أنني لا احب أن أصيبك عزيزي القارئ بالتشاؤم.. يكفينا ويكفيك حقاً ما نعيشه جميعاً من أجواء سوداوية حطمت كل ما تبقى لنا من أمال حتى صار شعار أغلبيتنا (ما فيش وقت.. ما فيش فايدة.. ما فيش أمل)
وصدقني حين أقول أنني لا أحاول أن اثبط الهمم وأغير القناعات
لكن إنما أدعو إلى ارتداء نظارة الموضوعية والواقعية لتبدو لنا الرؤية – ولو أفضل قليلاً – ويغدو التعامل أكثر حكمة ولا مانع من أن يكون أكثر تحايلاً ودهاءً
وإنما أدعو أيضاً إلى توفير مجهوداتنا إلى معارك أخرى أكثر جدوى وإعادة ترتيب أولويتنا لتتناسب ومعطيات الأمور الحالية
ولا أجد مثالاً على الموضوعية التي أدعو لها هنا أكثر من موضوعية د.سعد الدين إبراهيم في معالجته المنطقية لإطار هذا الموضوع
خاصة كونه واحد من أكثر المطالبين بضرورة إلغاء أو تعديل هذه المادة الملعونة والتي يرى أنها صفقة ساداتية رشوة تبادلية قام بها السادات لتمرير تعديلين آخرين في غفلة من الشعب ـ أحدهما خاصة بمعاهدة السلام مع إسرائيل، والأخرى بإطلاق "المدد الرئاسية" لكي تكون بلا حدود، وكل هذا بالطبع في إطار خدمة أغراض الحكام وليس مقاصد الشريعة
لكن الرجل يقول بعد أن يضع نظارة الموضوعية والواقعية
"إن إلغاء المادة الثانية من الدستور الحالي قد يكون عسيراً في الوقت الحاضر حيث سيكون هناك دائماً من يزايدون ويصيحون
(واسلاماه.. واسلاماه)
ويؤكد الأستاذ/ مجدي خليل على ذلك في مقاله الأخير (رؤية قبطية للإصلاحات الدستورية) بقوله: "من الصعب حالياً الغاء المادة الثانية من الدستور".
وانطلاقاً من هذه الرؤية المنطقية والموضوعية يضع كلاهما حلولاً تتناسب والواقع المعاش
يقول د. سعد الدين إبراهيم: "ولكن الممكن والملح فهو استحداث مادة تقرر "الطبيعة المدنية للدولة والمجتمع، وعلى رئيس الجمهورية وبقية الهيئات السيادية أن تحمي هذه الطبيعة المدنية، ولا نتوقع جدلاً كبيراً حول استحداث هذا النص سواء كإضافة للمادة الأولى أو الثانية، أو كمادة مستقلة. فحتى الإخوان المسلمون، وحزب الوسط، ذو التوجه الإسلامي، يقولون في وثائقهم الأخيرة أنهم "مدنيون ذو مرجعية إسلامية".
ويقول أ/ مجدي خليل "إذا كان من الصعب حالياً إلغاء المادة الثانية من الدستور، فإنه لا بد من إضافة مادة تنص على مدنية الدولة وعلى فصل الدين عن الدولة، وأن المادة الثانية من الدستور لا تمس الحريات الأساسية الواردة في الدستور ولا مواثيق الحقوق الدولية التي وقعتها مصر. "وتستطيع أن تطلع على بقية اقتراحات الرجل والخاصة بهذا الشأن من خلال قراءتك لمقاله "رؤية قبطية للإصلاحات الدستورية"
ولأنني لا أعتقد في نفسي القدرة الفقهية السياسية ولا المقدرة على تفصيل ولو بند دستوري واحد كما يفعل عتاة ترزية القوانين والدساتير فإنني أكتفي هنا بما قاله هذا وبما ذكره ذاك
أشارككم يا سادة بالطبع - كما الجميع - في المطالبة بإلغاء أو على الأقل تعديل المادة الثانية من الدستور.
لكنني أدعوكم بقلب صادق – على الأقل الآن - أن كفانا ما أهدرناه من ورق
وكفانا ما استنفذنا إياه من مداد الأقلام
فلنحاول أن نصنع لنا معاول من حديد
معاول تصلح حقاً لتحطيم الصخور
وقد يكون لحديثنا هذا بقية
وأقول (قد) إن شاء الرب وعشنا
لا أنا بل نعمة الله التي معي
جورج شكري
|