ومع هذا فليس لأحد أن ينكر علي العرب الأقدمين نبوغهم في البلاغة وبالذات في الشعر الذي استقرت قواعده حوالي القرن الخامس الميلادي، بأعمدته الرئيسية: المديح والهجاء والفخر والغزل. ولكن المؤسف، إن أردنا الحديث عن الجينات الحضارية والثقافية التي ورثها العرب المحدثون عن الأقدمين، أن نجدها قد شَكّلت عقولهم بصورة مدمرة، مُحدِثة ما يشبه العاهات الفكرية. فقد أصبحت البلاغة والمبالغة هي الخلفية الثابتة في العقل العربي إذ تحل محل التحليل والفحص بل والفعل. ووصل المديح مبالغةً إلي النفاق المُقزّز والتأليه. والهجاءُ تحول إلى منظومة متكاملة تبدأ بالردح والقدح وتنتهي بالتخريب وما أكثر منه. أما الفخر فقد صار حالة مستعصية من النرجسية المرضية مع مُركّب زيادة هو في الحقيقة مركب نقص بالمقلوب. وانتهي الغزل إلي الهوس بالجنس، كبتا وانفجارا (دنيا وآخرة
ختاما، تأمل في أحوال"العالم" العربي لتجده يشترك في الجوار وفي اللغة، كلاماً ووعاءً للثقافة، وفي الكثير من المصالح المشتركة، ولكنه يعجز عن أن يتوحد أو أن يتقدم فيصب جام غضبه على "الأشورية العراقية والفينيقية اللبنانية والفرعونية المصرية.." الخ (انظر أعلاه). ثم يلجأ دعاة التشنج العنصري إلى اختلاق وتلفيق الشذرات معا لإنتاج أساطير تصبح حقا مبينا لا يقبل النقاش، يجري تكرارُه بفخامةٍ وتعالٍ وتأفف ممن يجرؤ علي مناقشته.
ثم تأمل، في المقابل، الاتحاد الأوروبي الذي يتكوَّن (في يونية 2004) من 25 دولة لها 20 لغة رسمية؛ أما عن الأصول العرقية والإثنية فحدث ولا حرج. ولكن أحدا هناك لا يهتم بهذه "التفاصيل" إلا على سبيل المزاح والتندر أو من باب البحث العلمي من جانب المتخصصين. فالمهم في الوحدة الأوروبية هو وحدة المصالح ووحدة القيم: قيم الحرية واحترام الإنسان الفرد واحترام القانون والديموقراطية، وإدراكٌ راقٍ بأن في التعددية ثراء وقوة وحيوية
هل المشكلة أن القيم الرئيسية التي تجمع العرب، الذين يقال أنهم "ظاهرة صوتية" تطورت مؤخرا لتصبح "ظاهرة ارهابية"، هي قيم التخلف؛ وأحد دلائله ذلك التمسك الأبله بأهداب العنصرية وعراقة الجينات؟؟
http://www.copts.net/arabic/detail.asp?id=148