أخطر المعطيات فى الوضع المصرى هو ما يرقد تحت السطح :
يمكن إيجازها فى كلمتين : ثقافة الاخوان ، وحالة الجيش.
ثقافة الاخوان السلفية السنية الحنبلية
الاخوان ليسوا خطرا فى حد ذاتهم كتنظيم أو حتى كتنظيمات علنية و سرية. الخطورة الحقيقية تكمن فى ثقافة الاخوان السلفية التى تعبر عن أكثر ملامح الدين السنى تعصبا وتطرفا يجرى نشرها باسم الاسلام منذ عهد السادات حتى الآن. يتعاون فى ذلك الأزهر مع الأوقاف و المساجد و الاعلام و التعليم و النوادى والأفلام و المسلسلات.
النظام العسكرى يتمسك بهذه الثقافة السلفية ليزايد على الاخوان و ليبدو أكثر تدينا منهم ، بالاضافة الى ارتباطاته اقليمية، و حاجته الى وجود التطرف ليخيف به الغرب فى الخارج و المثقفين فى الداخل و ليكون التطرف مبررا لوجود الحكم العسكرى و بقاء قانون الطوارىء.
وفى دفاعه عن هذه الثقافة الدينية يضطهد النظام (المباركى ) كل من يناقشها من داخل الاسلام ـ كما يفعل القرآنيون ـ او من خارجه كما يفعل العلمانيون .
اضطهاد الاخوان مع عدم وجود بديل سياسى أو أمل اصلاحى يضيف الى فاعلية هذه الثقافة الاخوانية، ويزيد من فرص الاخوان فى الفوز، وبالتالى يوسع الخطى نحو الهاوية.
تحكم ثقافة الاخوان الدينية لا بد أن يتبعه تحكم سياسى إذا تهيأت الظروف وانعدم البديل الديمقراطى . والنظام العسكرى الحاكم يهيىء بنفسه كل الظروف للاخوان. أى يهيىء الظروف للوقوع فى الهاوية.
ماتحت سطح الجيش أكثر رعبا.
من النظرة السطحية يبدو أى جيش فى عروضه العسكرية أكثر قوة و نشاطا و تنظيما ـ وتبدو اسلحته أكثر رعبا للعدو و أكثر دواعى الفخر للمواطنين. ولكن المظهر ليس كل شىء. الأهم هو ما يجول فى عقول أبناء الجيش من قادة و ضباط ومجندين. ما يدور فى أفئدتهم وعقائدهم هو القول الفصل فى استعمال تلك القوة الحربية التى يحتكرها الجيش.
لم يدخل الجيش المصرى معركة هامة منذ حرب اكتوبر 1973 . والقيادة الحالية للجيش تتربع على قمته منذ حوالى عشرين عاما. والترقية تبعا للولاء للنظام و ليس الكفاءة. وميزانية الجيش ورئاسة الجمهورية لا تخضع لرقابة مجلس الشعب ، وما يجرى فى صفقات التسليح تتناثر حوله روايات الفساد والعمولات. وبينما توجد قلة من القيادات المدللة والمترفة والفاسدة يوجد أغلبية من القادة الوطنيين ؛ منهم الناقمون ، ومنهم اليائسون.
هذا على مستوى القيادات ، فاذا وصلنا الى الرتب الشابة والجنود فالعلاقة بينهما غاية فى السوء. ومعروف أن المجند المصرى ـ خصوصا إذا كان خريج جامعة تتم معاملته أسوأ معاملة. ويتعلم من تجربته فى التجنيد كيف يكره الوطن . فاذا وصلنا الى المجندين الأميين فى الأمن المركزى فما يتعرضون له من إذلال أصبح واضحا للعيان ،وقد ثاروا ثورة فوضوية فى أوائل الثمانينيات.. وبركان التمرد لا يزال يتأجج فى داخلهم ، خصوصا وهم الذين يقع عليهم عبء التحرك العسكرى لضرب إخوانهم المصريين المتظاهرين للمطالبة بالعدل والانصاف. ولا بد لضحايا الظلم ـ من الأمن المركزى و المتظاهرين ـ من الاتحاد معا ـ طال الوقت أم قصر, وعندها تسقط مصر فى الهاوية.
ليس هذا هو نهاية الأنباء السيئة. هناك ما هو أفظع ..
الجيش جزء من الشعب يتاثر بنفس الثقافة الدينية. وأغلبية الجيش هم من الجنود والضباط الشباب الفاعلين العاملين فى المعسكرات و الميادين خارج المكاتب الفخمة . أولئك الشباب فى مرحلة عمرية تترواح مابين العشرين الى الخامسة و الثلاثين. أى ولدوا وتربوا وعاشوا من عصر السادات الى الان ، أى عاشوا ورضعوا ثقافة الآخوان السلفية فى التعليم و المساجد والاعلام والنوادى و محاضرات التوجيه المعنوى داخل الثكنات. أى إنهم أخوان مسلمون بالثقافة ، وان لم يكن بالانتماء. والعبور من الانتماء الثقافى الاخوانى الى الانضمام الفعلى الى الاخوان ليس عسيرا فى ضوء تردى الأحوال وانعدام افق التغيير الاصلاحى السلمى. وعندها ستندلع حركات عسكرية من داخل الجيش و تنشب معارك بين المؤيدين للنظام والخارجين عليه ، ويجرى سرقة السلاح وتهريبه للأنصار هنا وهناك . و تتكون ميليشيات ..ونسقط فى الهاوية.
ولنتذكر أنه حدثت تحركات من قبل من داخل الجيش المصرى . نجحت حركات وفشلت أخرى. والجو الآن مهيأ للمزيد. تحركت بعض شباب الجيش المصرى ونجحوا فى انقلاب سنة 1952 . وكان من عناصر الضباط الأحرار بعض الاخوان، وكانوا كلهم فى نفس عمر شباب اليوم.
وتحرك شباب آخرون وفشلوا فى حادث الفنية العسكرية. وكانت حركة اخوانية بالثقافة. وتحرك شباب آخرون فى حادث المنصة فقتلوا السادات سنة 1981 ، وكانوا يحملون نفس الثقافة.
الان الثقافة الاخوانية فى أوج ازدهارها بين شباب الجيش اليوم ـ والأحوال فى مصر غاية فى السوء ، وليس هناك أمل فى التغيير ـ بل أن رأس النظام رد على المطالبة بالاصلاح بتغيير الدستور وجعل مصر تعيش فى طوارىء الى يوم الدين ..!!.
والاخوان تحت مطرقة الا ضطهاد ، تصل صرخاتهم الى (إخوانهم ) فى نفس الثقافة ، وهم أغلبية الجيش . والمسألة مجرد وقت يفصلنا عن الهاوية..
هذا هو ما يرقد تحت السطح .. وعندما يتحرك سيحمل معه الهاوية.
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
|