غزة-دنيا الوطن
كشفت معلومات جديدة عن علاقة تنظيم القاعدة الإرهابي في السعودية بعالم المخدرات، حيث يقوم العديد من أعضائه بتعاطي الأقراص المخدرة أو تدخين الحشيش قبل تنفيذ هجماتهم أو عملياتهم الانتحارية، كما كشفت معلومات أخرى عن اعتماد التنظيم في العراق وأوروبا وآسيا على ترويج المخدرات لتوفير مصادر للدعم المالي.
وقالت تلك المعلومات التي حصلت عليها صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية إن شبكة تنظيم "القاعدة" في مدينة الجوف (شمال السعودية) التي قتلت قاضياً شرعياً مناهضاً لفكرها وعدداً من المسؤولين ورجال الأمن، وتم الإيقاع بعناصر المجموعة ثم محاكمتهم وإعدامهم الأسبوع الماضي، كان أفرادها على صلة بعالم المخدرات.
وطبقا لهذه المعلومات فإن أفراد المجموعة التي قامت بعمليات الاغتيال المنظم في الجوف، كانوا يتعاطون بعض الحبوب المنبهة من نوع "كبتاجون" وكذلك الحشيشة المخدرة. وقد اتضح ذلك من خلال رصد مخابئهم وأيضا بعد إجراء تحليل الحمض النووي على أفراد الشبكة، والذي أسفر عن وجود آثار المواد المخدرة في دمائهم.
وقالت الصحيفة إن هذه ليست المرة الأولى التي تتكشف فيها صلة بين "القاعدة" في السعودية وعالم المخدرات، فحسب مصادرها فإن مجموعة مسجد الصوير، قرب الجوف (شمال السعودية) التي حوصرت في الخامس من يوليو/تموز 2003 وقتل فيها تركي الدندني، بعد أن فجر نفسه، ومعه الكندي من أصل كويتي عبد الرحمن جبارة، المدرجان ضمن قائمة المطلوبين الـ 19، إضافة إلى اثنين آخرين، عثر بحوزتهم على مخدرات إضافة إلى مبلغ مالي تجاوز 135 ألف ريال وهويات ووثائق مزورة وغيرها من المضبوطات.
وقال المحققون إن بعض أفراد هذه المجموعة كان يتعاطى المخدرات، وتحديدا أبرز عناصرها تركي الدندني، الذي عثر في جيوبه على حبوب مخدرة في موقع المواجهة وأكدت نتائج الحمض النووي التي أجريت على جثته أنه كان يتعاطى هذه المادة المخدرة.
مبرراتهم لتعاطي المخدرات
وحول التناقض الظاهري بين تحريم المخدرات دينيا وتعاطيها أو الاتجار بها، رأى خبير أمني متابع لقضايا "القاعدة" تحدث للصحيفة ان هناك مسوغاً قد يقتنع به بعض أعضاء القاعدة أو الشبكات الإرهابية لتبرير الجمع بين العمل "الجهاد"، كما يقولون وبين معصية أو اثم من نوع تعاطي المخدرات المحرمة. ورأى خبراء آخرون أن هناك تبريرا آخر يقوم على أن الاتجار بالمخدرات يختلف عن استخدامها، فالأول يجوز بقصد الأضرار بالغرب وتصدير هذه المواد الضارة إليه، وأما تعاطيها فهو الممنوع.
وأشارت الصحيفة إلى أن ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز كان قال في تصريحات في 16 مارس/آذار 2002 ان أسامة بن لادن "عندما كان في السودان لم يكن شيئاً، وعندما انتقل إلى أفغانستان قيل انه انخرط في تجارة المخدرات وزاد دخله، وفي رأيي إذا صح ذلك فقد سمحت له تجارة المخدرات بأن يوسع نفوذ منظمته".
وقالت الصحيفة إن 12 أصوليا حوكموا في 12 مايو/ايار 2003، في روتردام بجنوب غربي هولندا بتهمة تقديم الدعم للقاعدة وتجنيد العناصر لها، وكان من ضمن التهم الموجهة لهم تهريب المخدرات. كذلك، ذكر أحمد الصافي ممثل المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني أن القوات المتعددة الجنسيات والقوات العراقية سبق أن ألقت القبض على سبعة من أعضاء «القاعدة» في العراق وبحوزتهم مخدرات.
وكانت منطقة الجوف السعودية قد شهدت سلسلة من الجرائم بدأت باغتيال عبد الرحمن السحيباني، وهو قاض في المنطقة وكان معروفا بمواقفه المناهضة لفكر «القاعدة». ويعتقد أن آراءه الدينية المناهضة للقاعدة كانت سبب اغتياله عندما كان يقود سيارته باتجاه عمله صباح يوم 12 سبتمبر/أيلول 2002.
وبعد أقل من خمسة أشهر، قتل وكيل إمارة الجوف حمد الوردي بعد إطلاق النار عليه خلال توجهه إلى مقر عمله في صباح يوم 17 فبراير/شباط 2003. وبعد شهر، قتل الجندي أول علي بن ناصر الرويلي بعد إطلاق مجهولين النار على دورية أمن بتاريخ 25 مارس/آذار 2003. وفي 21 ابريل/نيسان 2003 قتل المقدم بشرطة منطقة الجوف حمود الربيع بعد إطلاق النار عليه وهو متجه من عمله إلى منزله بحارة اليابس بضاحية اللقائط وكان يرتدي الزي العسكري الرسمي.
يشار إلى أن كثيرا من أعضاء "القاعدة" أو المتعاطفين معها كانوا قد تلقوا تدريبات في أفغانستان، أحد أهم البلدان المنتجة للمخدرات في العالم. وحسب بعض الإحصائيات فإن 200 طن من المخدرات تضبطها إيران سنوياً على حدودها مع أفغانستان. كما أن نصف ميزانية حكومة طالبان، التي أطيح بها أواخر عام 2001، كانت تعتمد على تجارة المخدرات، حسبما افادت تقارير.
تفجير النفس وتصفية الزملاء
وإضافة إلى تعاطي المخدرات، قالت الصحيفة إن ممارسات أخرى لأعضاء القاعدة شكلت حالات غير مألوفة في المجتمع السعودي؛ فتفجير النفس بواسطة حزام ناسف أو قنبلة كان صادما للبعض، وهذا ما حصل مع تركي الدندني ورفاقه في مواجهة مسجد الصوير بالقرب من الجوف شمال السعودية. وقال مراقبون إن القاعدة تعتمد تفجير النفس في إطار تفادي الاستسلام وبالتالي إفشاء السر.
وكان عبد العزيز الجربوع أحد المؤيدين السعوديين للقاعدة من الناحية التنظيرية كتب مؤلفا في جواز قتل النفس هربا من الوقوع في الاعتقال وإفشاء السر، واسماه "المختار في حكم الانتحار خوف إفشاء الأسرار". وقد أجاز في ذلك المؤلف الانتحار بناء على فتوى كان الشيخ محمد بن إبراهيم، مفتي السعودية السابق، قد أصدرها للمجاهدين الجزائريين الذين كانوا يقاتلون ضد الاحتلال الفرنسي، خشية الوقوع في الأسر الفرنسي.
كذلك، حصلت مواجهة في 12 ابريل/نيسان 2004 في فيلا بحي الفيحاء في الرياض وأسفرت عن مقتل خالد السبيت، أحد المطلوبين أمنياً، والذي كان يقوم بحراسة الفيلا داخل سيارته التويوتا ذات الدفع الرباعي.
ووفق معلومات حصلت عليها "الشرق الأوسط"، فإن السبيت الذي عثر على جثته متفحمة داخل سيارته، مات في البداية بطريقة أخرى. وما حصل أن السبيت عندما رأى قوات الأمن مقبلة نحو الفيلا قام بإطلاق النار من رشاشه عليهم، مما استدعى الرد فقتل فورا، وفي لحظتها قامت المجموعة المتبقية بإطلاق نار كثيف من أكثر من اتجاه، ثم انسحبت المجموعة التي يقودها فيصل الدخيل، وأثناء مرورهم بسيارة السبيت، قام فيصل الدخيل بالقاء قنبلة مولوتوف حارقة على السيارة، فاشتعلت النيران فيها، وتفحمت جثة السبيت بداخلها. ويعتقد أن سبب إحراق السيارة والجثة كان إخفاء معالم الجثة.
وقالت "الشرق الأوسط" إن تصفية عناصر من "القاعدة" لزملائهم الذين يختلفون معهم، صار من العادات المكررة للتنظيم في السعودية، وقدمت مثالا لذلك ما تردد حول قيام الزعيم السابق للتنظيم "عبد العزيز المقرن" ورفيقه "فيصل الدخيل" بتصفية مفتي التنظيم "عبد الله الرشود"، قبل أسابيع قليلة، من مصرع المقرن ورفاقه في عملية حي الملز وسط الرياض في 18 يونيو/حزيران 2004.
وذكرت أن شقّ عبد الرحمن اليازجي لبطن رفيقه اليمني في مواجهة حي الصناعية في الرياض الأسبوع الماضي يأتي أيضا في هذا الإطار، وأشارت إلى أن اليازجي -المطلوب على لائحة الـ 26- كان ماكثاً في منزل مضيفه اليمني، وعندما حاصر الأمن السعودي المنزل، فاعتقد أن مضيفه أبلغ عنه فشق بطنه بعد أن فجر القنبلة التي كانت حول جسده.
وقالت الصحيفة إن من فصول تصرفات "القاعدة"، قيام المحاصرين في عملية الرس الأخيرة بإلقاء جثث رفاقهم الذين سقطوا بنيران قوات الأمن السعودية، على نار الإطارات المشتعلة من أجل إخفاء معالمها ومن أجل إشغال عناصر الإنقاذ بإطفاء النار مما يساعدهم على المراوغة والتحرك في الخفاء.
*الشرق الاوسط
|