فى الوقت نفسه فإن دراسة «السرد التاريخى» للكعبة المشرفة قوبلت برفض علماء الأزهر مؤكدين أن هناك أماكن مقدسة فى الإسلام لا يجوز المساس بها أو تغييرها، وقد وصل بعضهم فى تفنيد الدراسة إلى اعتبارها محاولة لإحداث بلبلة بين جمهور المسلمين، حيث يسعى صاحب الدراسة لعمل «فرقعة» طلبا للشهرة، حتى إن كان ذلك على حساب الدين وجوهره، والإساءة إلى الثوابت! يقول «د. منيع عبدالحليم» - عميد كلية أصول الدين الأسبق: إن الحديث الذى استند إليه الشيخ صاحب الدراسة قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكنه لم يفعله، ومادام لم يفعله فلا يجوز لنا كمسلمين التعرض لهذا الأثر أو تغييره لقداسته، ومن يتلاعب بهذه القدسية فهو جاهل وعابث يرغب فى الشهرة أو الوجاهة، ويوضح «د. منيع» أن تلك ليست المرة الأولى التى تثار فيها هذه المسألة، حيث جرى بحثها من قبل عندما هاجم «الحجاج بن يوسف الثقفى» الكعبة المشرفة وضربها بالمنجنيق فحطم الكثير من جدرانها، وقد أجمع الصحابة والتابعون فى ذلك الوقت على عدم المساس بالكعبة لاستكمال ما نقص منها، كما تكررت تلك الواقعة فى عصر خلفاء «بنى أمية» الذين طالبوا بإعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم - عليه السلام - فرفض العلماء كى لا تزول قدسيتها أو يقل بريقها فى نفوس المسلمين باستمرار هدمها وتغيير معالمها من وقت لآخر!
أما «محمد عبدالعليم العدوى» - رئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية أصول الدين - جامعة الأزهر الأسبق - فيقول: بناء الكعبة على ما هى عليه الآن أقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما وضع الحجر الأسود، وذلك فى عهد قريش، ثم حدث أن أراد عبدالله بن الزبير - رضى الله عنه - أن يرفع جزء الكعبة الذى يسمى الحجر ليصل إلى نفس الارتفاع، كما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - شرع فى استكمال بناء الكعبة فعلا، إلا أن الخليفة «عبدالملك بن مروان» لم يتثبت من هذا الحديث، فقام الحجاج بن يوسف الثقفى بهدم ذلك الجزء، وتم ذلك فعلا، وظلت الكعبة على ما هى عليه الآن، ثم تولى هارون الرشيد الخلافة ففكر فى رفع هذا الجزء الذى يسمى الآن بـ «حجر إسماعيل» إلا أن الإمام «مالك» - رضى الله عنه - أفتاه حينها بأن الكعبة ستظل على هذا الوضع كما أقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لهارون الرشيد : دع هذا البناء كما أقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يكون ملعباً للملوك!
وأكد «العدوى» أن علماء الأمة الإسلامية أجمعوا على بقاء الكعبة على ما هى عليه لاسيما أن ما يسمى بـ «حجر إسماعيل» هو جزء من الكعبة، لا تجوز الصلاة فيه كما لا يجوز الطواف من داخله، أما صلاة السُنة «النوافل» فتجوز، وعلق العدوى على الدراسة قائلا: إن إثارة مثل هذه القضايا التى أجمع عليها علماء الأمة بمثابة فتنة وفحشاء وفرقة! «د. مصطفى الشكعة» - عضو مجمع البحوث الإسلامية - فجر مفاجأة مؤكدا أن هذه الدراسة لم يتم عرضها على المجمع، وأنها مرفوضة لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ارتضى وجود الكعبة على ما هى عليه حتى إن «الحجاج بن يوسف» عندما هدمها وبناها «عبدالله بن الزبير» لرغبته فى إقامتها على قواعد إبراهيم من جديد ثم جاء بعده «أبوجعفر المنصور» - أحد أمراء «بنى أمية» - وأراد أن يبنيها من جديد، وأخذ رأى الإمام «مالك»، فإنه رفض، حيث يعد ذلك تلاعبا بأول بيت وضع للناس فى الأرض! وأضاف «د. الشكعة» أن الكعبة مكتملة منذ نزول الإسلام بصورتها الحالية وبحدودها لا تزيد ولا تنقص، فقد طاف بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهى على هذا، وقال للناس: خذوا عنى مناسككم، وبالتالى فلا يليق بتاتا أن نشكك الأمة فى مناسكها وعقائدها، بدلا من البحث عما يجمع شمل الأمة ويوحدها، ويضيف «الشكعة» إن الثابت أن حجر إسماعيل من البيت وحينما يطوف الناس يشملونه بطوافهم، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذى استدل به داعية الأوقاف كان يعنى منه إدخال «حجر إسماعيل» فى حدود البيت عند الطواف باعتباره ضمن قواعد «إبراهيم»، وأجمعت الأمة على ذلك، ولو أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - استكمال الكعبة لأكملها، فليس هناك داعٍ لافتعال اضطرابات وفتن بين المسلمين! أما «د. عبدالغفار هلال» - أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر - فيؤكد أن الكعبة هى بيت الله الحرام وتعد بمثابة مصدر اطمئنان وأمان للمسلمين، وقد أراد الله للبشرية أن تسير على موقف قويم فأرسل لهم مبشرين ومنذرين، لكن هدم الكعبة الآن وإعادة بنائها سوف يؤدى إلى اختلاف المسلمين والنزاع فيما بينهم، وهذا ما خشى منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل عند تفكيره فى هذا الأمر.
«د. عبدالصبور شاهين» - أستاذ متفرغ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة - وصف دراسة «على عثمان» بأنها كلام لا يعتد به باعتباره نوعا من الفوضى والعشوائية تخترق العقيدة الإسلامية، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اختار الكعبة لأن تكون على ما هى عليه، ولم يحدث بالبيت تغيير وقد قبض الله سبحانه وتعالى حياة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أتم قواعد الإسلام، وأقام بناءه، فلا يجوز إدخال أى تعديل على الكعبة المشرفة. موقف الشيخ «فؤاد عبدالعظيم» - وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد من دراسة «السرد التاريخى للكعبة المشرفة» جاء أكثر حدة لاسيما أنه اتهم صاحبها الداعية «أحمد على عثمان» بأنه يثير المشاكل والزوابع الإعلامية سعيا وراء الشهرة الزائفة، كما أكد أن البحث الذى تقدم به يفتقد لأية أدلة أو براهين علمية، لذلك تم رفضه.
http://www.rosaonline.net/alphadb/article.asp?view=2286
آخر تعديل بواسطة AleXawy ، 17-02-2007 الساعة 08:51 PM
|