
23-12-2006
|
Registered User
|
|
تاريخ التّسجيل: Mar 2005
الإقامة: في عيني الله
المشاركات: 6,772
|
|
صراع النقاب والبكيني .
صراع النقاب والبكيني
مجدي شندي
ما يجري في استراليا نموذج مصغر للاستقطاب الحاد بين ثقافتين وحضارتين: ثقافة إسلامية تعبر عن حضارة آفلة، وثقافة غربية تعيش حضارتها لحظة توهج ولحظة غطرسة قوة.
وللحق فإن ثقافتنا الإسلامية لاتزال أسيرة أعراف وتقاليد تختلف في مدي قربها وبعدها عن الإسلام وتحتاج إلي مراجعة شاملة.. إذ ليس من المعقول أن الدين الذي أنار بتعاليمه ظلام القرون الوسطي والذي رسم طرقا للفلاح في الدنيا والآخرة
ينتج نموذج الدولة التي نراها في العالم الإسلامي.. دولة شديدة التخلف والفساد والاستبداد لا توفر رفاهية مادية ولا سموا روحيا، بل تطحنهما معا، وترتد بالإنسان إلي درك الغابة، حيث القوي يسحق الضعيف، والغني يستعبد الفقير، والحاكم يستبد بالسلطة ولا تزحزحه عنها إلا قبضة ملك الموت.
في المقابل نجد الثقافة الغربية * رغم كل المآخذ عليها * صنعت تجربة حضارية فذة في التمدين والتصنيع، فاخترقت آفاقا وعبرت دروبا غير مسبوقة ورتبت آلية لإنصاف الإنسان نظريا علي الأقل عبر قوانينها ودساتيرها، وحددت مسارات لتدوير السلطة وتداولها وأسقطت خرافة الحاكم المعصوم الذي يجعل الشعب في ذمته حتي باب القبر، وإن ارتكست بالروح ورأت الخلاص في تحويل كل شيء إلي سلعة حتي جسد الانسان وملكاته التي هو مستأمن عليها وليس حرا في التصرف بها.
نحن إذن أمام نموذجين متناقضين في الحياة، كل منهما بحاجة إلي تنقية وتقويم.. والصراع الذي يتبدي اليوم ليس بين روح الاسلام الصحيح والمادية الغربية الجموح، بل بين شوائب الحضارة الإسلامية الغاربة وفضلات المادية الغربية التي كان يجدر بالغرب التخلص منها لصناعة نموذج حياتي شبه كامل يرتقي بالإنسان إلي أعلي درجات الرفاهية ويتيح له في الوقت نفسه أن يظل علي إنسانيته لا أن يسحقها باسم التمدين.
في هذا السياق تعد جمعيات نسائية استرالية لمظاهرة بالبكيني أمام مسجد لاكيمبا أكبر مساجد استراليا يوم 26 يناير المقبل * الذي يوافق عيد استراليا الوطني * احتجاجا علي تصريحات الأخ تاج الدين الهلالي مفتي المسلمين هناك التي ندد فيها بلحم النساء المكشوف، وتقابلها في نفس التوقيت مظاهرة أخري بالنقاب احتجاجا علي مظاهرة المايوهات النسوية.
ورغم أن الإسلام دخل في أتون صراع مكشوف لا يوجه ضد نواقصه وإساءة تفسيره وإنما ضد روحه وجوهره السمح، إلا أن أحدا في العالم الإسلامي لم يشغل نفسه بمواجهة هذا التحدي الضخم، ولم يرسم خرائط لكيفية إدارة هذا الصراع، وتخيل المدي الذي يمكن أن يصل إليه. كما لم يحدد أحد طرقا للوئام مع حضارة الغرب دون تنازل عن ثوابت الإسلام، وعن القيم الأصيلة التي يجب أن يتشارك الغرب في إرثها بدلا من أن يحاول نسفها نسفا، ويقتلعها من جذورها بغثها وسمينها، وهكذا أصبح العالم الإسلامي علي هيئته ونمط حياته الحالي أسوأ محام ممكن عن أسمي قضية إنسانية تتعلق بتاريخ وتراث ودين أمة يقر المنصفون في الغرب أنها أعرق الأمم وصاحبة يد بيضاء علي الإنسانية.
نحن نضر الإسلام من حيث أردنا أن ننفعه، ونخذله رغم أننا نخوض معاركه، ذلك أن النموذج الذي صنعناه نموذج سيئ لايمكن لصاحب عقل رشيد الدفاع عنه، ويكفي أن كل مساوئنا تنسب للإسلام زورا وبهتانا وهو منها براء.
أحيانا أتخيل ان العالم الإسلامي بحاجة إلي طوفان جديد يكنس كل هذا العفن ويضع بذور أمة جديدة تطبق الإسلام نصا وروحا وتصنع دولة يشعر الغرب إزاءها بالضآلة، وأحيانا أخري أقول لنفسي: إن حركة إصلاحية في الاتجاه الصحيح يمكن أن تفعل ما يفعله الطوفان.
|