القضاء مثل الخدمة العسكرية لا فرق فيه بين مسلم ومسيحى
روزاليوسف - كتب: رجب المرشدي - وفاء شعيرة
هل فعلاً يعبر رأى المستشار مجدى الجارحى السكرتير العام المساعد لنادى قضاة مجلس الدولة عن قطاع كبير من القضاة الذين يرون أن تعيين المرأة فى القضاء خطأ شرعى؟ فعلاً رأى الجارحى جاء من منطلق أنه أحد مسئولى نادى قضاة مجلس الدولة وهو الذى يعبر عن رأيهم. الذين تحدثنا معهم سواء فى مجلس الدولة أو باقى الهيئات القضائية أنكروا هذا الرأى، واعتبروه رأيًا فرديًا لشخص يقرأ الأمور من زاوية مختلفة بحثًا عن الشهرة.
يفرق المستشار رفعت السيد رئيس نادى قضاة أسيوط بين القاضى كوال، كما كان موجودًا فى الماضى، وبين القاضى حاليًا الذى يطبق القانون الوضعى. فى الوضع الأول كان يتعين أن يكون الوالى مسلمًا؛ لأنه كان يشرع النص القانونى واجب التطبيق، ويستلهم هذه الأحكام من القرآن والسُّنَّة أو الاجتهاد من الاثنين، ومن البديهى أن يكون الحكم مطابقًا لكتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، أما فى العصر الحديث فالقاضى يطبق القانون «ولااجتهاد مع وضوح النص»، بمعنى أن القاضى لا يملك الاجتهاد إذا كان النص صريحًا، بل يلتزم بتطبيقه حتى لو كان لا يوافق عليه، فواجب القاضى تطبيق النص كما سنته السلطة التشريعية فى البلاد، ولا يجتهد القاضى إلا إذا لم يكن هناك نص صريح، فى هذه الحالة يجتهد بطريق القياس، وشريطة أن يكون اجتهاده لصالح المتهم وليس ضده.
ويضيف المستشار رفعت: بهذه الشروط، فإن تطبيق القانون يشترط أن يكون القاضى مسلمًا أو غير مسلم، وإنما يحتاج لتوافر شروط العمل ، وأن يكون حاصلاً على الليسانس فى القانون أو عمل لفترة طويلة فى السلك القضائى حتى يصل لدرجة قاضٍ.. وفى رأيى أن العمل فى القضاء يتشابه تمامًا مع تأدية الخدمة العسكرية، حيث كان قديمًا قاصرًا على المسلمين فقط، أما غيرهم فليس عليهم جهاد، وإنما جزية. أما الآن فتأدية الخدمة العسكرية فريضة على المسلمين والمسيحيين فى الدفاع عن وطنهم، وبالتالى فوظيفة القضاء سواء تولاها رجل - مسلم أو مسيحى - أو امرأة لا يجوز التفريق بينهما، إنما التفريق الوحيد فى المواءمة وحسن أداء العمل. بينما ينتقد المستشار نبيل عمران نائب رئيس محكمة النقض والأمين العام المساعد لمجلس القضاء الأعلى مثل هذه التصريحات قائلاً: أى مصرى له الحق فى تولى منصب القاضى، وأنا أعترض على أن القضاة أصبحوا مادة سهلة ينال من هيبتها الجميع بسبب تصريحات غير مسئولة، فلماذا نتحدث حاليًا عن ولاية الأقباط؟ ولماذا ينشر مثل هذا الكلام «الفارغ» الذى يظهرنا وكأننا فى قمة التخلف، وفى رأيى ألا نلقى لهذه الكلام بالاً. ويتساءل المستشار نبيل: من هو المستشار مجدى الجارحى؟ فأنا لم أسمع عنه أو حتى عن تصريحاته، نحن نعيش فى دولة مدنية تضم المصرى، سواء المسلم أو المسيحى، ولو كان اليهود يعيشون فى مصر لكان لهم نفس الحقوق؛ لأن الدستور هو الفيصل فى الحكم، ولم يفرق بين الناس فى القضاء أو غيره، على أساس العقيدة، ونحن حاليًا نعدله من أجل مزيد من المواطنة والمساواة، وإثارة مثل هذه الأقوال حاليًا تسيء لصورة القضاء المصرى فى المجتمع الدولى. يوضح المستشار محمد عيد سالم -الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى-: إن كل شخص له مجال عمل، وأنا كقاض مجال عملى هو القانون، وليس التشريع، فبالتالى عملى هو منصة القضاء، وليس الحلال والحرام، والجائز والممنوع، وما أنادى به أن نترك الأمر لأهل الاختصاص إذا أجازوا ولاية الأقباط والمرأة فنعم، وإذا رفضوا فلا.. وأعتقد أن الأمر سبق أن تم الفصل فيه بالإجازة.
ويضيف: مسألة ولاية الأقباط حسمت منذ فترة طويلة، فنحن لا نعمل بالشريعة، وإذا كانت هناك نصوص وأحكام نرجع فيها للشريعة الإسلامية، ولكن ليست كل الأحكام، بل هناك نصوص وضعية كثيرة جدًا، وهى موضوعات ليست مجالاً للإثارة حاليًا، فقد سبق الانتهاء من هذه القضايا بإجازتها ويتحملها من أجازوا هذه الفتوى وهم متخصصون وأعلم منا بأمور التشريع والفتوى، فلهم ثوابهم، أو عليهم وزرهم. ثم إن المفتى أجاز الموضوع، فلماذا يتم ترديد مثل هذا الكلام؛ إلا إذا كان المقصود منه الإثارة والفتنة فقط، فمن يحرم هم أهل الشرع فقط، وليس القضاة العاملين بالقانون.. ولماذا لا ننظر للبلاد التى سبقتنا فى تطبيق ولاية المرأة والأقباط، هذه الأفكار أساسها نفسي أكثر منها دينى، ولو كان الأساسى دينيا لما قامت مثل هذه البلاد بتعيين المرأة أو الأقباط.. ولماذا نبتعد عن الواقع الفعلى؟ فإن المستشارة تهانى الجبالى لا يمكن أن ينكر عليها أحد جهدها العلمى والعملى فى خدمة القضاء.
ويرى المستشار معتز كامل نائب رئيس مجلس الدولة أن مثل هذه التصريحات معيبة، خاصة أنها صادرة من أحد أعضاء المجلس المسئولين، ونعترف أن هذا الكلام يضر بسمعة البلد، ولكن لا نريد نقييم الوضع من جهة الصواب أو الخطأ، ونحاول علاجه بطريقة لا تضر بأحد، ونحاول فى هذه المرحلة حل أزمة التصريحات ببيان نرضى فيه الجميع على أساس عدم إقحام الأمانة العامة لمجلس قضاة النادى التي يمثلها المستشار الجارحى فى القضية. فى حين يرى المستشار عمرو جمعة بمجلس الدولة أن الطبيعة الدستورية والقانونية والاجتماعية للقضاء تنعطف الآن قليلاً عما نص عليه الوضع فى الشريعة والفقه الإسلامى، فمما لاشك فيه أن القضاء عند فقهاء المسلمين ولاية شرعية تنعقد أهليته باتفاق الشروط التى يجب توافرها بتولى القضاء.
وأنه وإن اختلف فقهاء الإسلام فى بعض الشروط الواجبة لصحة تولى القضاء كالذكورة، إلا أن هناك شروطًا أجمع عليها جمهور الفقهاء فى كل العصور مثل الإسلام، باعتبار أن القضاء ولاية، وأنه لا يجوز ولاية غير المسلم على المسلم، فضلاً عن أن عمل القضاء فى الشريعة الإسلامية يسعى أصلاً إلى تطبيق أحكامها مع عدم جواز تولية غير المسلم القضاء بين المسلمين، وإنما اختلفوا فى تولى غير مسلم قاضيًا على أهل دينه أو ملته، ويشهد التاريخ المصرى على تولى عمرو بن العاص -رضى الله عنه- فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- قضاة أقباط للفصل بين أهل ديانتهم. ويضيف المستشار عمرو: طبيعة القضاء تغيرت قليلاً منذ النصف الأول من القرن العشرين مع ظهور الدولة القانونية بصورتها الحديثة، واتساع البعد السياسى والاجتماعى والاقتصادى لها، واختلفت طرق اختيار القضاة، فلم يعد القاضى حاكمًا بالكتاب والسُّنَّة بقدر ما يحكم بنصوص دستور وقوانين مصدرها الرئيسى الشريعة الإسلامية. وصار القاضى مطبقًا للقواعد القانونية التى تضعها السلطة التشريعية، وليست التى جاءت بالوحى الإلهى، حيث أعيد توصيف فكرة الولاية للقضاء إلى حد يقرب من مبدأ الوظيفة القضائية العامة ذات الكادر الخاص المتعارف عليه فى النظم القانونية المعاصرة. ويؤكد المستشار عمرو جمعة بأن الدستور المصرى فى المادة 14 جعل الوظائف العامة حقًا للمواطنين جميعًا، وأرسى فى المادة 40 المساواة بين جميع أفراد الشعب فى الحقوق والواجبات العامة دون تمييز بسبب الدين أو العقيدة. كما أن جميع قوانين السلطة القضائية ومجلس الدولة المتعاقبة فى مصر وكذلك قانون المحكمة الدستورية العليا لم تمنع تعيين الأقباط فى الوظائف القضائية ولم تستثن أو تشترط فى هذا الشأن، والمؤكد أنه لا فرق بين مسلم وقبطى داخل هيئات القضاء إلا بالأقدمية والأعمال المتميزة، بل يتمتع القضاة الأقباط فى مصر أحيانا بكثير مما لايتمتع به القضاة المسلمون، ووصل بعضهم إلى قمة الهرم القضائى، وأعتقد أن إثارة تلك الأمور فى ظروف البلاد الراهنة أقرب لفتنة لعن الله من أيقظها؟!
|