الكاتب الصحفى «صلاح عيسى» - رئيس تحرير جريدة القاهرة - بدأ حديثه بالتأكيد أن «النص الذى يحظر إقامة أى أحزاب دينية أو ممارسة نشاط سياس باسم الدين والذى سيتم إقراره دستوريا ليس بجديد، حيث إنه موجود فى قانون الأحزاب لعام 1977، ولكن الجديد هو أن يتم رفعه من مستوى القانون إلى مستوى الدستور، وهذا يعطيه ثباتا ونفاذا أكثر.
ما توقعاتك بشأن تعامل الإخوان مع هذه التعديلات وكيف سيتحركون سياسيا خلال الفترة المقبلة؟ أجاب قائلا: فى تقديرى أن الإخوان أمامهم خياران أساسيان، إما أن يتجاهلوا ما يحدث ويستمروا فى النهج القائم الآن، وبالتالى يعرضون أنفسهم لمساءلة القانون خاصة أنه فيما يبدو أن الحكومة الآن تحاول إنهاء الاتفاق العرفى الذى تم بينها وبين الإخوان، والذى بمقتضاه كانوا يعملون بشكل غير قانونى. أما الخيار الثانى وهو أن تنهى هذه التعديلات حالة الجدل بين أعضاء الجماعة حول تأسيس حزب مدنى، حيث إنه من الممكن أن تقنع هذه المادة الخاصة بحظر إقامة أى أحزاب دينية، المعارضين لفكرة الحزب الدينى داخل الجماعة والذين قد يغيرون آراءهم، وبالتالى تتحول الجماعة إلى حزب مدنى يحترم قيم المواطنة والمدنية.
قاطعته متسائلا: هل أفهم من رؤيتك هذه أنهم لن يسعوا لمقاومة هذه التعديلات؟ فأجاب قائلا: لا بالطبع، سيحاولون مقاومة هذه التعديلات، وسيحاولون عرقلتها، ولكن هناك احتمالا آخر هو الأقرب للتحقق، وهو أنه نظرا لأنهم الآن فى موقع دفاع، نتيجة سلسلة الأخطاء التى ارتكبوها خلال العام الماضى.. وحالة الإزعاج الاجتماعى التى أثارها موضوع ميليشيات الأزهر، فضلا عن الضربات الأمنية الأخيرة التى يبدو أنها أصابت مفاصل التنظيم، قد يلجأون إلى ما يسمى بالتكتيك السكونى، بمعنى ألا يحاولوا التصعيد، أو شن حملات على المادة كما هو متوقع.
هل احتمال اللجوء للعنف من قبلهم وارد خلال المرحلة المقبلة؟
- الإخوان لديهم قناعة ثابتة أن العنف يستدعى عندهم ما يسمى بسنوات المحنة، كما أن العنف يحدث فى حالات التشرذم، عندما يفقد التنظيم سيطرته على زمام الأمور، ولكن هذا غير وارد الآن.
فى حالة تم إقرار التعديلات الدستورية وفى حالة رفض الإخوان الاستجابة لهذه التعديلات، هل سيلجأون إلى التوارى وراء تحالفات مع أحزاب وكيانات سياسية موجودة ومعروفة؟
- لقد بدأوا فى هذا الأسلوب بالفعل، فقد قاموا بعمل تحالفات من قبل داخل تنظيمات مشروعة وقائمة ومن خلال الائتلافات الانتخابية، مثلما فعلوا مع حزب الوفد 1984، ومع حزبى العمل والأحرار 1987، حيث فاز حوالى 38 مرشحا إخوانيا بمقاعد برلمانية، وفى حالة إذا تم إقرار هذه التعديلات الدستورية ستكون لديهم رغبة عارمة فى التحالف مع الأحزاب السياسية، التى أعتقد أنها لن تمانع، فقد كانت هناك أحزاب كبرى تحرص على التحالف معهم، طمعا فى قوتهم التى تكسبها بسبب الشعارات الدينية والتى تمنحهم شعبية يفتقدونها.
ولكن هل تعتقد أنه من خلال تجربة هذه الأحزاب مع الإخوان قد يقبلون الدخول معهم فى تحالفات خلال الفترة المقبلة؟
- تستطيع أن تقول إن هناك الآن اتجاها عاما لدى الأحزاب بالرفض بسبب التجارب السابقة، والدليل على هذا ما نشرته جريدة الوفد فى صفحتها الأولى خلال الشهور الماضية حول أن «الوفد حاجة والإخوان حاجة أخرى، ومش ممكن يتحالفوا»، وهذا موقف جديد للوفد. ولكن هناك نقطة مهمة يجب أن نستوعبها جيدا وهى أن هذه التعديلات - لو تم إقرارها - ستسد الطريق أمامهم وأية محاولة منهم للتحايل على هذه المواد، ستعرضهم للمساءلة القانونية، وبالتالى هذا يعنى أنهم لن يستطيعوا كسب الناس بدون شعاراتهم الدينية وهو ما سيترتب عليه تراجعهم، وبالتالى يجب عليهم أن يجتهدوا لكى يوائموا أوضاعهم من أجل مصلحة الدولة، ومن أجل الحفاظ على قيم المواطنة، فالدين يجب أن يكون خارج لعبة السياسة. وكما قال الرئيس، فإن هناك مخاطر كثيرة تحيق بنا، وبالتالى يجب أن نحترس وأن نبتعد تماما عن اللعب بسلاح الدين فى السياسة.
المفكر اليسارى محمود أمين العالم من الذين يرون أن «التعديلات الدستورية لن تقضى على الإخوان لأن الحل ليس هو فقط فى التعديلات، وإنما الحل هو تغيير واقع المجتمع، ومنظومته الفكرية، وتغيير هذا النظام الموالى لأمريكا».
سألته: هل تعتقد أنهم سيتراجعون ويتقهقرون فى حالة عجزهم عن التواكب مع هذه المتغيرات السياسية المختلفة؟ فأجاب: أتوقع أن يلجأوا إلى تغيير اسمهم وشكلهم، أى الشكل الخارجى فقط، ولكنهم سيكونون أقوى من الداخل وربما يصبحون حركة سرية مثل الحركة الشيوعية.
كيف ستكون أبرز ملامح التحرك السياسى للجماعة إذن؟
- أولا، سيتجهون إلى العنف المعنوى والمقصود بالعنف المعنوى عنف كتابات، عنف فى تفسيراتهم لبعض المواقف السياسية التى قد تثيرها قضية التعديلات الدستورية، فضلا عن أنهم سيلجأون إلى أشكال أخرى للعمل، مستغلين تواجدهم الاجتماعى والدينى من خلال الجوامع والجامعات خاصة جامعة الأزهر، فكل هذه طرق مختلفة يستطيعون أن يؤكدوا وجودهم من خلالها. وكالعادة سيلعبون دور المضطهد، وسيقف الناس معهم وخاصة أنهم يلعبون على وتر الدين، أى ما نستطيع أن نقوله هو أن مقاومتهم ستكون مقاومة اجتماعية تراهن على القضايا الاجتماعية والأخلاقية مثل ارتفاع الأسعار، وليس مقاومة سياسية مباشرة كما هو معتاد. سألته عما إذا كان المقصود من كلامه أن قاعدتهم الشعبية لن تتأثر بمثل هذه المتغيرات السياسية أم لا؟ فأجاب قائلا: نظرا لأن المجتمع متدين، نظرا لأن الدين جزء من حياتنا، سيكون لهم أنصار، وستظل لهم قاعدة شعبية تتزايد فى المناسبات الدينية التى تتوافق مع منظومتهم الفكرية التى تتيح لهم فرصة التواجد بشكل أكثر فعالية، وهنا يطرأ السؤال: هل يستطيع النظام فى المرحلة المقبلة أن يجعل الجماهير تلتف حوله بتعديلات جوهرية تخدم العمل الديمقراطى وتجعل له سندا شعبيا حقيقيا، أم يترك الفرصة سانحة للإخوان؟!
|