استرخص الصحابة أرواحهم في سبيل نشر الدين الإسلامي .
كنت أسير مع الرسول في هجرته ، وأشارك الصحابة في سراياهم وغزواتهم ، وصلحهم وحربهم ، حتى تم لهم التمكين في الجزيرة العربية وخضعت لهم القبائل العربية ، ودخلت في دين الله أفواجا ، وظهر الحق على الباطل وانتصرت العصبة المؤمنة .
هذا الكتاب تستخدمه جماعات الإسلام السياسي سواء الجماعة الإسلامية أو جماعة الإخوان المسلمين أو غيرها لتشكيل أفرادها فكريا وروحيا ووجدانيا على أنهم هم العصبة المؤمنة في العصر الحديث والتي تعتبر امتداد للعصبة المؤمنة الأولى التي تحملت الصعب مع الرسول حتى تم لها التمكين ، وهو نفس ما سيحدث مع العصبة المؤمنة الحديثة سوف تبتلى بالتعذيب والاعتقال والشدائد ، وسوف يتم لها التمكين في الأرض كما مكن الله للعصبة المؤمنة الأولى في الأرض بعدما صدقت في صبرها وتحملت ما لاقته بنفس راضية .
وبجوار هذه الكتب العامة كنت أدرس أبحاث الجماعة مثل كتيب صغير اسمه ( من نحن وماذا نريد ) وكتاب ( ميثاق العمل الإسلامي ) ، وهما يتميزان بأسلوب أدبي رائع .
وكذلك كتاب ( كلمة حق ) سالف الذكر الذي يثبت فيه الدكتور عمر عبد الرحمن كفر السادات .
وكذلك درست بحث ( العذر بالجهل ) وهو بحث يناقش فيه قضية كانت مثار جدل شديد داخل التيار الإسلامي عامة ، وخاصة ما بين الجماعة الإسلامية من جهة ، وجماعة الجهاد الإسلامي وتيار القطبيين من جهة أخرى .
وفكرة هذا البحث هي أن المسلم الذي يرتكب الشرك وهو جاهل ، وهو يظن أنه بذلك يتقرب إلى الله ، ويتعبد إليه لا يحكم بكفره حتى يبين له العلماء خطأه ، على العكس من جماعة الجهاد ، وتيار القطبيين الذين يحكمون بكفره لأنهم يعتبرونه معرض عن تعلم الدين وأنه يتحمل هذا الجهل لأنه لا يشغله أمر الدين أصلا فهو بذلك كافر ولا يعذر بجهله .
ومن الأبحاث المهمة التي درستها كذلك بحث خطير بعنوان ( حكم قتال الطائفة الممتنعة عن تطبيق الشريعة الإسلامية ) ، وهو بحث تقوم فكرته على إباحة دماء جنود الحاكم الكافر الذي لا يحكم بشرع الله .
لأنه إذا جاء معترض على الجماعة وقال : لماذا تقتلون الجنود مع أنكم تعذرونهم بجهلهم ولا تكفرونهم ؟ فتكون الإجابة عليهم بهذا البحث الذي يثبت فيه جواز قتل الجنود وإن كانوا جهلاء لمجرد حمايتهم للحاكم الكافر ، وأمرهم إلى الله في الآخرة ، ويستند هذا البحث على فتوى لابن تيمية تقول ( أيما طائفة ذات شوكة ومنعة امتنعت عن تطبيق شريعة من شرائع الإسلام فإنها تقاتل على الامتناع وإن أقرت بوجوب ما امتنعت عنه ) يعني لا يشترط كفرها كي تقاتل بل مجرد الامتناع تقاتل عليه حتى تلتزم بتطبيق الشرع .
من هذه الكتب وغيرها تم تشكيل فكري ووجداني بحيث أصبحت أنظر للحياة بوجه آخر غير الذي كنت عليه قبل عام واحد فقط .
فأصبحت أرى أن الله قد اختار من الحياة كلها الأديان السماوية ، واختار من الأديان السماوية الإسلام ، واختار من الإسلام مذهب أهل السنة والجماعة ، واختار من مذهب أهل السنة والجماعة ( الجماعة الإسلامية ) التي أنتمي إليها ، فنحن خلاصة الخلاصة ، بل نحن الجماعة المختارة من الله .
__________________
We will never be quite till we get our right.

كلمة الصليب عند الهالكين جهالة و اما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله "كور 1 -1:18"


( سيظل القران اعجاز لغوى فى نظر المسلمين الجهلاء فقط.
لان معظمهم لايستطيع الكتابه بدون اخطاء املائيه )

الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 28-10-2012
Zagal Zagal غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2004
المشاركات: 4,351
Zagal is on a distinguished road
مشاركة: رحلتي من السلفية الجهادية إلى العلمانية

الحلقة الثانية


أسامة عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 3894 - 2012 / 10 / 28 - 21:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني

ذكرت قبل ذلك أن دعوة الجماعة الإسلامية انتشرت في ربوع مصر خاصة في الصعيد والقاهرة ، وكان أهم منطقتين في القاهرة لتواجد الجماعة الإسلامية هما : منطقة إمبابة ، ومنطقة عين شمس الشرقية ، ومنطقة عين شمس الشرقية يفصل بينها وبين منطقة المطرية التي أسكنها مترو الأنفاق . نشأت دعوة الجماعة الإسلامية في منطقة عين شمس الشرقية تقريبا في عام 1986 بعد خروج من حكم عليهم بثلاث سنوات وخمس سنوات في قضية اغتيال السادات ، وفي خلال عامين فقط كانت الجماعة الإسلامية منتشرة بطريقة كبيرة في المنطقة ، فقد كان كثير من الناس يرون فيها الصوت الجريء في معارضة النظام ، وشعبنا بطبيعته يمجد من يقف في وجه الظالم حتى ولو كان خارجا على القانون ، كما مجد الحس الشعبي من شخصية أدهم الشرقاوي مع أنه قاطع طريق وقاتل ، وذلك لأنه كان يثأر لهم من السلطة الغاشمة .
هذا ما روج كثيرا للجماعة في هجومها القاسي ضد النظام الفاسد ، وبما كانت تقوم به من محاربة البلطجية في المنطقة ورد حقوق الناس ، وذلك بسبب غياب دور الدولة في الحفاظ على أرواح الناس ، فأصبحوا هم الدولة الحقيقية على الأرض مما كان سبب في توجيه النظام ضربة لهم خاصة بعدما توحشت الجماعة وأحست بقوتها وتعرض كثير من أفرادها للناس يتحكمون فيهم ويطبقون ما تعلموه من تغيير المنكر بالقوة ،فحدث تعدي على أفراح كثير من الناس واضطهاد للفرق الموسيقية .
كانت الضربة الأمنية في عام 1988 ، تم فيها اقتحام مسجد ( آدم ) وسقط قتلى في هذه الاشتباكات من أفراد الجماعة ، وأصبحت هذه الأحداث أحد وسائل حشد أفراد الجماعة على الثأر من النظام ، وألفت الأشعار في هذه الأحداث وتم إنشادها وتسجيلها على شرائط الكاسيت وكنا نتداولها فيما بيننا ويتم شحننا عاطفيا للثأر بهذه الشرائط .
بعد هذه الضربة الأمنية أصبحت دعوة الجماعة الإسلامية سرية بعدما كانت علنية ، وعندما انضممت للجماعة كان هذا هو الوضع ، ولكن كانت الجماعة تحرص على أداء صلاة العيد بصورة علنية غيظا لقوات الأمن ولإثبات الوجود ، وكنا نرفض أدائها في الساحات الشعبية مع الناس بل يجب أن يكون لنا صلاتنا الخاصة باسمنا من باب التمايز والظهور.
في منتصف عام 1991 تقريبا وكان قد مر على بداية التزامي مع الجماعة الإسلامية حوالي ستة أشهر أقامت الجماعة صلاة عيد الأضحى في منطقة عين شمس متحدية بذلك رفض الأمن وشاركت في هذه الصلاة ، وتم اقتحامها من قوات الأمن وحدثت اشتباكات بين قوات الأمن وبين أفراد الجماعة أظهر فيها بعض أفراد الجماعة شجاعة منقطعة النظير، فقد تصدى أحد أفراد الجماعة للأمن بالسلاح الأبيض مانعا القوات من دخول المسجد ، ولم يرضخ لتهديد القوات بضربه بالنار .
هربت أنا وأخي من الاشتباكات واختبأنا على سطح أحد المنازل ، ومكثنا فيه فترة حتى اكتشف وجودنا أهل البيت وكانوا من المسيحيين ، فخافوا منا جدا ولكننا طمئناهم ، واعتذرنا لهم ونزلنا وكانت الاشتباكات هدأت وانسحب أفراد الجماعة من المكان .
أحسست بالخوف في هذه الأحداث ، ولكن الغريب أنني لم أفكر لحظة بترك الجماعة ، أو حتى التقليل من نشاطي معها .
كان من أبرز الشخصيات في الجماعة في المطرية وقتها أميرها عماد زكي وأخيه نبيل زكي ، وهما من أفضل الشخصيات التي قابلتها من ناحية الصفات الشخصية وليس فكرا ، فهم أصحاب قوة في الحق ، وإخلاص لما يؤمنون به ، وكانا يكملان بعضهما البعض فعماد هو العقل والاتزان النفسي وحسن الإدارة ، ونبيل هو القوة والاندفاع الذي يصل لحد التهور.
لم يمكث معنا نبيل كثيرا فقد اعتقل سريعا في منتصف عام 1991 ولم يخرج إلا في عام 2007 ، وكان ذلك من فضل الله عليه وإلا فهو كان مرشحا جيدا للجناح العسكري وغالبا كان سيتورط في أحداث العنف التي تورطت فيها الجماعة ، فقد كان عاشقا للجهاد وللشهادة في سبيل الله ، ولكن فترة الستة أشهر التي تعرفت عليه فيها تركت مشاعر طيبة تجاهه ظللت أتذكره بها وكنت أشتاق لرؤيته كثيرا حتى قابلته في المعتقل عام 2001 أي بعد 10 سنوات من اعتقاله ، فقد كان هو وأخيه عماد رموز لي ولجميع أخوة الجماعة في المطرية .
أما عماد فقد أثر في كثيرا بأدبه الجم وإخلاصه لما يعتقده ، وتفانيه فيما يعتقد أنه حق وتضحيته بوقته ودراسته في سبيل الدعوة للجماعة .
وكان مما تعلمته منه عدم الارتباط بالأشخاص بل الارتباط يكون بالحق فقط مما سهل علي فيما بعد نقد الجماعة وقياداتها ، بل نقد الفكر السلفي نفسه فيما بعد ، ومع أنه المؤسس لفكر الجماعة في المطرية ، وأحد أهم أسباب ثباتي في الجماعة والاستمرار بها إلا أنني الآن لا أحمل له أي ضغينة لما عرفته عنه أنه كان صادق فيما يعتقد ولم يكن يسعى إلى مصلحة شخصية سواء منصب أو شهرة فأنا أعتبره كان مغفلا مثلي و مثل الكثير ، ولم يكن ينوي الشر بأحد .
كانت نشاطاتنا في هذه المرحلة أشبه بنشاطات جماعة الإخوان المسلمين ، فقد كنا نقوم بعمل يوم رياضي كل يوم جمعة ندعو إليه الأفراد الجدد كوسيلة لربطهم بنا من خلال عمل ترفيهي رياضي وبه بعض النشاطات الدينية الخفيفة كالأذكار والمسابقات الدينية .
وكذلك القيام بالرحلات الترفيهية وأتذكر أننا قمنا برحلة جميلة إلى أحد شواطئ مدينة السويس كان لها أثر بالغ في ارتباطنا ببعض كأفراد وكجماعة .
هذا غير النشاطات الدينية البحتة من دروس لتعلم قواعد تجويد القرآن ، ومن دروس في السيرة النبوية ، والتي كان الغرض منها كما ذكرت الربط الذهني في عقولنا بين العصبة المؤمنة الأولى التي تعرضت للاضطهاد والتعذيب حتى مكن لها الله في الأرض ، وبين العصبة المؤمنة الحديثة وهي جماعتنا والتي سوف تبتلى كذلك بالشدائد حتى تتساقط العناصر الضعيفة ، وتبقى العناصر القوية التي سوف يأتي على يديها النصر والتمكين .
هذا الربط في أذهانا بين العصبة المؤمنة الأولى وبيننا وأننا امتداد لها هو الذي جعلنا لا نقبل أي نقد للجماعة سواء من أفرادها في الداخل أو من خارجها من التيارات الإسلامية الأخرى ، وكنا نعتبر أن أي هجوم علينا أو نقد يعتبر هجوم على الدين نفسه ، وإن لم نصف الناقد بالكفر الصريح فمن المؤكد أنه من المنافقين .
كنا نتهم الناقدين لنا بهذه الأوصاف مع أنهم من المنتمين للتيار الديني المخالف لنا في الفكر ، أما المنتمين للتيار العلماني والليبرالي فهم واقعين في الكفر بلا شك لأنهم يحاربون الإسلام ، إلا أننا كنا نتوقف في تكفير الفرد المعين منهم بحجة أنه قد يكون جاهلا أو مغرر بهم .
ومن العلوم التي كنا نحرص على تعلمها وكان يقام لنا الدروس الدينية لتعلمها علم العقيدة ، وكان المنهج المطبق علينا فيها هو كتب العقيدة الوهابية النجدية مثل : كتاب ( معارج القبول ) لحافظ بن أحمد الحكمي ، وكتاب العقيدة الطحاوية ، وكتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب ، وكتب هيئة كبار العلماء في السعودية بصفة عامة كانت تلقى القبول لدينا .
ومن الأنشطة المهمة التي كنا نقوم بها ( زيارة القبور ) ، فكانت هناك مقابر بجوار منطقة المسلة كنا نزورها على فترات ، وكان يقال لنا أن هذه الزيارات مهمة جدا لأنها تجعل الإنسان متذكرا دائما للآخرة ، وتساعده على ترك المعاصي ، و على خشية الله في السر والعلن ، وتصغر وتهون من شأن الدنيا في أعيننا ، فلا نتصارع عليها ونزهد فيها لأن الأصل في خلقنا هو للآخرة وليس للدنيا لذلك الآية تقول في سورة ( الملك ) : (( هو الذي خلق الموت والحياة ... )) فقدم الموت على الحياة ، وكنت أقرأ كيف أن عثمان بن عفان كان لا يبكي عندما تذكر أمامه النار والآخرة ، وكان يبكي بحرقة عندما يذكر أمامه عذاب القبر ، مما رسخ في نفسي الخوف الشديد من عذاب القبر ، وأصبح يشكل لي ولنا جميعا أحد أسباب الهموم في الحياة ، فالخوف من عذاب القبر ملك علي إحساسي ، وبات يشغلني في نومي ، وفي يقظتي ، حتى أصبح عبءا نفسيا ضاغطا على أعصابي .
هذا ما كان يقال لنا عن أهمية هذه الزيارات في وقتها وهذا ما صدقته ، ولكن للحقيقة مستويات عدة من التفسير ، وهذا هو المستوى الظاهر لتفسير هذا الاهتمام بزيارة القبور ، ولكن المستوى الأعمق لتفسير هذا الاهتمام ، وهو ما اكتشفته بعد ذلك بحوالي 15 عاما عندما تعمقت في دراسة ظاهرة الإسلام السياسي ، أن الإلحاح على عذاب القبر لم يكن إلا وسيلة للدفع بنا إلى الجهاد بشراسة والحرص على الموت لأننا تعلمنا من أحاديث الجهاد أن الشهيد له مزايا : منها أنه يأمن من عذاب القبر ، والتزوج ب 70 من الحور العين ، إذن وجدت الحل في التخلص من هذا العبء النفسي والخوف الدائم من عذاب القبر ، وهذا الحل هو الاستشهاد في سبيل الله ، وفوق ذلك الفوز بالنساء الجميلات من الحوريات العذراوات ، واللاتي يعتبرن خير جزاء عن حرماننا من نساء الدنيا بسبب الظروف الاقتصادية الطاحنة للمجتمع التي تحد من الزواج ، ومنع الجنس خارج هذا الإطار لأنه من الكبائر . إذن بالاستشهاد في سبيل الله تم حل مشكلتين كبيرتين : عذاب القبر ، و الحرمان من الجنس .
من الأشياء المهمة التي تم تلقيننا إياها مفهوم ( الولاء والبراء ) وهو ما يعني أننا يجب أن نوالي بمعنى نحب وننصر المؤمنين فقط ، ونتبرأ من الكافرين بمعنى بغضهم ، ومحاربتهم .
هذا المفهوم يعتبر في فكر جماعات الإسلام السياسي من أصول الدين وأحد أركان الإيمان ، ومن يتهاون به ولا يطبقه يعتبر كافر بالإسلام .
أنا من طبعي الجدية والالتزام بما أقتنع به ، ورثت هذا الالتزام عن والدي ، فهو شخصية منظمة جدا ، يعشق الحفاظ على مواعيده والتزاماته . فكان من شأني عندما تعلمت مفهوم ( الولاء والبراء ) أن سعيت إلى تطبيقه ، وكانت الفئة المرشحة لتطبيق هذا المفهوم عليها هي المسيحيين . والمسيحيون أو ال***** كما كنا نسميهم كانوا يحتلون مساحة كبيرة من فكرنا ، فكانت الجماعة دائمة الشحن ضدهم ، وأنهم أعداء لنا ، وأننا لا يجب أن ننخدع بمظهرهم الطيب المتسامح لأنهم خبثاء لو تمكنوا منا لقتلونا جميعا ، وجاءت أحداث البوسنة والهرسك ، وما فعله الصرب الأرثوذوكس بالمسلمين هناك من قتل واغتصاب ، فتم استغلال هذه الأحداث أسوء استغلال في الشحن ضد المسيحيين لأنهم أرثوذوكس مثل الصرب ، وهذه هي عقيدتهم ، ولكننا لم نكن نتعرض لهم بالإيذاء ليس لأن هذا حراما ، ولكن لأن هذا ليس وقتهم ، فنحن مشغولون بمحاربة الحاكم الكافر ، ولما نفرغ منه سوف نقوم بتربية ال***** الملاعين ونعرفهم مقامهم .
حتى أننا لم نكن نعتبرهم أهل ذمة لأنهم لا يدفعون الجزية ، فبالتالي لا يوجد لهم عهد عندنا ، وبالتالي فهم حلال الدم والمال والعرض .
بدأت في تطبيق مبدأ ( الولاء والبراء ) على المسيحيين وكان ذلك في مدرستي الثانوية ( ابن خلدون ) وقد كانت آنذاك مرتعا للنشاط الدعوي للجماعة الإسلامية ، والإخوان المسلمين ، و سلفيي أسامة عبد العظيم ، كنت أقوم أنا وأصدقائي من الجماعة باضطهاد الطلبة المسيحيين كلما سنحت لنا الفرصة عند أول خطأ يقعون فيه بحكم العادة بين أي شباب في سن المراهقة يجتمعون في مكان واحد لعدة ساعات ، وأتذكر واقعة حدثت في الصف الثاني الثانوي ، فقد كنت أتشاجر أنا وأحد أصدقائي مع أحد الطلبة المسيحيين ، فجاء أحد الطلبة ليدافع عنه ويخلصه من أيدينا فضربته على أساس أنه مسيحي مثله جاء ليساعده علينا ، واكتشفت أنه مسلم فآلمني ذلك شديدا فكيف أضرب مسلما ، وما آلمني أكثر أنني عندما اعتذرت له تقبل اعتذاري بنفس راضية وسامحني ، وطبعا لم أتألم لضرب المسيحي ، فلا يجوز الإحساس تجاههم بالرأفة والرحمة لأنهم أعداء للإسلام .
واقعة أخرى وهي أن والدة أحد الطلبة المسيحيين الذين كنت أضطهدهم جاءت إلى المدرسة لتستعطفني أن أكف عن إيذائه ، فاستدعوني عند وكيل المدرسة لأقابلها ، لما دخلت عليها مدت يدها لتصافحني ، فرفضت بحجة أن ذلك حرام ، وقلت لها بتعالي المؤمن على الكافر أنا لا أصافح النساء ، فأحرجت ولكنها قالت لي اجلس يا ابني لماذا تضرب ابني وتفتعل معه المشاكل ، قلت لها : لأنني كنت أضرب أحد الأشخاص ( وقد كان مسيحيا ) فجاء وتدخل ليدافع عنه ويحجز بيننا ، فقالت يا ابني ما هو مثل أخيك وخايف عليكم وبيحجزكم عن بعض يعني لم يعتدي عليك ، فقلت لها : مجرد تدخله في الشجار يعتبر غلط بالنسبة لي ويستاهل العقاب ، ظلت المرأة تحاورني رجاءا أن أطمئنها أنني لن أتعرض لابنها مرة أخرى دون جدوى حتى فقدت أعصابها وظلت تصيح حرام عليك ، وأنا لا أعير لخوفها على ولدها بالا .
كانت تظن المسكينة أن الموضوع صغير جدا وسوف يتم حله بسهولة فالأمر لا يتعدى مجرد مشاجرة عادية تحدث كل يوم في مجتمع المدرسة ، ولكنها لم تكن تدري أن الأمر بالنسبة لي لم يكن كذلك بل كان أمر حرب بيننا وبين الكفار ولا يجوز أن نعطي لهم الفرصة كي يتساووا بنا فنحن الأعلون ويجب أن يكون المسيحيين أذلة .
في أحد أيام الدراسة في الصف الثاني الثانوي في عام 1991 سمعنا أنه سوف تعقد مناظرة مع المرحوم فرج فودة في معرض الكتاب ، فتركنا اليوم الدراسي وذهبنا هناك لحضور المناظرة ، وكان يناظره فيها الغزالي ومحمد عمارة ومأمون الهضيبي ، وكانت بعنوان ( مصر بين الدولة الدينية والدولة الدينية ) ، وكان ساعتها الإخوان يحشدون أتباعهم لهذه المناظرة وكان حضورهم كثيفا ، لم أستطع وقتها دخول قاعة المحاضرة من شدة الزحام ، وحتى كان الصوت بالخارج ضعيفا ، ولكني علمت بعدها أنه تم تكفير المرحوم فرج فودة بحجة أنه يرفض تطبيق الشريعة الإسلامية ، وعرفت مؤخرا أن الذي قام بتكفيره جبهة علماء الأزهر التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون ، مما أدى بالنهاية المؤلمة للمرحوم فرج فودة على يد أحد أتباع الجماعة الإسلامية في منتصف عام 1992 ، وهنا المفارقة يكفره الإخوان ويجيشون المشاعر ضده ، وتقتله الجماعة الإسلامية ، فهذه عادة الإخوان المسلمون يهيجون الآخرين ويقفون خلف المشهد يتابعون ما يحدث ، وهذا الموضوع سوف أناقشه بالتفصيل في موضع لاحق .
أمضيت عامي الأول عام 1991 مع الجماعة منخرطا في كل نشاطاتها قارئا لكل ما يحضرونه لي من الكتب ، ومشتريا للكتب التي يرشحونها لنا بالقراءة ، حتى أخذ بلبي انتمائي للجماعة وأصبحت لي بمثابة العائلة ، وأخذت كل وقتي ومشاعري وتفكيري مما أثر بالسلب على مستواي الدراسي ، فأنا وإخوتي من المتفوقين دراسيا ، ونتميز بذكاء أكاديمي عالي ، ففي الشهادة الابتدائية حصلت على مجموع 286/300 ، وفي الشهادة الإعدادية حصلت على 243/280 ، وبدأ انحدار المستوى التعليمي منذ أن التحقت بالجماعة الإسلامية في الصف الدراسي الثاني الثانوي ، فقد مررت من العام الدراسي بصعوبة ، وبعدها في الشهادة الثانوية حصلت على مجموع 54 % ، وكان هذا بمثابة صدمة لوالدتي ، فكل أملها في الحياة هي ووالدي أن نحصل على شهادات عالية ، وما غربة أبي إلا لهذا السبب ، وأعدت الصف الثالث الثانوي مرة أخرى لتحسين المجموع ، فحصلت على مجموع 64 % بالعافية مما أهلني لدخول كلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة عين شمس وكان ذلك في العام الدراسي 1993/1994 .
في عام 1991 و عام 1992 كانت الصراعات الفكرية بيننا وبين الجماعات الأخرى في التيار الإسلامي على أشدها ، فكانت لنا صراعات مع مجموعات القطبيين حول قضية ( العذر بالجهل ) والتي كانت ناقشتها الجماعة الإسلامية في أحد أبحاثها كما ذكرت من قبل ، وكنا نشدد النكير عليهم في هذا الموضوع ونتهمهم أنهم بذلك يتشابهون مع الخوارج والمعتزلة .
وكانت هناك صراعات أخرى مع جماعة الإخوان المسلمين حول كثير من القضايا ، أهمها قضية ( حرمة دخول المجالس النيابية ) فقد كان الإخوان لا يرون بأسا من دخول مجلس الشعب وأنه أحد الوسائل في الدعوة في حين أننا كنا نرى ذلك من الكفر لأن هذه المجالس تشرع القوانين من دون الله ، ولأن الديمقراطية كفر لأنها تقوم على مبدأ السيادة للشعب في حين أن السيادة لا بد وأن تكون لله مصداقا للآية (( إن الحكم إلا لله )) ، لذلك أصدرت الجماعة بحثا يناقش هذه القضية اسمه ( أإله مع الله ؟ ) تثبت فيه حرمة دخول هذه المجالس وأنها قائمة على الشرك بالله في التشريع .
ومن الصراعات الفكرية التي كانت على أشدها بين الجماعة الإسلامية من جهة ، وبين الجماعات الأخرى على اختلافها هي قضية ( تغيير المنكر بالقوة ) فقد كانت الجماعة الإسلامية ترى جواز تغيير المنكر باليد لأي شخص طالما امتلك القوة وأصدر أحد قياداتها العلمية اسمه عبد الآخر حماد بحثا اسمه ( جواز تغيير المنكر باليد لآحاد الرعية ) يثبت فيه صحة هذا الرأي ، وكنا نستنكر على الجماعات الإسلامية تركهم لهذه الفريضة ، وأنهم جبناء اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة .
كنا في الجماعة الإسلامية نتفاخر على الجماعات الأخرى بأننا جماعة أخذت الدين بشموله ، فنحن جماعة تهتم بالعلم على منهج أهل السنة والجماعة ، وتهتم بالدعوة ، وتهتم بتغيير المنكرات في المجتمع ، وتهتم بالإعداد للجهاد ، في حين أن الجماعات الأخرى لم تأخذ الدين بهذا الشمول ، فمنهم من اهتم بالدعوة فقط ، ومنهم من اهتم بالعلم الشرعي فقط ، ومنهم من اهتم بالعمل السياسي فقط ، وكنا نعيرهم بالآية (( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض )) .

وهنا شيء لابد من توضيحه حول هذه الصراعات الفكرية ، فكما ذكرت من قبل أن للحقيقة مستويات عدة من التفسير ، فهناك مستوى أول ظاهر على السطح ، وقد يكون هناك مستويات أخر عدة أعمق لا تتعرف عليها إلا بالغوص في النفسيات ، وتظهر في فلتات اللسان ، وتتضح أكثر بالاقتراب من الشخصيات ، وهل هناك أفضل من المعتقل للاقتراب من الشخصيات .
المستوى الأول ، والذي كنت مقتنع به وقتها أن الجماعة تريد أن تنتصر للدين ،وأنها تريد إقامة الدين بشموله في الوقت الذي تخاذل فيه الآخرون عن نصرة الدين بشموله ،فقاموا بتبعيضه والاهتمام بجزء منه فقط .

أما المستوى الآخر من التفسير فترجع جذوره إلى بدايات نشأة الجماعة في أواخر السبعينيات ، وما بعدها في منتصف الثمانينيات ، ففي هذه الفترة كانت توجد كثير من الجماعات الإسلامية على ساحة الإسلام السياسي ، وقيادات الجماعة كانت تتسم بالطموح العالي والسعي إلى لعب دور قيادي في العمل للإسلام السياسي ، فلم تكن تقبل الانضواء تحت هذه الكيانات الموجودة فعليا ، بل سعت لإنشاء كيان خاص بها يحقق طموحاتها في القيادة والظهور ، فكان لابد من إيجاد المبرر الشرعي لاستحداث كيان جديد على الساحة الإسلامية دون أن يتهموا بحب الرئاسة ، أو بالإسهام في زيادة الفرقة بين التيارات الإسلامية في حين الأمر الشرعي واضح بوجوب التوحد (( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )) .

كان موجودا وقتها الجماعة الأشهر إعلاميا وقتها ( التكفير والهجرة ) التي اغتالت شيخ الأزهر وقتها ( الذهبي ) ، وكان الإعلام يشن حملة رهيبة عليها أفقدها التعاطف الشعبي ، فكان لزاما على الجماعة الإسلامية وقتها وهي تسعى للتمايز ككيان مستقل أن تنشر فكر محاربة التكفير ، وأنه لا يمكن أن تنضم لهذه الجماعة لأنها تختلف معها فكريا ، وليس لأنها تريد البدء ككيان مستقل ! ، وكذلك لأن الجماعة تسعى لكسب تأييد الجماهير ، وجماعة ( التكفير والهجرة ) أصبحت مشوهة إعلاميا ، مما مهد لاحقا لإصدار بحث ( العذر بالجهل ) .

وكان موجودا جماعة الإخوان المسلمين ، فلكي يجدوا المبرر لعدم الانضمام لهم ، وتوحيد الصفوف كان المبرر الشرعي قضية ( حرمة دخول المجالس النيابية ) ، فكان بحث ( أإله مع الله ؟ ) ، وقضية تكفير الحاكم المستبدل لشرع الله فكان بحث ( كلمة حق ) لعمر عبد الرحمن ، وبحث آخر لأحد قيادات الجماعة يناقش قضية الحاكم المستبدل لشرع الله كما ذكرت من قبل .

والمبرر الشرعي الجاهز لتبرير عدم الانضمام لأي من الجماعات الإسلامية الموجودة وقتها هو أنها تجزئ الدين ، ونحن نأخذ الدين بشموله .
تلك كانت المبررات الحقيقية وراء إنشاء الجماعة الإسلامية ككيان مستقل ، وعدم الانضمام لأي من الكيانات الموجودة فعليا ، وهذا ما يفسر العنف الفكري الذي كنا نمارسه مع الجماعات الأخرى ، والحط من شأنهم في النقاشات معهم ، وتضخيم حجم الخلافات بيننا حتى يظل المبرر الشرعي قائما ، فكنا ينطبق علينا الآية (( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا )) .

فقضية مثل ( العذر بالجهل ) هي في الأساس خلاف فقهي ، ولتضخيمها من جانبنا جعلناها خلافا عقديا يوجب الافتراق لأن الذي لا يعذر بالجهل أصبح سليل الخوارج والمعتزلة ، فلا يجوز الاجتماع معه في كيان واحد .

وقضية عدم الحكم بما أنزل الله هي كذلك أحد القضايا الفقهية الخلافية والتي اختلف فيها العلماء كثيرا ، فهي لذلك غير قطعية ، ومع ذلك نجعلها من أصول الدين لنجد الذريعة الشرعية لعدم الانضمام إلى الإخوان المسلمين أو السلفيين ، وهكذا .
__________________
We will never be quite till we get our right.

كلمة الصليب عند الهالكين جهالة و اما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله "كور 1 -1:18"


( سيظل القران اعجاز لغوى فى نظر المسلمين الجهلاء فقط.
لان معظمهم لايستطيع الكتابه بدون اخطاء املائيه )

الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 04-11-2012
الصورة الرمزية لـ knowjesus_knowlove
knowjesus_knowlove knowjesus_knowlove غير متصل
Gold User
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: On the top of ISLAM
المشاركات: 9,078
knowjesus_knowlove is on a distinguished road
مشاركة: رحلتي من السلفية الجهادية إلى العلمانية

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة zagal مشاهدة مشاركة
الحلقة الثانية



أما عماد فقد أثر في كثيرا بأدبه الجم وإخلاصه لما يعتقده ، ,,,,,,,,
فأنا أعتبره كان مغفلا مثلي و مثل الكثير ، ولم يكن ينوي الشر بأحد .

شفت ياأبو الزجاليل ....
وشهد شاهد من أهلها ....
كان مغفلاَ فأفاق من غفلته.....
بالضبط مثلما أقول أنا ....
وذلك حتى لايغضب مني بقية المٌغفلين عندما أصفهم بالغفلة...
__________________




معجزة محمد الواحدة والوحيدة هى أنه أقنع من البشرالمغفلين مايزيد على مليار ونصف يصلون عليه آناء الليل واطراف النهار

ومن المؤكد أنه لن يعترض على كلامي هذا إلا غلماانه نازفى المؤخرات وحورياته كبيرات المقعدات

" كن رجلا ولا تتبع خطواتي "
حمؤة بن أمونة

الرد مع إقتباس
  #4  
قديم 04-11-2012
Zagal Zagal غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2004
المشاركات: 4,351
Zagal is on a distinguished road
مشاركة: رحلتي من السلفية الجهادية إلى العلمانية

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة knowjesus_knowlove مشاهدة مشاركة

شفت ياأبو الزجاليل ....
وشهد شاهد من أهلها ....
كان مغفلاَ فأفاق من غفلته.....
بالضبط مثلما أقول أنا ....
وذلك حتى لايغضب مني بقية المٌغفلين عندما أصفهم بالغفلة...

المغفلون بيعتبروها شتيمه بينما هى حقيقه ... علشان كده بيزعلوا ... لذلك ناقشهم ليعرفوا انهم لم يكونوا مغفلين فقط بل اغبياء ايضا ...

لان بعد ان افتضح كذب شيوخ الفضائيات امام الجميع ..

فالذى يصدق الشيوخ الان هم المغفلون ..
__________________
We will never be quite till we get our right.

كلمة الصليب عند الهالكين جهالة و اما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله "كور 1 -1:18"


( سيظل القران اعجاز لغوى فى نظر المسلمين الجهلاء فقط.
لان معظمهم لايستطيع الكتابه بدون اخطاء املائيه )

الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح

الإنتقال السريع

مواضيع مشابهة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
إرفع رأسك فوق انت قبطى ... إرفع طيظك فوق انت مسلم just_jo المنتدى العام 3 02-08-2011 07:10 PM
عواء المسلمين و صراخ المضطهدين el chife المنتدى العام 0 22-06-2011 05:06 PM
الحرب السلفية علي مصـر makakola المنتدى العام 0 10-05-2011 08:07 AM
العالم السري للتيارات السلفية في مصر - بحث هام (تعرف على عدوك) makakola المنتدى العام 1 07-04-2011 08:28 AM
العلمانية الحارس الأمين للاديان makakola المنتدى العام 0 31-03-2011 04:27 AM


جميع الأوقات بتوقيت امريكا. الساعة الآن » 02:32 PM.


Powered by: vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

تـعـريب » منتدي الاقباط