
14-04-2007
|
Registered User
|
|
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
الإقامة: EGYPT
المشاركات: 7,419
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم : كتاب ابو هريره للامام الشيخ عبد الحسين شرف الدين الموسوي
هذه دراسة لحياة صحابي روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله فأكثر حتى أفرط وروت عنه صحاح الجمهور وسائر مسانيدهم فأكثرت حتى أفرطت أيضا، ولا يسعنا ازاء هذه الكثرة المزدوجة إلا أن نبحث عن مصدرها لاتصالها بحياتنا الدينية والعقلية اتصالا مباشرا ولو لا ذلك لتجاوزناها وتجاوزنا مصدرها إلى ما يغنينا عن تجشم النظر فيها وفيه. ولكن اسلات هذه الكثرة قد استفاضت في فروع الدين واصوله فاحتاج بها فقهاء الجمهور ومتكلموهم في كثير من أحكام الله عزوجل وشرائعه ملقين إليها سلاح النظر والتفكير. ولا عجب منهم في ذلك بعد بنائهم على اصالة العدالة في الصحابة اجمعين. وحيث لا دليل على هذا الاصل (كما هو مبين في محله بايضاح) لم يكن لنا بد من البحث عن هذا المكثر نفسه وعن حديثه كما وكيفا لنكون على بصيرة فيما يتعلق من حديثه بأحكام الله فروعا واصولا وهذا ما اضطرنا إلى هذه الدراسة الممعنة في حياة هذا الصحابي (وهو أبو هريرة) وفي نواحي حديثه وقد بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب حتى أسفر وجه الحق في كتابي هذا وظهر فيه صبح اليقين والحمد لله رب العالمين. أما أبو هريرة نفسه فنحيلك الآن في تاريخ حياته وتحليل نفسيته على ما ستقف عليه في الكتاب، إذ مثلناه بكنهه وحقيقته من جميع نواحيه تمثيلا تاما تدركه بحواسك كلها والحمد لله على التوفيق. وأما حديثه فقد أمعنا النظر فيه كما وكيفا فلم يسعنا - شهد الله - إلا
الانكار عليه في كل منهما، وقد سبقنا إلى ذلك معاصروه كما ستقف عليه في محله (1) ان شاء الله مفصلا. وأي ذي روية متجرد متحرر يطمئن إلى هذه الكثرة لا يعادلها المجموع من كل ما حدث به الخلفاء الاربعة وأمهات المؤمنين التسع والهاشميون والهاشميات كافة كما فصلنا في الاصل (2). وكيف تسنى لامى (تأخر اسلامه فقلت صحبته) أن يعى عن رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يعه السابقون الاولون من الخاصة وأولي القربى. ونحن حين نحكم الذوق الفني والمقياس العلمي نجدهما لا يقران كثيرا مما رواه هذا المفرط في اكثاره وعجائبه. فان للسنة في حكمتها وأساليبها وخصائصها ميزات يعرفها أولوا الالباب والاذواق الفنية وأهل الاختصاص من علماء البلاغة. فما يسمعوه أو يقرؤوه منها يجدوه متميزا في أذواقهم ومقاييسهم بوضوح واعلان ويجدوا سماته وشاراته متميزة في غير شك ولا شبهة. فالسنة أرفع من أن تحتضن اعشابا شائكة وخز بها أبو هريرة ضمائر الاذواق الفنية، وأدمى بها تفكير المقاييس العلمية قبل أن يشوه بها السنة المنزهة ويسئ إلى النبي وأمته صلى الله عليه وآله. وبالجملة: فان السنة منهاج الاسلام، ودستور الحياة اللا حب في كل ما يجب أن تصاغ الحياة على مثاله في الاخلاق والعقائد والاجتماع والعلم والآداب، فلا يصح في منطق أن نسكت عن هذا الدخل الشائن لجوهر الاسلام وروحه الرفيعة المنادية بالتحرر والانعتاق من كبول العقائد السخيفة والخرافات التي يسبق إلى الذهن استنكارها. * هامش * (1) - في الفصل 14. (2) - راجع منه الفصل 10. (*)
وأذن فالواجب تطهير الصحاح والمسانيد من كل ما لا يحتمله العقل من حديث هذا المكثار. أقول هذا وأنا أرى وجوها تنقبض دوني، ونفوسا تتقبض مزورة عني، وقد يكون لها بسبب الوراثة والتربية والبيئة أن تنقبض وتتقبض أمام حقيقة وضعها البحث على غير ما الفت من احترام الصحابة واعتقاد عدالتهم أجمعين أكتعين أبصعين من غير أن تزن أعمالهم وأقوالهم بالموازين التي أخذ النبي صلى الله عليه وآله بها أمته، لان الصحبة عندهم بمجردها حرم لا تنال من اعتصم به معرة ولا يمس بجرح وان فعل ما فعل وهذا شطط على المنطق، وتمرد على الادلة وبعد عن الصواب. والحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة، لكنها غير عاصمة، والصحابة فيهم العدول وفيهم الاولياء والاصفياء والصديقون وهم علماؤهم وعظماؤهم وفهيم مجهول الحال، وفيهم المنافقون من أهل الجرائم والعظائم، والكتاب الحكيم يعلن ذلك بصراحة (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) فعدولهم حجة ومجهول الحال نتبين أمره، وأهل الجرائم لا وزن لهم ولا لحديثم. هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم والكتاب والسنة بينتنا على هذا الرأي (1) فالوضاعون لا نعفيهم من الحرج وان اطلق عليهم لفظ الصحابة، لان في اعفائهم خيانة لله عزوجل ولرسوله ولعباده، ونحن في غنى * هامش * (1) - لكن الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابيا حتى خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين وافتدوا بالطلقاء وأمثالهم ممن سمع النبي أو رآه اقتداء أعمى وانكروا على من يخالفهم في هذا الغلو وخرجوا في الانكار عن كل حد من الحدود كما بيناه على سبيل التفصيل في ص 11 إلى منتهى ص 15 من أجوبة موسى جار الله وفي الفصل الذي عقدناه في ص 23 منها فراجع (*)
بالعلماء. والعظماء. والصديقين، والصالحين، من أصحابه صلى الله عليه وآله ومن عترته التي أنزلها منزلة الكتاب وجعلها قدوة لاولي الالباب. وعلى هذا فقد اتفقنا في النتيجة وان قضى الالتواء في المقدمات شيئا من الخلاف، فان الجمهور إنما يعفون أبا هريرة، وسمرة بن جندب، والمغيرة، ومعاوية، وابن العاص، ومروان، وأمثالهم تقديسا لرسول الله ولسنته صلى الله عليه وآله شأن الاحرار في عقولهم ممن فهم الحقيقة من التقديس والتعظيم. وبديهي - بعد - أن تكذيب كل من يروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا خارجا عن طاقة التصديق أولى بتعظيم النبي وتنزيهه وأجرى مع المنطق العلمي الذي يريده صلى الله عليه وآله لرواد الشريعة ورواد العلم من أمته. وقد أنذر صلى الله عليه وآله بكثرة الكذابة عليه وتوعدهم بتبوء مقاعدهم من النار فاطلق القول بالوعيد. وإني أنشر هذه الدراسة في كتابي هذا - أبو هريرة - مخلصا للحق في تمحيص السنة وتنزيهها في ذاتها المقدسة وفي نسبتها لقدسي النبي الحكيم العظيم (وما ينطق عن الهوى). وللحق في سلامة التفكير وصدق النظر. وللحق في قواعد العلم والعقل التي تأبى احترام كذاب على رسول الله صلى الله عليه وآله فتعفيه من الجرح لانه صحب رسول الله ! ! وتأبى كل الاباء ان تخضع لروايته (مغلولين مفلولين) فيما يمس السنة النبوية وهي أولى بالتنزيه والتقديس لانها رسالته إلى العالمين وبقيته الباقية إلى يوم الدين. وليس لاحد أن يتقبض أو تنقبض نفسه بعد أن نقدم له كتابنا هذا وفيه صفايا ما عندنا من هذه الدراسة، ونحن نكرم الفكر نفسه ونرفعه عن ان يهون فيسف إلى حياطة الخرافة واحاطتها بسور من قدس موهوم (له باب ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب).
ولا زيد لوجه أن يتقبض ولا لنفس أن تنقبض، بل نريد لمن تمر به هذه السحابة المركومة من التقاليد أن يتحرر منها ثم يمعن في الكتاب امعان إولي الالباب (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الالباب). لا نفصد بهذا الكتاب - شهد الله - أن نصدع هذه الوحدة المتواكبة المتراكمة في هذه اللحظة المستيقظة، بل نقصد تعزيز هذه الوحدة واقامتها على حدية الرأي والمعتقد، لتكون الوحدة على هذا الضوء أهدى للغاية وادل على القصد، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب. والكرامة العقلية أسمى الكرامات التي يسعى إليها أولوا الالباب باغلى ما لديهم من أموال وأنفس ودماء، لانها السلم إلى المجد والجسر إلى الاتحاد. أما إذا شاء بعض اخواننا في الدين الاسلامي أن يصغر خده محمرا أو مصفرا فليصغ إلى هذه الملاحظات المتواضعة، وليفتنا بعدها يجدنا إن شاء الله تعالى أقرب إلى تأليف الكلمة وتوحيد الصفوف بالرغم عن هذا الشوك الذي يقض المضجع، ويخز الفكر، ويدمي الضمير، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم. بين أيدينا الآن من هذه الملاحظات ألوان: بعضها يمس الطبائع في نواميسها وفطراتها، وبعضها متناقض متداحض، وبعضها خارج على قواعد العلم المشتقة من صلب الدين، وكثير منها تزلف إلى بني أمية أو إلى الرأي العام في تلك الايام، وبعضها خيال أو خبال، وهي بجملتها خروج على أصول الصحة في كل معانيها. فمن بلاياه أن ملك الموت كان قبل موسى يأتي الناس عيانا حتى أتى موسى فلطمه موسى ففقا عينه ! وأرجعه على حافرته إلى ربه أعور ! فكان بعد هذه الحادثة يأتي الناس خفيا !.
|